كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

انكسار الريح

حسين عبد اللطيف- فينكس:

- الزمان: مقدمات زمنٍ لاحق
- الوقت: ظهيرة منتصف أيار
- المكان: بلدة من الشمال
في ساحة البلدة الترابية، الحركة خفيفة، أقل من المعتاد، توتر خفي يشوبها بصمت وترقب.
في ظل شجرة الكينا، بائع البطيخ الأحمر، أربعيني أسمر، تغطي رأسه حطاطة مزركشة مائلة إلى الخلف، تبان تحتها ذؤابةٌ لشعرٍ هاجمه الشيب مبكراً، يضطجع على سرير مصنوعٍ من بقايا قطع خشبية قديمة مختلفة القياسات والألوان، نصفه عبارة عن مسند للظهر والرأس، يسمح ببقاء عينه على البضاعة والمارَّة. بجانبه كومة البطيخ تعلوها بطيخة مفتوحة، حمراء بلون الدم.
قعقعة وضجيج آليات تتقدم بتثاقل... تتوقف. يظل صوت هدير المحركات ... جنود يتحركون... ينتشرون عشوائياً، كيفما اتفق، وكأنهم لا يعرفون لماذا جاؤوا!
قعقعة وأصوات متنافرة، وتلاشت الحركة العامة من الساحة.
بائع البطيخ الأحمر لم يتحرك من مكانه، يرفع رأسه قليلاً، ثم يغمض عينيه؛ راحت ذاكرته إلى الجنوب الذي كان، هوَّمت روحه فوق الخطوط والتحصينات، تجولت في القرى المتاخمة، تراءى له دكان تيسير، الذي كانت زوجته تبيعهم فيه ما يحتاجون بعد نهاية الدوام، مأخوذين بوجهها الضاحك أبداً، وفي الداخل يحضِّر تيسير الزيت المخلوط وهو يقسم أنه لم يذُق أطيب منه! يتبادلون النظرات وهم يبتسمون.
عصر ذاك التذكُّر كان مختلفاً، أعولت الصافرات، الضجيج يرتفع، والأصوات تتداخل، والأرواح تتقافز؛ آليات وقذائف وأصوات رصاص، وطائرات وانفجارات، والتراكض يميناً وشمالاً، والنار والدخان...، ثم السكون...!
****
في الساحة الترابية، يمشي كالطاووس، متألِّهاً كخشبةِ صليب!... نَظَر، أجال بصره في الساحة الترابية، توقف. التقط المشهد: - مستطيل، فوقه دائرة؟! أعاد شريط الذاكرة، الصورة مطابقة: حقل الرمي... من الشعيرة إلى أسفل ومنتصف الدائرة... أغمض عيناً، سحب إصبعه.
بائع البطيخ الأحمر، المتكئ، فتح عينيه... ومع الوميض انفتح ثقبٌ في جبينه، خط بِلونِ قلب البطيخة انحدر إلى العين اليسرى، وسرح وراء دمعةٍ سبقته إلى الوجنة، ثم الخد.
قشعريرة غريبة سرَتْ في كياني، بحركة لا إرادية، انتفض جسدي، وارتجفت يدي،
شيء ما حدث! لم أفهم كنهه مباشرة!
ـ الشمال ـ
- ملحق:
في المشفى، حين فتحت عيني، كان "عبد الغني" ـ ابن الشمال ـ رفيقي وحارس روحي، ينحني فوقي، وأنا ممدد في السرير، يمسح بيده على جبهتي وهو يهمس:
ـ تألمت ؟...!