كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

تخزين الفساد... والإهمال!

زياد غصن- فينكس:

قبل حوالي عقدين من الزمن، وفي بداية عملي الصحفي، أجريتُ حواراً جريئاً بعض الشيء مع مدير عام شركة الكبريت آنذاك حسين محمود.

في ذلك الحوار، الذي أحدث نقاشاً حكومياً حول واقع الشركة، قال لي مدير الشركة أثناء حديثه عن معاناة تصريف المنتج: إن مخزون الشركة من أعواد الكبريت، هو بمنزلة قنبلة موقوتة في قلب الغوطة، يمكن لحركة من حشرة ما أن تلهب المخزون والشركة معاً.

ثم تتالت معي قصص مذهلة عن المخازين الضخمة للمؤسسات والشركات الحكومية، التي كانت غالباً عبارة عن سلع راكدة لا تسوَّق، أو منتهية الصلاحية، أو حتى فاسدة..!

وتذكرون فضيحة أكياس القمح التي كانت معبأة بالتراب، وفضيحة الأرز المخزن في مستودعات الاستهلاكية (سابقاً) وهو غير صالح للاستهلاك البشري، وفضيحة اللقاحات التي اتُّهمت بها معاونة سابقة لوزير الصحة... وغير ذلك.

والسبب في كل ذلك: إما سياسات تهدف إلى الإنتاج فقط من دون مراعاة احتياجات السوق، أو إجراءات التخزين السيئة، أو صفقات الفساد التي كان مستقر مخرجاتها في نهاية المطاف مستودعات المؤسسات والجهات العامة.

لذلك، ما حدث مؤخراً من تسرب لمادة الفيول في إحدى محطات توليد الكهرباء، لم يكن مفاجئاً بحكم موروثات عقود من إهمال عمليات التخزين والتساهل بإجراءاتها، والأهم تعقيدات عملية التخلص من السلع والمواد المخزنة وغير الصالحة للاستخدام أو الاستهلاك، وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن هناك حوادث أخرى يمكن أن تقع، وتكون أكثر خطورة وخسارة أيضاً.

لا أبالغ إذا قلت إن مستودعات الجهات العامة بمختلف تصنيفاتها واستخداماتها، تحوي مواد وسلعاً تصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الليرات، وبعض تلك المواد مضت عليها عقود من الزمن لم يجرؤ أحد على تنسيقها خوفاً من الجهات الرقابية، التي تترك من أدخلها وتتربص بمن يحاول إصلاح الخلل، وتنظيف تلك المستودعات من المواد التي لم تعد صالحة للاستخدام لأسباب عدة.

المسؤولية الحقيقية في حادثة تسرب الفيول وغيرها من الحوادث، يجب ألا تُحصر بأشخاص، وإنما الضرورة تفرض الإشارة إلى مسؤولية الجهات والمؤسسات المعنية بالمراقبة والصيانة والمتابعة والتخزين، وإلى الأنظمة والقرارات التي تعرقل كل جهد يحاول الإصلاح، وتضع ألف اشتراط واشتراط على مشروع تطوير...

أقترح على الحكومة أن تتبنى خطة من محورين:

المحور الأول يتمثل في جرد قيمة السلع والمواد الموجودة في جميع المستودعات والمخازين العائدة إلى مختلف الوزارات والجهات العامة بالأسعار الجارية، وذلك وفق آلية عمل شفافة تمنع محاولات التستر على حالات الفساد أو نهب بعض محتويات هذه المستودعات.

المحور الثاني ويتعلق بالطلب من الجهات الرقابية تقديم تقييم فني لحالة المستودعات في الجهات العامة ومكامن خطورتها، والإجراءات الواجب اتخاذها للحيولة دون وقوع كوارث أخرى في هذا القطاع أو ذاك.