كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حزب التلة.. ومايا خليفة

باسل علي الخطيب- فينكس

الجزء الأول....
في الثمانينات كنت أحفظ كل أغاني مارسيل خليفة، كان مارسيل يمثّل -نحن لنا جيل الثمانينات (القرن الماضي)- مثال الفنان المقاوم، كانت أغانيه تستثير فينا دفقاً لاطبيعياً من الوطنية...
هبت رياح الحرب على سورية، وامتطى مارسيل الموجة كأي امعة، سار في شوارع بيروت يلوح بعلم (العورة) السورية....
لم تعد أغاني مارسيل تعني لي شيئاً، بل أكاد أقرف منها، حتى أغنيته (احن إلى خبز أمي...)، فقدت وقعها عندي، لأن صاحبها فقد مصداقيته....
ترى من ذا الذي قال: أنه عندما تهب الرياح، وحدها أكياس الزبالة تغير مكانها...؟...
أنا قلت ذلك...
لم أسمع يوماً عن لسان مايا خليفة إياها، أنها قالت يوماً انها تؤدي رسالة...
هي كانت مايا خليفة، وبقت مايا خليفة....
لماذا مارسيل خليفة في ليلة (وضواحيها) صار مايا خليفة؟.....
من ينكر تاريخ الشاعر طلال حيدر؟...يكفي أنه كتب ( وحدن بيبقو متل زهر البيلسان)....
دارت الأيام وألقى طلال حيدر قصيدة عصماء كال فيها مديحاً فوق العادة لصاحب المنشار محمد بن سلمان إياه...
كيف يجتمع هذا وذاك؟....
كل ذاك التاريخ سقط عندي....
عمن تريدوني أن أحدثكم أيضاً؟....
عن آصالة نصري، جمال سليمان، مكسيم خليل، كندا علوش، يارا صبري؟.....
معادن الناس و حقيقتها لا تبان إلا عند التجارب، حيث تكون النار الفيصل بين خسيسها و نفيسها، فليست العشرة، طويلها أو قصيرها هي الحكم، إنما المواقف صغيرها أو كبيرها.....
قد يتنطح أحدهم ويقول إن هؤلاء أعلاه قد اتخذوا مواقفهم ومواقعهم بشجاعة واصطفوا إلى جانب (الحراك)...
اخبروني، ماذا يسمى الشخص الذي يبصق في البئر التي شرب منها حتى ارتوى؟...
إنك كنت معارضاً للسلطة ودفعت ثمن تلك المعارضة سجناً أو أبعاداً أو قهراً، فقد أفهم أنك اصطففت حيث اصطففت، وقد أعماك حقدك فلم تعد تميز بين السلطة والدولة والوطن..
أما أن تكون وصلت حيث وصلت لانك من محظيي السلطة، أو من خصيان النقابة، وقد وفرت السلطة لك كل مايمكن حتى تصير نجماً، وعندما هبت بعض رياح التغيير، تراك نقلت البندقية من كتف إلى كتف، فهذا في قاموس يأخذ (بمؤخرات) الكلمات ترى ماذا يسمى؟...
أولئك الثورجيين أعلاه بذكروني بإمعات لبنان إياهم، أنه وقد تناوب على هذا البلد على مدى عقود مختلفة اشكال مختلفة من النفوذ، الفرنسي والسوري والفلسطيني والإسرائيلي والسعودي والأمريكي، ولكن اللاعقين بقوا إياهم، تتغير الأحذية شكلاً ومقاساً ولوناً، ويبقى اللاعقون هم ذاتهم...
ولكن أتعرفون لماذا من ذكرتهم أعلاه وغيرهم قد أخذوا جانب (العورة السورية)؟....
عندما بدأت الأحداث في مصر، وقد كانت المظاهرات والاعتصامات تستوطن شوارع وساحات القاهرة، كانت الرؤيا ضبابية، وكان الإعلاميون والفنانون و مشاهير المجتمع محتارين في أي جانب يصطفون، بعضهم تشجع منذ البداية وانضم إلى المتظاهرين، ومنهم الممثل الكوميدي احمد حلمي، والأغلبية ترددت، وعندما تطورت الأحداث وبأن أن أيام حسني مبارك صارت معدودة، تشجع البقية على ركوب الموجة، وتشجعوا لمشاركة المتظاهرين في الساحات، ومنهم تامر حسني مثلاً، الذي انضم إلى المتظاهرين في ميدان التحرير، ولكنهم طردوه من هناك شر طرد.....
يبدو أن فنانينا قد تلقفوا الدرس بسرعة، وعندما بدأت الأحداث في سوريا، وانتقلت التظاهرات المفتعلة إلى مناطق أخرى غير درعا، ظن الكثير منهم أن هذه الموجة جارفة، وان السلطة في سوريا راحلة لامحالة، لذا قرروا ركوب الموجة، والحجز في العربة الأولى لقطار التغيير، فبعضهم تكلم وأخذ جانب (العورة السورية)...
ولكن الأكثر دهاءً فيهم تريث، وقرر الصمت، واتخذ جانب الحياد، ريثما تنجلي الأمور أكثر....
عنونت مقالي بحزب التلة...
من هم هؤلاء؟...
تخيلوا ساح المعركة يتقاتل فيها طرفان، بقرب الساحة هناك تلة، يجلس عليها البعض، ويراقب سير المعركة، حتى يعرفوا ويتأكدوا إلى أين ستميل الكفة، حتى ينضموا إلى الفريق المنتصر مع اقتراب نهاية المعركة، ليتقاسموا الانتصار مع أهله، ويتقاسموا الغنائم، بل الأنكى من ذلك، أنهم قد يسرقون ذاك الانتصار وأغلب الغنائم....
أولئك الذين التزموا الصمت أو الحياد هم حزب التلة هذا.... لطالما احببت اللون الرمادي في الثياب، حتى أنني أملك طقمين من هذا اللون في خزانتي، ولكنني لطالما كرهت هذا اللون في المواقف....
قولي لي، أيهما فيه شرف أكثر؟....
جماعة حزب التلة؟...
أم مايا خليفة؟..
لا أذكر أن مايا خليفة قد وقفت يوماً ما خلف الكاميرا، دائماً كانت أمام الكاميرا، تؤدي عملها بكل إتقان ووضوح وشفافية....
في بداية هذه الحرب، غادر أغلب الفنانين سوريا، وأغلبهم استوطن دبي وحصل على إقامتها الذهبية...
حسناً، هذا حقهم، وهذا خيارهم وقرارهم، ولكن لايحق لك أن تقدم نفسك بعد هذا فناناً صاحب رسالة، فعندي لاتستوى رسالة الفن السامية، مع الإقامة الذهبية، و بلدك يعيش كل تفاصيل جهنم...
أنت في هذه الحالة لست فناناً، لست أكثر من (مشخصاتي)...
نعم، لاتستوي الرسالة مع الإقامة الذهبية، وان كان لابد من الإقامة الذهبية، فليس بالضرورة أن تظن نفسك يوحنا فم الذهب....
لذا اخرسوا...
اعفونا من تعاطفكم وآرائكم....
تحدثوني عن تاريخكم؟....
مايا خليفة عندها تاريخ، و لست أعرف إن كانت مايا خليفة قد أدلت بتصريح ما يوماً ما، مننت فيه جمهورها أنها تقدم له الفرجة والمتعة، هي يكفيها أنها تقبض أجرها و تمضي، هي تعرف انها مشخصاتية و تعترف ولاتخجل بذلك....
مالكم أنتم تقدمون أنفسكم تشي غيفارا، أو لوركا، وأنتم بالكاد تصلون إلى ركبتي مايا خليفة؟...
ترى لماذا انتشرت كل تلك الأعمال الدرامية المشتركة؟...
تلك الأعمال المبتذلة السخيفة الرخيصة ذات الميزانيات الضخمة والبهرجة المزيفة.....
أتظنون أن كل تلك الأموال التي دفعت لكم لأنكم مميزون؟... ألستم مثقفين؟ هل قرأتم مسرحية (فاوست) لفون غوته؟ اقرؤوها لتعرفوا من تكونوا....
تلك الأموال هي ثمن صمتكم، انكم بلعتم لسانكم حيث كان يجب أن تقولوا ولو كلمة حق، لا أقول إن تقولوها في جانب السلطة، فحقكم أن تعارضوها، لكن أن تقولوها في جانب دولتكم، في جانب وطنكم، في جانب جيشكم.....
أخبروني الآن، ماهو الفرق بينكم وبينها إياها؟......
ولكن كل ذلك أعلاه كان (كوم)، ووحده حفل Joy Awards كان (دوت كوم)....
وانا أشاهد (نجومنا) في ذاك الحفل، اكتشفت أن كل تلك (البطولات الدرامية) كانت تمثيلاً، كانت تمثيلاً وحسب، كانت عملاً تم تأديته في سبيل أجر ما..
لا يخطر على بالي وأنا أختم هذه المقالة إلا تلك الحكمة (أن كل شيء ذو ثمن هو رخيص مهما كان ثمنه)...
ولكن هذا سيكون موضوع الجزء الثاني من هذا المقال....