كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الإيرادات.. هي الأهم!

زياد غصن- فينكس:

ذات يوم، كتب لي صديق مهتم بالشأن العام تعليقاً على أحد مقالاتي المنشورة قال فيه: إن رفع أقساط المدارس الخاصة بشكل مضاعف سنوياً من شأنه تعزيز ظاهرة حصر التعليم بأبناء طبقة معينة!

سألته: كيف والدولة لا تزال تدعم مجانية التعليم لجميع السوريين؟ أجابني: هذا صحيح، لكن جودة التعليم في معظم المدارس العامة تراجعت بشكل كبير في العديد من المناطق الريفية خلال سنوات الحرب، وحتى داخل المدن، وهذا ما دفع بالأسر الحريصة على مستقبل أبنائها إلى الإتجاه نحو المدارس الخاصة، وتحديداً تلك البعيدة عن مظاهر الفندقة والأنشطة الترفيهية باهظة التكلفة، وتالياً فإن رفع أقساط جميع المدارس الخاصة إلى مستويات تعجز عنها دخول شرائح واسعة من السوريين يعني عملياً "دفن" آمال أسر كثيرة في تعليم أبنائها كما ترغب، وحصرها بأبناء طبقة معينة.

وهذا ما بات يحدث اليوم، وما قاله الصديق العزيز تتعزز مصداقيته عاماً بعد عام..!

وللأسف فإن الأمر لم يعد يتوقف على الزيادة السنوية المستمرة في أقساط المدارس الخاصة، إذ إن وزارة التربية خطت مؤخراً خطوة تصنف بين أوساط المفكرين الإقتصاديين على أنها أحد الأشكال غير المباشرة للخصخصة.

الخطوة باختصار تتمثل في الموافقة على قيام القطاع الخاص باستثمار بعض الأبنية المدرسية، تماماً كما حدث ويحدث في القطاع العام الإقتصادي منذ عدة سنوات، وهي تجربة لم تخضع حتى الآن لتقييم موضوعي للقول: إنه أنموذج يحتذى..!

لكن إذا كانت مؤسسات القطاع العام الإقتصادي مطلوب منها أن تربح وتحقق إيرادات من دون أن يمس ذلك بوظيفتها السياسية والإجتماعية والثقافية ( عملياً يحدث العكس)... فهل تغيرت اليوم وظيفة وزارة التربية لتصبح مطالبة هي الأخرى بتحقيق إيرادات مالية لصالح الخزينة العامة، وهي المعنية حالياً بأخطر وظيفة مجتمعية؟

لنطرح السؤال بطريقة أخرى...            

ما الذي يدفع وزارة التربية إلى هذا الخيار "الإستثماري"؟

بالمنطق هناك ثلاثة احتمالات أساسية هي:

-البحث عن موارد مالية ترفد الخزينة العامة للدولة، وهو ما يطرح تساؤلات عن أسباب هذا التحول في عمل ومهام وزارة التربية المصنفة بين مؤسسات الدولة كجهة ذات طابع إداري، والأهم التساؤلات المرتبطة بمستقبل العملية التربوية والتعليمية، خاصة وأن التجارب أثبتت أن مثل هذه المشروعات سرعان ما تتوسع بحكم عائديتها المرتفعة بالنسبة للقطاع الخاص.

وإذا سلمنا جداً أن الوزارة معنية في هذه المرحلة بتأمين بعض الإيرادات... أليست هناك مصادر أخرى؟

أعتقد أن التخفيف من حجم الفساد الموجود في هذا القطاع كفيل بتوفير مبالغ مضاعفة عن تلك التي يمكن أن تتحقق من خيار طرح بعض المدارس للإستثمار، ثم لماذا لا تقوم الوزارة بإحداث مدارس خاصة تتولى إداراتها بالكامل ويعود ريعها لصالح خزينة الدولة كما هو حال الأقسام الخاصة في المستشفيات العامة أو التعليم المفتوح في الجامعات السورية؟

-وجود فائض من الأبنية المدرسية غير مستثمرة لدى وزارة التربية فكان الخيار طرحها للإستثمار بالتعاون مع القطاع الخاص مقابل ترميمها وتجهيزها، لكن هذا الإحتمال إن صح يمثل إدانة واضحة لوزارة التربية ومديرياتها بالنظر إلى ظاهرة الإكتظاظ الطلابي الحاصلة في العديد من الشعب الصفية، وعليه فإن الخطوة هنا تأتي على حساب العملية التعليمية أياً كانت المبررات والحجج.

-الإحتمال الثالث إن أصحاب المدارس الخاصة هم الذين يضغطون في هذا الإتجاه بالنظر إلى حجم المصالح الكبيرة التي سيتمكنون من تحقيقها، سواء بحصولهم على أبنية كبيرة وواسعة غير متوفرة اليوم داخل المدن الكبرى أو لجهة عدم حاجتهم للحصول على تراخيص جديدة؟

أياً كانت الأسباب التي يمكن أن تقدمها وزارة التربية للرأي العام، فإن الخطوة بوضعها الراهن ترفع من منسوب القلق حيال مستقبل قطاع التعليم في سورية، وتفتح الباب أمام سجالات تناقض كلياً تحديات البلاد في مرحلة ما بعد الحرب..

وللعلم فقط... فإن طرح بعض الأبنية المدرسية للإستثمار الخاص فكرة طرحت قبل نحو عامين ورفضت الحكومة آنذاك مجرد طرحها على اجتماع مجلس الوزراء... فما هي الأسباب التي دعت إلى إحياء الفكرة من جديد؟ ولماذا وافقت الحكومة على مثل هذا المشروع؟ وهل هناك خطوط "حمراء" لن يسمح بتجاوزها؟