كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

طَعنُ الكتّاب على الشبهة.. هل أصبح الالتزام تهمةً في الأدب؟

زيد قطريب

لا يتردّد أحد "الكتّاب"، بالسخرية من الشاعر فايز خضور "1942-2021"، بالاستناد لقول مبتور من أحد حواراته، وبالتدقيق، يظهر أن الدافع ثأري سياسي، باعتباره "ناصرياً"، أما خضّور فقومي.

وفي حين يتعرض الشاعر محمود درويش "1941- 2008" للطعن، بسبب دخوله الحزب الشيوعي "راكاح" في بداياته، رغم أنه لاحقاً، كتب وثيقة الاستقلال الفلسطيني وأصبح مدير مركز أبحاث منظمة التحرير، عدا عن قصائده التي جعلته شاعر القضية.

هكذا يستند بعض النقاد لنقطة معينة في تجربة الأديب، تخدم فكرة النيل منه، ولا يتطرقون لتجربته الكلية، أو يعودون لتفكيك نصوصه ونقدها موضوعياً، بل يبحثون عن دلائل الإدانة من أجل اغتياله.

هل يعتبر انتماء الأديب إلى ايدلوجيا معينة، تهمة تخفف من شأن أدبه؟ ما علاقة نصوص الحب التي كتبها الشعراء، بانتمائهم السياسي؟ ثم هل يحق للناقد الانطلاق من اعتبارات خاصة أثناء محاكمة المبدعين؟

يؤكد الشاعر محمد عضيمة، أن رؤية البعض لتجارب المبدعين، بعين واحدة، دليل قصور معرفي، ويضيف لـ"إرم نيوز" قائلا: "الالتزام السياسي للشاعر، ليس نقطة إدانة، فما يهمنا هو نصوصه الشعرية ومستوى الإبداع فيها".

ورغم أن الشاعر صقر عليشي، لم ينجُ هو الآخر من محاولات الطعن للأسباب نفسها. إلا أنه يفضل إهمال أولئك السطحيين الذين لن يتوقف أحد عند آرائهم نتيجة عدم موضوعيتها ومهنيتها النقدية.

يقول صقر لـ"إرم نيوز": "إذا كان من يُدعى بالناقد، يناقش الاتجاهات السياسية عند الكتاب، فلا بأس أن يتناول هذا الجانب، لكن إن أراد توظيفه لإطلاق حكم نقدي، معزول عن نص الشاعر، فتلك هي الكارثة".

أنتم ديناصورات!

ويذكر الشاعر عضيمة، حادثة جرت معه في إحدى معارض الكتب العربية، وكان برفقة الأديب شاكر الأنباري، حيث قال لهما أحد الصحفيين: "انظروا إلى الازدحام على شراء منتج أحد الكتاب الشباب، في حين لا يتواجد عندكم أحد. لقد أصبحتم ديناصورات منقرضة".

ويضيف عضيمة: "نحن في عصر اندحار كبير، خاصة بعد دخول السوشيال ميديا عالم الأدب، فالكتابات الملتزمة والجادة، ينفر منها القراء الجدد، بسبب سطحية معظمها، ونتيجة الفشل التاريخي الذريع الذي مُنيت به تلك القضايا الوطنية والإنسانية".

ونسأل الشاعر عليشي، ما هو المطلوب من شاعر يعيش في غزة ويعاني القصف والتهجير واحتمال الموت في أية لحظة، هل يكتب قصيدة عن روعة الشانزيليزيه مثلاً؟

ويجيب عليشي: "بالطبع لا، من الطبيعي أن يكتب عما يعانيه في غزة، لكن عندما نتحدث عن النقد الأدبي، فسنتناول نصه بناء على نسبة الإبداع فيه، ولن يغفر للنص الرديء، حديثه عن قضية فلسطين".

ويذكّر الكاتب أسامة عجاج المهتار، بقول الأديب سعيد تقي الدين: "إن لم يدفعك النص للقفز مرحاً، أو البكاء أو الغضب، فلا قيمة له".

ويضيف: "الناقد الذي ينقد نصاً أدبياً من زاوية عقائدية، ربما يحرك إعجاب أصحاب العقيدة نفسها، ولكن من ناحية النقد الأدبي، فإنه لن يعمر طويلاً. إنه نقد أعور مكشوف".

الاستهزاء ليس بالأدب الملتزم.. بل بقلة الأدب فيه!

من الوجهة الإبداعية، يرفض الشاعر عضيمة، تسمية كل ما يكتب عن فلسطين أو يتغنى بالمبادئ، بالأدب الملتزم.

ويضيف: "الكثير من الشعراء أساؤوا للقضايا الكبيرة، لأنهم كتبوا عنتريات منبرية، ينخفض منسوب الإبداع فيها، كما أنها تتناقض أحياناً مع شخصية الشاعر، الذي يمارس الاستبداد مثلاً، ويكتب عن الحرية، أو يغتصب حقوق أخته في الميراث، ويدعو لعدالة القضية الفلسطينية".

في حين يرى الشاعر صقر عليشي، أن هذه المواضيع أشبعت مناقشة منذ القرن الماضي، ويضيف: "قُدم الكثير من الهذر والخطب الشعاراتية، على أنه أدب. كما احتمى الأدب الرديء بالمواضيع الكبرى".

ويؤكد عليشي: "نظرة الاستهزاء عند المتلقي ليست بالأدب الملتزم، إنما بقلّة الأدب فيه".

الالتزام لا يتحقق بنصوص هابطة!

ويؤكد الشاعر عضيمة أن الالتزام بالأدب، لا يمكن أن يتحقق بنصوص هابطة فنياً، 

ويضيف: "كل نص ناجح فنياً، أياً كان الموضوع، هو ملتزم بالإنسان وإنسانيته، الهايكو القائم على تظهير إيجابيات الوجود، وجماليات الطبيعة، وبث الروح الإيجابية، هو أكثر التزاماً من النصوص المنبرية الغبية".

ويقول المهتار: "كم من كلمة أو عبارة أو قصيدة، قرأناها على السوشيال ميديا، استثارت مشاعر الملايين، وكم من أسماء، كان لها تاريخ، ولم يبق في موقدها سوى الرماد، ولم تعد قادرة على الإبداع، بالمختصر. النص أولاً، والباقي مجرد تفصيل".

ويوافق الشاعر عليشي على أن المواضيع الكبرى تحتاج إلى أدب رفيع. ويضيف: "الأدب الرديء، عالة على الأدب والانسانية.. ولا تحميه نواياه الحسنة.. الأدب يجب أن يسمو بالروح، ويمنحها أجنحة تحلق بها.. أدب الصراخ يعطي مردوداً عكسياً".

كما أن مطالبة الناقد بتفكيك موضوعي للنصوص، وعدم الارتجال في إطلاق الأحكام، لا يعني إعفاء الكاتب من مسؤولياته الإبداعية حتى لو تناول عنواناً ملتزماً بقضايا الإنسان، والمشكلة هي بمن يأتون بالسمك الميت، ليلقونه في بحيرة عكرة، ثم يصرخون: نجحنا بالاصطياد.

إرم نيوز