كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

القبض على الشعراء بتهمة المحتوى الهابط.. اضطهاد أم إجراء مشروع؟

زيد قطريب

للوهلة الأولى، تبدو فكرة القبض على الشعراء وإيداعهم السجن، بتهمة المحتوى الهابط، طوباوية. لكنّ توقيف بعض المطربات و"بلوغرات" السوشيال ميديا، حصل فعلاً بالتهمة نفسها، في عدد من الدول العربية.

فمن حيث المبدأ، ألا تبدو إساءة الكثير من "الشعراء" و"الكتّاب" و"الإعلاميين"، إلى اللغة، أو تدميرهم للمخيلة، ونشر الركاكة والسطحية في التفكير، "محتوى هابطاً" يستوجب التوقيف؟

لا شكّ، ستثير الفكرة الكثير من ردود الفعل، فمشهد اقتياد الشرطة لشاعر من منزله، لأنه أخطأ في الإملاء، أو كسر بحور الفراهيدي، أو لم يحقق قواعد قصيدة النثر، ليس مألوفاً في الثقافات كلها.

"حتى لو كان المتنبي رئيس المخفر"

لا يوافق الشاعر صقر عليشي، على فكرة القبض على الشاعر وإيداعه السجن، حتى لو كان رئيس المخفر هو المتنبي. ويقول لـ"إرم نيوز"لا يمكن معاملة الشعراء، مثل فنانات الغناء الهابط والإثارة. فأثر المحتوى الشعري غير ملموس مباشرة مثلما هو الحال بالغناء والاستعراض".

الشاعر فاتح كلثوم، يعتقد أن فكرة توقيف الشاعر ليست واقعية. ويتساءل "الرقابة النقدية على النص ضرورية، لكن من سيقرر أن هذا النص رديء أم جيد؟".

الكاتبة نور أحمد، أيدت فكرة محاسبة الكاتب والناشر، إن كان الكتاب مطبوعاً، وتحدثت عن تورطها بشراء كتاب من إحدى دور النشر، اتضح أنه مترجم عن طريق "غوغل". وتقول نور لـ"إرم نيوز": "إنه استخفاف بالقراء ولا بد من المحاسبة".

أما الكاتبة نور قزاز، فتشير إلى خطورة التورط بالتضييق على الكتاب والإعلاميين، وتضيف لـ"إرم نيوز": "المسألة حساسة، فمن الممكن اختلاط التعدي على حرية الإبداع، مع الدعوة المشروعة لرفع مستوى الخطاب الثقافي".

"توقيف المحتوى وليس الكاتب"

ويؤيد الشاعر صقر عليشي، إيقاف الكتاب إذا كان هابطاً، لكنه يرى أن صوابية الحكم، تتوقف على جدارة المحكمين. ويضيف"بوجود محكمين يملكون حداً مقبولاً من الجدارة والنزاهة، يمنع تفشي الرداءة وفساد الذوق وتدني المستوى الفني للعمل الإبداعي، وهذا لا يقتصر على الشعر، بل بالدراسات والبحوث وجميع أنواع الكتابة".

ومن المعروف أن وزارات الثقافة العربية، تعتمد لجان قراءة مختصة، تعطي حكمها على الكتب قبل طباعتها، ويُحْكَم على النص، دون معرفة اسم الكاتب، حتى لا تلعب العوامل الشخصية دورها.

لكن ورغم ذلك، يعتقد عليشي أن الجور في الحكم قد يحصل. ويتحدث عن تعرض كتبه للظلم في الحكم أكثر من مرة. ويضيف"لا يمكن إيجاد ضوابط تمنع الرداءة في الكتابة بشكل كامل. وربما يكون منع الكتاب، شراً لابد منه في بعض الحالات".

"قضايا غير متفق عليها"

ويشير الشاعر فاتح كلثوم، إلى أنه من الصعب إقناع شاعر "خليلي"، بأن قصيدة النثر شعر جيد. ويضيف "بعض المنتديات الأدبية هي من يروج للتفاهة.. فهل يستطيع أحد توقيف نشاطها؟ أشك في ذلك لأنها ممولة من جهات نافذة ربما".

وتزدحم في المشهد الشعري اليوم الكثير من القضايا غير المحسومة. مثل مشروعية كتابة الشعر العمودي بأوزان سماعية مليئة بالكسور، أو الخلط بين تفعيلاتٍ تشكل نشازاً عند القراءة، وفي النثر تحضر مشكلة طغيان الكلام العادي وسرد اليوميات على أنها شعر.

ويرى الشاعر كلثوم، أن ترك أصحاب المستوى الهابط والابتعاد عنهم هو الحل الأمثل، لأن التجارب ستأخذ طريقها، وسيحكم عليها تاريخ الكتابة، ولن يبقى سوى النصوص الجميلة التي تستحق.

مسؤوليات الإعلام والنقاد

ولأن ملاحقة ما يكتب على السوشيال ميديا يعتبر صعباً، مثلما هو الحال بالكتاب المطبوع الذي يأخذ سلسلة من الموافقات قبل خروجه للنور، يرى الشاعر عليشي أن وسائل الإعلام يمكن أن تلعب دوراً مهماً، ويضيف "يمكن للإعلام أن يلعب دوراً في الحدّ من الرداءة، عبر الإشارة إليها وانتقادها، لكن توفر الجدارة لدى المحكمين هي المشكلة".

وحول إمكانية تشكيل لجنة من أشهر النقاد العرب، تتولى الحكم على نصوص السوشيال ميديا بشكل دوري ضمن منصة خاصة، يقول الشاعر كلثوم "الفكرة جيدة، لكن يلزمها مؤسسات تتبناها. فهذه الخطوة تحتاج تمويلاً وكوادر فنية، تجعل تنفيذها صعباً".

وتؤيد نور أحمد الفكرة، وتضيف "أتمنى وجود هيئة نشكو الكتاب الرديئين إليها، لتحاسبهم وتمنعهم من النشر، أو على الأقل منصة إعلامية تشهّر بهم وتفضحهم، وتنقذنا من ترهاتهم وتشويههم".

فيما تؤكد نور قزاز على فكرة وجود مؤسسات ذات معايير واضحة وموضوعية لتقييم المحتوى وتقديم نقد بناء للنصوص المطبوعة أو المنشورة عبر السوشيال ميديا. وتضيف:

"يجب الانتباه إلى أن محاسبة الكتاب أو الفنانين، يجب أن تستند إلى أسس نقدية موضوعية، وليس إلى أهواء شخصية أو تحيزات، إنها دعوة لتعزيز المسؤولية الاجتماعية والإبداعية".

 قصدنا رفع السقف في العنوان، فقلنا "القبض على الشعراء"، حتى نحرك بحيرة الإبداع المستسلمة لكمٍّ كبير من الهراء المنشور يومياً، على أمل أن يكون ذلك دافعاً للتروي وإعادة النظر بالمشهد الأدبي بشكل عام.
إرم نيوز