كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

لمحة موجزة عن كتاب "بستان الرهبان" لبطريرك القدس القديس صفرونيوس الدمشقي

إلياس بولاد- فينكس

تعريب: الشماس عبد الله بن الفضل الانطاكي
من الثابت أن مؤلف كتاب "بستان الرهبان" هو القديس صفرونيوس بطريرك القدس المولود بدمشق، نحو سنة ٥٥٨ م. بعد أن تلقى علوم عصره في الفلسفة والدين رحل الى فلسطين، ورأى نساكها ورهبانها، فشاقته معيشة الرهبان والاعتزال عن العالم، اتخذ مهذباً ومرشدا احد الرهبان العلماء المدعو :"موسكوس".
عام ٦٣٣م أقيم القديس صفرونيوس بطريركاً لأورشليم، وقد اشتهر بغيرته وحميته وإخلاصه. ولما فتح العرب سورية، واستولى عمر بن الخطاب على فلسطين، عام ٦٣٧م، ودخل القدس استقبله، البطريرك صفرونيوس، مع جمهور الكهنة وسلمه مفاتيح كنيسة القيامة مطيعاً، فسر به الخليفة عمر وأعطاه العهدة بتقديم طائفته على جميع الأمم المسيحية، الموجدة حينذاك في أورشليم، كالكرج، والأحباش، وعلى من يزورها مثل الإفرنج، والأقباط والأرمن والنساطرة واليعاقبة.
وعلى الجملة فقد سلط الأرثوذكسية على جميع الأماكن المقدسة، صورة العهدة كانت قبل الحرب العالمية الأولى موجودة في المركز الأورشليمي بالقسطنطينية، وكانت قد نقلت من دير طور سيناء بمصر.
أمضى البطريرك صفرونيوس حياته بالعمل والتأليف، فوضع غير كتاب بستان الرهبان، كتابا في سيرة مريم المصرية، وآخر في تهذيب الفروض البيعية، وآخر في سيرة القديسين، وآخر في البرهان في تثبيت الايمان، وكان أيضا شاعراً باللغة اليونانية القديمة، وصف بأشعاره كثيراً من آثار فلسطين وأديارها، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بالدين ورجالات الدين.
-وقد ثبت أيضاً أن الشماس عبد الله بن الفضل الأنطاكي هو معرب كتاب بستان الرهبان وكتاب البرهان على تثبيت الإيمان، وغيرها من الكتب النفيسة، وقد اشتهر الشماس عبد الله ببلاغته ومتانة لغته.
- يصف الكتاب الرهبان بعهده من الكرج، والأرمن، وجزيرة صقلية، والروم والسريان وغيرهم، من وصفه لمعيشة هؤلاء الرهبان قوله:
"كان سكان القلالي (غرف الدير) ينامون في الليل أربع ساعات، ويجتمعون بالكنيسة أربع ساعات، ويعملون أربع ساعات في النهار، ثم يقرأون في المصاحف ست ساعات، ثم يهتمون بحوائجهم وهو شيء دون الطعام. وأنه كان لكل انسان بقلايته (غرفته) شغل يصنعه ويتمون باق نهارهم في ذكر الله وعمل الخير.
وذكر أنه كانت عادة بعض النساك في دير طور سيناء، أن يمسك عن الكلام أربع ساعات في النهار.
وذكر قوله، كان بوخوميوس قد جمع الرهبان وبنى الأديار، منها دير كبير فيه ألف وثلاثمائة راهب، وباقي الأديار من مائتين الى ثلاثمائة، منها دير "نيس" دخله القديس أنسطاسيوس فيه خمس عشر خياطاً وسبعة حدادين، وأربعة نجارين واثني عشر بستانيا واثنا عشر قصاراً. وأديار النساء بعيدة، وكل دير فيه أربعمائة راهبة، والنساء في جيزة النيل والرجال في الجيزة الأخرى. كل ذلك ترتيب بوخوميوس.
-وقوله، كانت عادة رهبان دير أنبا ثاوذوروس من وراء أنطاكيا، في كل سنة أن يوزعوا يوم الخميس الكبير بركة على مساكين الكورة لكل واحد نصف مد قمح، وخمسة عشر فرنة وهي رغيف سميك، وخمسة أفلس، وقسط شراب ونصف قسط عسل.
-ومن أقواله الحكيمة ونصائحه التعبدية قوله: سأل أحدهم الأنبا بيمن أي شيء هي حياة الراهب؟
فقال: "فم صادق، وجسد قديس، وقلب نقي".
الأنبا دانيال قال:
ما دام الجسد ينموا فالنفس تضعف، وكلما ضعف الجسد نمت النفس. والأنبا يوحنا قال: ان الاتضاع ومخافة الله أعظم كل الفضائل. وسئل الأنبا "نستير" صديق القديس انطونيوس أحدهم، ماذا أعمل:
فقال له: امض واجعل بطنك صغيرا، وعمل يديك كثيرا، ولا تضطرب بقلايتك (غرفتك بالدير). وسئل: "ايما أفضل الكلام أم الصمت؟ فقال: الذي يتكلم من أجل الله حسنا وجيدا صنع.
والذي يصمت من أجل الله حسنا صنع."
الى غير ذلك من الأقوال الحكيمة والمفيدة التي وردت بهذا الكتاب، مما يبعث في نفوس المتعبدين روح التقشف، وحب العزلة، والانقطاع عن زخارف الدنيا. هكذا ذاع ذكره وانتشر بين الرهبان على اختلاف طبقاتهم ومذاهبهم، واتخذوه دستورا لحياتهم النسكية.
☆وفي هذا الكتاب، عدا هذه الحكم المفيدة النافعة، وصف لكثير من الأديار، والمناسك، والصوامع. فقد وصف مناسك فلسطين وعددها، ووصف مناسك انطاكيا، ومناسك مصر ودمشق وغيرها.
☆ وقد ذكر من مناسك دمشق:
دير "تل راهط" كما جاء في معجم البلدان لياقوت الحموي، كانت في الغوطة بعد "مرج العذراء" (المعروفة بيومنا هذا بـ"عدرا") يبعد اثني عشر ميلا من دمشق. وأيضاً دير "قرسطاس" وهي مدينة : "حرستا".
وذكر كنيسة جرجس الأسود (الحبشي) الذي قتل هناك. وهي حالياً مقبرة مار جرجس الأرثوذكسية قريبة من باب شرقي.
بعد هذه اللمحة المختصرة عن كتاب "بستان الرهبان" للبطريرك القديس صفرونيوس الدمشقي، أطرح سؤالا على نفسي وعليكم:
أين رهبان اليوم، والمسيحيون المشرقيون، من رهبان الأمس ومسيحيو المشرق!؟