السرقات الأدبية تتفاقم.. واللصوص جاهزون لـ"الإغارة"
زيد قطريب
لن ينجو كاتبٌ من لصوص النصوص بعد اليوم، فالفيس بوك والإنستغرام واليوتيوب، مواقع تفاقمت من خلالها عمليات سرقة النصوص، فأهدت "اللصوص" طاقية الإخفاء، عندما أتاحوا إمكانية النشر مع تعديل التاريخ أو استخدام الاسم المستعار، أو قنص النص من بلد ونشره في آخر.
ورغم أن السرقات الأدبية موغلة في القدم، فلم تعد مؤخراً تريق ماء الوجه، بل يمكن تسميتها بالتناصّ، أو تخاطر الأفكار، كما يمكن للصّ إبراز سند تمليك تكنولوجي للنص، يمكن فبركته بسهولة.
لماذا كثرت غزوات النصوص، وهل يؤشر ذلك إلى ضحالة المواهب، أم يرتبط بالتسهيلات المقدمة من السوشيال ميديا؟ أم بسبب غياب القوانين وصعوبة تطبيقها، أم بعدم تسجيل النصوص من قبل كتابها، في دوائر حقوق الملكية؟
انتهاء عصر النُسخ الأصلية
"النسخة الأصلية أصبحت يوتوبيا من نوع آخر، لقد فُقدت إلى الأبد مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي والثورة الرقمية"..
هكذا يؤكد الكاتب سامر محمد إسماعيل، وهو يفتح ملفات السرقة، ويضيف لـ"إرم نيوز": "محرك البحث غوغل، قام بتصوير ونشر آلاف الكتب دون الرجوع إلى ملكية كتابها ومؤلفيها، وهذا أمر بسيط أمام ما يفعله الذكاء الاصطناعي في القرصنة".
اتهام التكنولوجيا بتسهيل السرقات، يؤيده الشاعر باسم سليمان، فالقصّ واللصق دون عناء، شجع الكثيرين لارتكاب فعلتهم دون وازع كما يقول، ويضيف سليمان لـ"إرم نيوز": "كان الكاتب يصدر نتاجه في كتاب أو مجلة أو جريدة، من الصعب تزويرها، بالإضافة إلى مرور النصوص بعدة قنوات، رقابية أو تقييمية أو إجرائية، تجعل نجاة السارق أمراً صعباً".
ويرى باسم أن "شهوة اللايك، هي تفاحة السوشيال ميديا" التي تدفع الكثيرين للجري وراء الشهرة، ويضيف: "أمام هذا الواقع سيتمنّى الكثيرون أن يصبحوا كتّابًا عبر القص والنسخ ومن ثمّ اللصق، حتى لو لم يصدروا كتابًا واحدًا".
ويقر الشاعر أحمد إسكندر سليمان، بدور التكنولوجيا في تسهيل السطو على النصوص، لكنه يشير إلى تطور أدوات كشف السرقة أيضاً، ويضيف لـ"إرم نيوز": ازدادت إمكانيات اللصوص، ولكن إمكانيات الكشف موازية بالنسبة للصوص الصغار الذين لا يتقنون إعادة إنتاج المسروقات النصية في معامل إعادة الإنتاج الخاصة بهم".
تورّط الذكاء الاصطناعي
يؤكد الكاتب إسماعيل أن تشويه النسخ الأصلية وإعادة تدويرها، أصبحت من مهمات الذكاء الاصطناعي المستخدم بكثرة من قبل القراصنة.
ويقول: "الذكاء الاصطناعي يعد المؤلفات نوعاً من المواد الخام، التي يعيد برمجتها وامتصاصها، ليؤلفها من جديد وفق برمجيات تسمح بقرصنة جهود آلاف الكتاب حول العالم".
فيما يشير الشاعر سليمان، إلى مفارقات مخزية في سرقة نصوص الكتاب العالميين، أو إلصاق نصوص هشة بهم.
يقول سليمان: "عندما يُنتحل اسم دوستويفسكي، من قبل إحدى الصفحات، وتدبج مقولة باسمه، لا تمت له بصلة، عندئذٍ لن تحزن على ما يحدث من سرقات".
القضية تبدو متفاقمة وخطيرة، فقد سرقت مؤخراً شاعرة شابة، قصيدة كاملة من أنسي الحاج، ونشرتها باسمها في كتاب، كما تفاجأ كتاب معروفون، بقصائدهم مذيلة بأسماء أخرى.
يقول الشاعر أحمد إسكندر سليمان: "رأيت نصوصي على صفحات بعض الهواة، ولم يعن لي هذا شيئاً. لكن الأمر سيختلف عندما يفعلها أحد المحترفين الذين اعتادوا الاحتطاب في أحراش ليست لهم".
قنص الأفكار
لا تنجو الأفكار الخام من السرقة هي الأخرى، وقد حصل هذا بشكل كثير في سيناريوهات المسلسلات التي تقدَّم كتابها بملخصات عنها لشركات الإنتاج، ثم تفاجؤوا بها معروضة على الشاشة.
يقول الكاتب إسماعيل: "إننا اليوم أمام عصف مأكول، ليست السرقات الأدبية على فيس بوك وسواه إلا جزءًا يسيرًا منه".
ويحذر الشاعر أحمد إسكندر سليمان، إلى خطورة قنص الأفكار. ويقول: "بعضهم يقنص الأفكار ويعتبرها ملكاً له. وكأنّ من نطق بها أو كتبها، لم يفعل إلا من باب الهذيان".
ويحذر الكتّاب بعضهم اليوم، من كتابة مسودات مشاريعهم على السوشيال ميديا، أو مناقشة أفكارهم مع آخرين، قبل تنفيذها، لأنها ستتعرض للسرقة بشكل فوري.
غياب النقد وتسليع الأدب
ويحمل الشاعر باسم سليمان، النقاد ووسائل الإعلام، جزءًا كبيرًا من المسؤولية عما يحصل. ويقول: "غياب الناقد والصحافة الجادة المتابعة لما يحدث على الساحة الثقافية، أدى إلى اختلاط الحابل بالنابل".
وتبدو السرقات الأدبية، جزءًا من عملية تسليع المنتج الأدبي، كما يرى باسم، فالبوح العادي أصبح شعرًا، والثرثرة صارت رواية، و(طق الحنك) تحول لقصة، ويضيف: "تحوّل النقد إلى مناسبة اجتماعية وشهرة، وانفجرت الجوائز المغرية التي يُمنح أكثرها لأسباب ليس أولها الإبداع".
ماذا تقول القوانين؟
مصدر خاص من وزارة الثقافة السورية، أكد لـ"إرم نيوز"، أن تطبيق قانون حماية حقوق المؤلف، يقتضي تقديم الكتّاب طلبات لحماية إنتاجهم، إذ تُحفظ نسخة من المنتج في مصنف لدى الوزارة، وفي حال حصول نزاع، يتم الفصل عند المحكمة المختصة.
ويعترف المصدر المذكور، بأن تلك القوانين ليست فعالة تمامًا، بسبب لجوء السارقين للتمويه والتعديل، بحيث تبدو النصوص المنسوخة مختلفة عن النصوص الأصلية.
معضلة السرقات الأدبية وصعوبة القبض على المجرمين، تعد إشكالية ومعقدة، يقول أحمد إسكندر سليمان: "الأمر يتجاوز الإبداعات النصية إلى كل مناحي الحياة.. دائمًا هناك لصوص ندعوهم روادًا وأبطالاً وهم لا يستحقون".
ويعود إسكندر إلى تاريخ السرقات الأدبية، فيشير إلى الاتهامات الموجهة لشكسبير على صعيد الثقافة العالمية، أما في تاريخ الأدب العربي، فقضايا السرقة كثيرة وقديمة.
كاتب اليوم، يجب ألا تغفل عينه عن بيادر النصوص، حتى لا تتحول إلى "مال داشر"؛ فالسارقون جاهزون "للإغارة"، كما يسميها طرفة بن العبد، عندما يقول:
وَلا أُغيرُ عَلى الأَشعارِ أَسرِقُها
عَنها غَنيتُ وَشَرُّ الناسِ مَن سَرقا
وَإِنَّ أَحسَنَ بَيتٍ أَنتَ قائِلُهُ
بَيتٌ يُقالُ إِذا أَنشَدتَهُ صَدَقا
إرم نيوز