كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

المقدّمة التي كتبها الشاعر خالد أبو خالد لرواية (صلاةٌ.. لغيومكِ القادمة)

ضوء على القول
خالد أبو خالد
أهي رواية.. أم عدة روايات هذه التي كتبتها فاطمة صالح.. تحت عنوان / صلاة ٌ لغيومك القادمة /..؟!
إن الإجابة على سؤال كهذا يجب أن تأخذ باعتبارها أن شكل الرواية، ليس قالبا جاهزا، في صيغة محددة، لا تكون رواية إلا إذا تقولبت فيه..
من هنا.. سواء كانت رواية، أم روايات.. فالأمر سيان.. لأن فاطمة، في نصها هذا.. أنما تحاول أن تسرد صورة حياة تمتد من قرية في سورية، إلى خريطة تشمل سورية، كما فلسطين، والعراق.. أو أية قرية عربية أخرى.. فالمتلقي الذي يأخذها كما هي، لا يقرأها فحسب.. وإنما يعيشها.. ويستحضر فيها ذاكرته التي خلفها بعيدا يوم استرقته الأحداث.. ومدن ومسافات ومساحات من الغربة، إلى الغربة.. حيث الاغتراب ليس مشروطا بالمنافي وحسب.. ولكنه حالة يعيشها الوجدان أبدا.. طالما أنه محاصَر بالظلم والجهل والتخلف..
وهي الحالة التي لا يعزيها سوى هذه النفوس الصافية النقية.. موضوع الاغتراب، وموضوع العذابات، وموضوع الرواية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بعد الفراغ من قراءة هذا النص.. هو، ياترى.. كيف استطاعت فاطمة أن تقارب هذه الشخصيات، بمستويات تلاوينها، ومسلكياتها، ومواقفها..؟!
هل لأنها كاتبة تتمتع بحساسية عالية، تتيح لها مثل هذه المقاربة، التي لاتخلو من معرفة ضرورية، اكتسبتها بالمعايشة، كما باحتمال ما يمكن أن ينوء به إنسان عالمها..؟!
الجواب نعم..
وإذا ما أردتُ أن أضيء أكثر.. ومن زاوية لاتقع في باب النقد حول المبنى.. لا المعنى.. فإني أجرؤ على القول بأن رواية فاطمة صالح، هي روايات عديدة.. لو قدر لها أن تعيد كتابتها، لصاغتها في أكثر من نص واحد، يكون غنيا، كغنى هذا النص الذي بين أيدينا.. والذي حاولت الكاتبة– الشاعرة.. أن يكون رؤية / بانورامية / لعالم لا يوازي الواقع.. ولا يحاكيه.. وإنما هو الواقع الذي يشتمل على الوقائع التي تقاربها.. وصولا إلى / رؤيا / الشاعرة فيها..
ففاطمة شاعرة، قبل أن تكون روائية.. من هنا جاءت هذه الرومانسية العالية، التي تضبّب التفاصيل.. كما لو كان الضباب ضوءا.. وليس حاجبا..
أما حالات الإظلام، التي تخللت النص.. فهي لم تكن إلا لكي تشير إلى المسكوت عنه.. في رواية، تومض التفاصيل فيها، من خلال ذلك.. بحيث استطاعت فاطمة أن تجعل هذا الإظلام عاملا ً من عوامل الإيماء للمسكوت عنه.. والإيحاء به..
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الكاتبة بدت أيضا، ومن خلال النص، مهمومة بقضية الكتابة، من حيث هي قضية شخصية، تتيح لها أن تكون خارج الهامش.. حيث هي.. وحيث منتهى.. وحيث زينب..
فمنتهى المرأة التي ماتت في الهامش.. تحاول زينب أن تعوّضها خارج الهامش.. فيما يشبه الصدام مع كل الكوابح والمعوقات.
أخيرا: لا بد من القول، بأن فاطمة صالح.. التي امتلكت لغة الشاعرة – الكاتبة.. قد استطاعت أن تطوّع هذه اللغة لغرض السرد، والتصوير..
والحوار، الذي قرأته مخطوطا ً بالعامية الدارجة، حيث لاحظت أنها – ومن خلال هذا الأداء المتفوّق الاقتباس -
أرادت أن لا تقوّل الشخصيات في النص ما لا تستطيع أن تقوله في الواقع..
ومن هنا أيضا، وإضافة إلى كل ماسبق، جاء الإدهاش الشعري، الذي أرى أن له ما بعده في نصوص قادمة...
فاطمة صالح.. اسمحي لي يا سيدتي أن لا أسمّي ماكتبته مقدمة..
إنه– ببساطة– يحاول أن يقارب الضوء على القول...
دمشق

نيسان / 2006