كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله

غزوان أحمد علي

في جلسة مع إخوة أفاضل دارت أحاديثُ وحواراتٌ حول الدلالات المُتباينة لبعض الكلمات في القرآن الكريم، وعن معاني بعض الأمثال العربية وقصتها، وأيضاً في قوله تعالى: [وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ..] الزخرف 84، والرد على شبهة القاعدة النحوية الشهيرة: "إذا تكررت النكرة مرتين كانت الأولى غير الثانية"، فإذا قلتَ: "في البيت رجل وفي الشارع رجل" لكان الحديث عن رجلين اثنين، وبحَسْب تلك القاعدة: اﻹله الذي فى السماء غير اﻹله الذي فى اﻷرض أي إنّ هناك إلهين! طبعاً موضوع قواعد اللغة العربية سبق وتكلمنا أنها وُضِعتْ بعد [القرآن الكريم] بـ 4 قرون, أي بعد 400 سنة! بل وكانت تلكم القواعد -حينما وُضِعتْ- كانت مختلفة فيما بينها بحسب المدارس الواضعة لها، وأشهرها مدرستا البصرة والكوفة، وأمّا [القرآن الكريم] فهو لسان جامع للهجات كافة، وعليه فأنتَ تحكم على القواعد -إن كانت صحيحة أم لا- من خلال [القرآن الكريم] وليس العكس، ومع ذلك فهناك ردود كثيرة على ذلك ولعل أشهرها بحسب القواعد النحوية نفسها أنّ: الاسم الموصول -ومثاله في الآية: [الذي]- يَقلبُ النكرةَ معرفة، وقد جاء في القرآن الكريم: [وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله..]، وليس: [هو في السماء إله وفي الأرض إله..]، أي لم تتكرر النكرة بل المعرفة فهو إله واحد أحد فرد صمد، ومعروف أنّ ما بعد الاسم الموصول عائد عليه. نقطة انتهى.
وعَودٌ على بَدء فهناك كلمات لها دلالات مُتباينة في القرآن الكريم بِحسْبِ تغيير حركة حرف من حروفها أو من دون تغيير، كمثل كلمة [جــــنة]: فلها معانٍ عدة بحسب حركة الجيم: 1- جَنّة: البستان [وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ..]، 2- جِنّة: الجِن [مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ]، 3- جُنّة: الوقاية والستر [اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً..]، وكلمة: [ظـــــن] هي في معظم آيات القرآن الكريم بمعنى أيقن - على خلاف استعمالها في عصرنا- ومن معانيها: 1-ظنّ: بمعنى شكّ [.. إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ]، 2- ظنّ: أيقنَ [الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ]، 3- ظنّ: عَلِمَ [.. وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ.]، وكلمة: [أمّــــــــة] تأخذ معانياً عدة ومنها: 1- الأمّة: القوم [وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً]، 2- الأمّة: الإمام والقدوة [إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً]، 3- الأمّة: الدين [إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ], 4- الأمّة: المدة والحين [وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ]، وكذلك كلمة: [الكــــــره] فمن معانيها: 1- الكُره: المشقة والتعب [..حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا..]، 2- الكُره: عدم المحبة [.وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ..]، 3- الكَره: الجبر [..اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا..]، وكمثل كلمة: [مَقــــــام]: 1- مقام: القيمة المعنوية [.. عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا], 2- المجلس المؤقت [..أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ.]، 3- مُقام: الإقامة الدائمة المستقرة [خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا]، وكلمة [الرشــــــــد]: 1- الرَشد: الخير [..أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا]، 2- الرَشد: الهداية [..وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا]، 3- الرُشد: الإيمان [لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ..]، 4- الرُشد: الصلاح [..فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا..]، وكلمة: [غــــــل]: 1- غِل: الحقد [..وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا..]، 2- غَل: القيد [إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا..]، وكلمة: [رطـــــــب]1- رَطْب: اللّيّن [..وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ.]، 2- رُطَب: التمر اللّيّن [..تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا]، كلمة:[الحــــــــزن] 1- الحُزْن: ضد الفرح [..وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ.]، 2- الحَزَن: أسباب الحُزن [..الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ.]، كلمة: [الضـــــــــر]1- الضَر: الأذى [..وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا..]، 2- الضُر: سوء الحال [..يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ..]، وكمثل كلمة: [تولّــــــى] فلها معانٍ عِدة منها: 1-تولّى: مَلَكَ واستحكم [وُإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيْهَا..]، 2-تولّى: أعرضَ [عَبَسَ وَتَوَلَّى.]، 3-تولّى: أحبّ [وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ]، 4-تولّى: ترفّع وانصرف [وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ.]، 5-تولّى: لجأ [فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ.] والفرق بين: [الآخِـــــر] و[الآخَـــــر] بكسر الخاء: ما لم يكن له ثالث كمثل: [هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ..]، وأما بفتح الخاء: يجوز أن يكون له ثالث كمثل: [..ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ..] وعليه: فنحن نقول عن الشهور الهجرية: ربيع الآخِر بكسر الخاء لأنه لا ثالث لهما، وكذلك نقول: "الحسن الآخِر العسكري"..الخ، وكلمة: [البــــــــر]1- البِر: الإحسان [لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ..]، 2- البَر: اليابسة [هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ..]، 3- البَر: المُحسن [..إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ]، 4- البُر: القمح..
ومن الأمثال الشهيرة وقَصصها:
[لا في العِير ولا في النفير]:
[العير]: القافلة فيها أحمال، [النفير]: الذين نفروا للحرب، أمّا قصة المثل: في السنة الثانية للهجرة حينما كان أبو سفيان بن حرب عائداً إلى مكة بقافلة لتجار قريش ومعه رجالات منها لتحميها وقد سمع أنّ المسلمين في المدينة المنورة قد أعدوا العدة لملاقاتهم, فأرسل أبو سفيان إلى قريش يستنفرهم للدفاع عن القافلة فهبت قريش معظمها إلى ذلك، وعلى الرغم من أنّ أبا سفيان غيّر مسار القافلة واستطاع بذلك الهرب إلا أنّ رجالات قريش في مكة نفر معظمُهم للقتال، ومن بقي منهم في مكة وصفهم أبو سفيان لاحقاً بـ [لا في العِير ولا في النفير]: أي لم تكونوا معنا في القافلة [العِير] لتحموها ولم تنفروا لحمايتها [النفير].
[لا أصل ولا فصل]:
مثل يشبه في دلالته المثل: [لا عظامي ولا عصامي]
[الأصل: النسب العريق، [الفصل]: الفصاحة والبلاغة، ومن ذلك جاء قولهم: "فصل الخطاب" أي: الخطاب البليغ، جاء في القرآن الكريم: [إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ] الطارق 13، فالمثل: [لا أصل ولا فصل]: يُضرب لمن لا يُرجى منه شيء، فهو لا من عائلة ولا أفعاله طائلة وليس من أهل الفصاحة والبلاغة، كذلك [لا عظامي ولا عصامي]: [عظامي] الفخر بنسب الآباء والأجداد، [عصامي] الفخر بما يفعله الشخص بغض النظر عن نسبه.