كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

المكان عند العاشقين

محسن سلامة- فينكس

المكان جزء لايتجزّأ من قلوب العاشقين هو الشاهد الأصيل على الذكريات العميقة وهو الحامل لكلّ المشاعر النبيلة العميقة بين الحبيب والحبيبة.
هذا قيس بن ذريح عاشق ليلى يلتقي جبل التوباد بعد دهر من الزمان حيث كان المكان الأقوى على حمل خزّان الذكريات بينه وبين ليلى يرعيان الإبل على سفوحه وفي جواره وهما صغيران، ثمّ افترقا دهراً فظلّ هذا الجبل التوباد كعبة هذا الحبّ وقبلة هذين العاشقين.
وبعد دهر من الزمان التقاه قيس فبكى كأنّه البارحة، فيخاطب قيس جبل التوباد كأنّه الأغلى في الوجود ويردّ الجبل كأنّ الصخر بشر ومشاعر وحنين.
يجهش قيس بالبكاء الشديد عندما التقى جبل التوباد حيث كان يرعى الإبل مع ليلى وهما صغيران، والحبّ يتّقد رويداً رويداً.
وقد غنّى الموسيقار العربيّ محمد عبد الوهّاب هذه القصيدة لصدق عاطفتها ونبل معناها وهذه أبيات منها:
وأجهشتُ للتوبادِ حين رأيتُهُ وكبَّرَ للرحمنِ حين رآني
فقلتُ له أين الذينَ عهدتُهُم حواليكَ في خِصبٍ وطيبِ زمانِ
فقال: مضَوا واستودَعوني بلادَهُم ومَنْ ذا الذي يبقى مع الحدثانِ
وهذا جبل الريّان عند جرير ما أحبّه إلى القلب وما أحبّ ساكنيه:
إنّ العيون التي في طرفها حور قتلننا ثمّ لم يحيين قتلانا
يا حبّذا جبل الريّان من جبل وحبّذا ساكن الريّان مَنْ كانا
وهذا جبل ابن خفاجة الأندلسيّ ليس حجراً أصمّ، ووعراً مهجوراً، إنّه زاخر بالأحاسيس فهو الحكيم المجرّب، والمراقب الساخر، والأزليّ الباقي المقيم الأبديّ، والحسّ المرهف، والخلجات الراعشة، جبلٌ كأعقل كائن:
وأرعنَ طَمَّاح ِالذُّؤابةِ باذخٍ يطاوِلُ أعنانَ السماءِ بغاربِ
وقورٌ على ظهر الفلاةِ كأنّه طَوالَ الليالي مُفكِّرٌ في العواقبِ
أصَختُ إلبه وهو أخرسُ صامتٌ فحدَّثَني ليلَ السُّرى بالعجائبِ
وقال: ألا كم كنتُ مَلْجَأَ قاتلٍ و موطنَ أَوَّاهٍ تَبَتَّلَ، تائبِ
وحتّى متى أرعى الكواكبَ ساهراً؟ فَمِنْ طالعٍ أُخرى الليالي، وغاربِ
نعم في وجه أعاصير الحياة وحلكة مجاهيلها، وغربة الوجود يبقى المكان خزّان الحياة هذا العالم الغامض سيبقى مبعثاً للحكايات الملأى بالأخيلة والأسرار.
*****
صورة جبل التوباد حوله الشجر والأفياء