كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

إدوارد سعيد في عيون ابنته نجلاء

بخلاف مولدي في بوسطن، وقضائي لبعض الوقت في مدينة "بالو آلتو"، ثم في جنوب كاليفورنيا، فقد قضيت أول ثلاثة عشر عاما من حياتي في مسكن بمونينجسايد درايف (مانهاتن) بين شارعي 119 و120. كان أبي "أستاذ اللغة الإنجليزية والأدب المقارن بجامعة كولومبيا". تعلمت أن أنطق هذا اللقب ذا الوقع الرائع وأنا في الرابعة من عمري، على الرغم من أنه لم تكن لديّ فكرة عما يعنيه اللقب. عندما كان يسألني الناس عن مهنة أبي كنت أعصر ذهني وفصاحتي حتى أشرحه.
*كنت أعرف كلمة "كولومبيا" وكنت أدرك ما تعنيه (الحديقة التي كنا نلعب فيها بعد المدرسة في إجازات نهاية الأسبوع). وكنت أعرف أيضا أن أبي يقوم بشيء ما في المكتب الموجود بحديقة الجامعة.
أبي، بالنسبة لفائقي الذكاء، هو "أب الدراسات ما بعد الكولونيالية" أو كما أخبرني ذات مرة عندما أصر على أنني أضيع وقتي في الكلية لالتحاقي بمنهج ما بعد الحداثة، وأجبته أنه لا يعرف شيئا عن الموضوع:
"لا أعرف شيئا؟ أنا مَن ابتكرته".
ما زلت لا أعرف إن كان يتحدث بجدية أم بهزل ساعتها.
*وهو، بالنسبة للآخرين، مؤلف "الاستشراق"، الكتاب الذي قرأه كل الناس في نقطة معينة بالدراسة الجامعية، سواء التحقوا بدراسة التاريخ أو السياسة أو البوذية أو الآداب. كتبه وأنا في في الرابعة من عمري.
كما شرح لي مرة، عندما ضغطت عليه أن يوضح الكتاب بلغة بسيطة: "المبدأ الأساسي في الكتاب هو... أن (الشرق)، تاريخيا ومن خلال الأدب والفن، وكما كان يُرى بالأعين الغربية، يصير مشوها، وبالتالي فأي شيء (مختلف) عما نألفه كغربيين، لا يكون فقط غريبا وغامضا وحسيا ولكنه أيضا أدنى قيمة طوال الوقت".
"هل تعرفين، مثل علاء الدين".
بسبب أبي، بشكل رئيسي، صار الناس يقولون "أمريكي آسيوي" بدلا من "شرقي".
وهو، لدى آخرين، رمز تقرير المصير الفلسطيني، المدافع عن حقوق الإنسان والمساواة والعدالة الاجتماعية. هو "الإنساني" الذي "يقول الحقيقة في مواجهة السلطة".
ولكن رغم ذلك يصر بعض الناس على أن يقولوا إنه "إرهابي"، على الرغم من أن من يعرفه يدرك أن ذلك لا يُصَدَّق إلا بقدر ما يصدُق القول عن غاندي إنه "إرهابي".
*بالنسبة لي كان أبي، الرجل الأنيق الذي يرتدي بدلا من ثلاث قطع يحيكها له خياط في لندن. الرجل الوسيم العجوز الذي كان يصيح فيّ بلكنته الإنجليزية الأمريكية المهجنة وبعد خمس دقائق ينسى سبب انزعاجه. الرجل الذي كان يحضر لي الهدايا من كل أنحاء العالم، ويتحدث معي عن رواية "جين إير" ـ كتابي المفضل عندما كنت في الثانية عشر ـ والذي كان يحتضنني عندما أبكي. كان يلعب التنس والإسكواش، ويقود سيارة فولفو، ويدخن الغليون، ويجمع الأقلام. كان أستاذا، وكان أبي...."
مذكرات نجلاء إدوارد سعيد
البحث عن فلسطين.

منقول من صفحة هيلان الماجري