كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

اللّسان العربي والقرآن الكريم: والرد على [شُبهة الأخطاء اللغوية في القرآن الكريم]

غزوان أحمد علي- فينكس

أسئلة في صفحاتٍ ومواقعَ عِدة تنشر ما تظنّه أخطاء لغوية في [القرآن الكريم]، -وسبق ورددت في مواقع عدة على تلك الشبهة- ومن أشهر هذه الأخطاء المزعومة:
1-[هذان خصمان اختصموا في ربِّهم..] الحج19
الخطأ المزعوم: يجب أن يُقال: "هذان خصمان اختصما".
2-[وأسرُّوا النجوى الذين ظلموا..] الأنبياء3
الخطأ المزعوم: زيادة (واو الجماعة) في (أسروا) فلا يجوز أن يكون فاعلان: "الواو" و"الذين".
3-[قالوا إنْ هذانِ لساحران..] طه63
الخطأ المزعوم: يجب أن تكون (هذين) لأنها اسم(إن) منصوب بالياء.
4-[وقطّعناهم اثنتي عشْرةَ أسباطاً أمماً..] الأعراف160
والخطأ المزعوم: جاء العدد مخالفاً للمعدود مع أن العدد (12) يوافق معدوده؟
5-[..لكنِ الراسخون في العلم منهم والمؤمنون...والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله..] النساء 162
الخطأ المزعوم: كلمة [المقيمين] يجب أن تكون [المقيمون] بسبب العطف.
6-[قال نسوة..] يوسف 30, والخطأ المزعوم: يجب أن يُقال: "قالت نسوة".
7-كتابة كلمة [مسيطر ] بالصّاد في القرآن الكريم [فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ, لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر ] الغاشية 22-21
الرد:
أمّا الرد المُباشِر والشامل فهو أنّ قواعد اللغة العربية وُضِعتْ بعد [القرآن الكريم] بـ 4 قرون، أي بعد 400 سنة! بل وكانت تلكم القواعد -حينما وُضِعتْ- كانت مختلفة فيما بينها بحسب المدارس الواضعة لها، وأشهرها مدرستا البصرة والكوفة، وأمّا [القرآن الكريم] فهو لسان جامع للهجات كافة، وعليه فأنتَ تحكم على القواعد -إن كانت صحيحة أم لا- من خلال [القرآن الكريم] وليس العكس!
وأمّا بيان اللسان العربي في الشبهات السابقة:
..
1-[هذان خصمان اختصموا في ربِّهم..] الحج19
الخطأ المزعوم: يجب أن يقول [هذان خصمان اختصما]
الرد اللساني: لا تُستخدم ألف التثنية (الضمير) لدى معظم القبائل الشمالية وبعض من الجنوبية إلّا إذا دلّت على تثنية حقيقية أي (شخصين) أو (شيئين) الخ، فالخصمان في الآية (ليسوا) اثنين فقط حقيقة، بل هما مجموعتان، فـ(الخصم) تطلق على الواحد وعلى الجماعة، ونجد ذلك في آية أُخرى: [هل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب] سورة ص21، وأيضاً في قوله: [..خصمان بغى بعضنا على بعض..] سورة ص22، وأيضاً لمن تساءل عن [وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا..] الحجرات 9
2-[وأسرُّوا النجوى الذين ظلموا..] الأنبياء3
الخطأ المزعوم: زيادة (واو الجماعة) في (أسروا) فلا يجوز أن يكون فاعلان لفعل واحد.
الرد اللساني: أخذنا عن قريش وتميم وغيرهما أن الفعل يبقى في حالة [الإفراد] ولو كان الفاعل [جمعاً] كقولك: "ذهب اللاعبون", ولا يأتي الفعل [بحالة الجمع] إلَّا إذا تأخر فنقول: [اللاعبون ذهبوا]، لكن قبيلة كبيرة وهي قبيلة [طي] كانت تقول الفعل بحالة [الجمع] إذا كان الفاعل بحالة [جمع]، وهناك أشعار شعبية كثيرة في [سيرة بني هلال] و[عنترة] حوت شعراً على ذلك النسق، وتسمى هذه اللغة بلغة (قتلوني العيونُ السود)، والقرآن نزل على اللهجات كافة، ومنها لهجة [طي].
3-[قالوا إنْ هذانِ لساحران..] طه63
الخطأ المزعوم: يجب أن تكون (هذين) لأنها اسم(إن) منصوب بالياء.
الرد القواعدي: (إنْ) في هذه الآية ليست مخففة عن (إنّ) بل هي (إنْ) المحقّقة وتكون مهملة وجوباً إذا جاء بعدها (فعل)، أما إذا جاء بعدها (اسم) فالغالب الإهمال، وعندما تهمل يقترن خبرها باللام المفتوحة للتفرقة بينها وبين (إنْ) النافية وهناك من اعتبرها عاملة واسمها ضمير الشأن المحذوف، وجملة (هذان ساحران) في محل رفع خبرها.
الرد اللساني: من القبائل ما كان يأتي بالمثنى بحالة (الألف) في أحواله الثلاث، والقرآن نزل على اللهجات كافة.
4-[وقطّعناهم اثنتي عشْرةَ أسباطاً أمماً..] الأعراف160
والخطأ المزعوم: جاء العدد مخالفاً للمعدود مع أن العدد (12) يوافق معدوده؟
الرد القواعدي: تمييز العدد (12) ليس كلمة الأسباط لأن التمييز لا يأتي إلا(مفرداً) عند سائر لهجات العرب، بل هو مفهوم من [وقطعناهم]، والمعنى: أي اثنتي عشر قطعة، وأسباطاً صفة، فيكون الكلام: [وقطعناهم اثنتي عشرة قطعة أسباطاً أمماً]، ولو كان غير ذلك لقال: [اثنتي عشرة سبطاً] لأن تمييز العدد (12) ويجب أن يكون مفرداً.
الرد اللساني: الأمة جماعة كبيرة أو دلالة كبيرة، لذلك جمعَ (الأسباط) وقال بعدها (أمماً)، وللسبط معنيان: 1-ابن الابنة (الحفيد من الابنة), 2-القبيلة، فالمعنى الذي خرجت إليه الآية: [السبط أي القبيلة]، فالسبط تقبل التأنيث والتذكير، كقولك: [قالت تميم]، وأنت تقصد قبيلة [تميم] وليس شخصاً مذكراً اسمه تميم, وإلا لقلت: [قال تميم].
5- كلمة: [المُقيمين]، وأيضاً كلمة: [الصابئون] في قوله:[إنّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى..]: كلا الكلمتين اختلفت عن السياق بسبب: [أسلوب القطع]، وهو أسلوب من أساليب اللغة العربية، وسبق شرحه (ستعيد فينكس نشره).
6-[قال نسوة]، [قالت الأعراب]:
الفرق بين كلمتي النسوة والنساء: [النسوة]: جمع قلة, و[النساء]: جمع كثرة، وجمع القلة عند معظم لهجات العرب يغلب فيه التذكير، ماعدا قريش فكانت تؤنث كليهما، فـ[قال نسوة]: للدلالة على أنّ النسوة اللاتي تشملهن الآية قلة، و[قالت الأعراب]: للدلالة على كثرة المشمولين بالآية، ومن ذلك أيضاً: [ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات..] الممتحنة 10، للدلالة على قلة عددهن. وموضوع التذكير والتأنيث يعود للاختلاف في اللهجات، فقد كانت قبيلة تميم تذكّر وقريش تؤنّث، تميم تقول: "قال العرب"، وقريش تقول: "قالت العرب"، تميم تقول: "حال جيد"، قريش تقول: "حال جيدة"... الخ، وجاء القرآن على لهجات العرب كافة.
7-وحول سبب كتابة كلمة [مسيطر ] بالصّاد في القرآن الكريم [فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِر]، فقد ورد حرف السّين بإبداله إلى الصّاد في أكثر من مكان في القرآن الكريم:
- "[ﺑَﺴﻄَﺔً]" 247 البقرة
- "[ﺑَﺼﻄَﺔ]" 69 الأعراف
- ‏"[ﻳَﺒﺴُﻂُ]" 30 الإسراء
- "[ﻳَﺒﺼُﻂُ]" 245 البقرة
والسبب هو اختلاف لهجات العرب من حيث الإبدال بين السّين والصّاد كمثل لهجات: هوازن وهذيل وقيس وربيعة... الخ، والقرآن نزل على اللّهجات كافّة.
والإبدال ليس في القرآن الكريم فحسْب بل أيضاً في الكتاب المقدّس أيضاً:
- "[ﺍِﺿْﻄَﺮَﻣَﺖْ]" 1 ﻣﻠﻮﻙ ‏26:3 ‏
- "[وَﺍﺻْﻄَﻜَّﺖْ]" ﺩﺍﻧﻴﺎﻝ 6:5... الخ
والإبدالُ هو لغةٌ منطوقة عند العرب، ومن ذلك ما جاء في الشّعر الجاهليّ كقول طرفة بن العبد:
ﻛﺄﻥّ ﺍﻟﺴّﻼﺡَ ﻓﻮْﻕَ ﺷُﻌﺒَﺔِ ﺑﺎﻧَﺔٍ
...................... ﺗَﺮﻯ ﻧَﻔَﺨﺎً ﻭَﺭْﺩَ ﺍﻷﺳِﺮّﺓِ أصْحَمَا
وجاءت في غير نسخة: [أسْحَما]
وكلٌّ من أصحما وأسحما تعني: الأسود
وكقول الأعشى الكبير:
ﺃَﻧّﺎ ﻭَﺭِﺛﻨﺎ ﺍﻟﻌِﺰَّ ﻭَالمَجْدَ -
........................... ﺍﻟﻤُﺆَﺛَّﻞَ ﺫﺍ ﺍﻟﺴَﺮﺍﺭَﻩ
وجاءت أيضاً في غير نسخة: [الصَرَارَه]
وكلٌّ من الكلمتين تتجهان إلى المعنى نفسِهِ:
فالسّراره تعني: الأصل، والصّراره تعني: الجذر.
والشرح يطول حول الإبدال: فمن يستغرب مثلاً كيف نقول بالعاميّة [بناي] وهي [بناء ]، فبناي: لهجة عربية أيضاً، [بناي ] من دون إبدال و[بناء ] بالإبدال.
وحتى في اللّهجات المستمرّة مازال الإبدال منطوقاً:
فنحن نلفظ [صدمة] مثلاً فننطقها: [صضمة] وذلك بسبب السّليقة بنطق حروف الاستعلاء.
يتبع..