كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

د, عبد الله الشاهر: هناك سرد منفصم عن الحدث الروائي وبعضهم لم يسيطر على تقنياته

أمينة عباس
يُعدّ السرد الروائي منهجية وتقنية متعدّدة الأشكال، تُستخدم من أجل تقديم حكاية وإيصالها بشكل ميسَّر وسلس من خلال مجموعة من الأحداث والأزمنة والأماكن التي تعبّر بشكل واضح وصريح عن واقع يمكن معايشته وتخيّله، وبمقدار براعة الكاتب فيه في إثارة التشويق لدى المتلقي يتحقق الهدف من الكتابة، لذلك كان من الطبيعي أن يتفاوت مستوى الروايات بين كاتب وآخر، فيحقق بعضها نجاحاً كبيراً لدى القارئ، في حين يمرّ بعضها عليه مرور الكرام.. وللوقوف أكثر عند مفهوم السرد وخصوصيته محلياً وعربياً وعالمياً كان لنا هذا الحوار مع الكاتب والناقد الدكتور عبد الله الشاهر.
ما مفهومك للسرد الفني في الأدب؟
السرد هو فن الإخبار الذي يحوّل المعلومات إلى لغة يتمّ التواصل بها، إذ إنه يمتلك القدرة على ترتيب الأحداث بحيث يستطيع السرد أن يمتع الصغار والكبار من خلال التتابع في الحدث وقدرته على امتلاك حركة النص.
ماهي خصوصية السرد الفني في الرواية؟ وما هي خصوصيّة السرد في روايات الحرب؟
تتسيّد الرواية الموقف الأدبي بين الأجناس الأدبيّة لامتلاكها فضاء مكانياً وزمانياً، فالزمكان قائم في بنيتها الفنيّة الذي من خلاله تتولد العلاقات الاجتماعيّة التي تنمي الحدث الروائي بتوليد أحداثه من خلال الشخصيات التي تحمل في بنيتها بعداً اجتماعيّاً يرصد حركة المجتمع، وهذا الحضور الروائي يلقى صدى لدى المتلقي، إذ يعكس واقع الحال عنده، وقد نشطت الرواية نشاطاً لافتاً بسبب ما يحدث في المجتمعات من أزمات جعلت الرواية تتقيأ هذه الأزمات بكل أبعادها النفسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة في محاولة منها لإيجاد منفذ للمتلقي عبر فضاءات الرواية.. وهنا يأخذ السرد الروائي خصوصيته في توظيف الحدث من حيث قدرة الروائي على تلوين الحدث بالاسترجاع والاستباق والوصف والمونولوج والحوار، فإذا استطاع السارد (الروائي) أن يحيط بتفاصيل الأحداث وزيادة تماسكها، فقد استطاع أن يمتلك الزمام ويبتعد عن الملل والسذاجة، وهنا تأخذ الرواية حضورها من خلال خصوصيّة البناء السردي الذي يمتلك شغف التتبع.
أما الرواية في الحرب على سورية فكانت أكثر الأجناس الأدبية حضوراً، حيث كتب روائيون سوريون عشرات الروايات من وحي الحدث وصوّروا من خلالها مآسي الحرب وتداعياتها، وأسفر ذلك عما يزيد على السبعين رواية، وهذا عدد كبير وغير عادي، والسبب هو أن الحرب على سورية لم تكن حرباً عادية، فالذي جرى في سورية كان إرهاباً استباح كلّ شيء في البلاد، إرهاب أريد له أن يوزع أشلاءنا ويبعثر كياننا، والشكل السائد فيه القتل والدمار والسرقة، والمواجهة التي حدثتْ أبعد ما تكون عن المنطق لأنها حالة وحشيّة لا إنسانيّة بشعة لا مثيل لها في التاريخ، وعندما يكون الحديث عن بشاعة وغرابة المشهد فلا بد للرواية أن تسرد كل هذه البشاعات وكل ما جرى من إجرام، فكانت روايات الحرب جرحاً لا يندمل أجاد الروائيون السوريّون سرد أحداثها بجدارة، فكانت خصوصيّة السرد موازية لبشاعة الحدث.
حدثنا عن جماليات الفضاء الفني السردي للرواية السوريّة؟ وأهم ما يميّز سرد الجيل السابق من كتّابها؟
نهضت الرواية السوريّة بسردية متماسكة عالية الحضور وبروح واقعية للحدث الروائي، وامتلك هذا الاتجاه حنا مينة الذي أثرى الرواية السوريّة والعربيّة بنتاجات تركت أثراً كبيراً في القارئ السوري على وجه الخصوص والعربي عامّة، وذلك لامتلاكه القدرة على السرد بالتتابع والاسترجاع وسيادة الشخصيّة المحوريّة التي يتمّ تغذيتها من الشخصيات الثانوية، وظهر جيل جديد أدخل على الرواية السوريّة تقنيّات حديثة واستطاع هذا الجيل أن يطوّر البناء السردي وينوّع فيه ويوظف الأحداث بقدرة سرديّة عالية أمثال محمد الحفري وأيمن الحسن ومحمد الطاهر والكثير من الروائيين الذين امتلكوا قدرات سرديّة عالية.. أما الذي ميّز سرد الجيل السابق من كتّاب الرواية السوريّة فهو الحكائيّة السرديّة والسرد الوصفي بشكل عام مع الاهتمام بالبنية المكانيّة كفضاء.
أي تجربة في السرد الفني يمكن أن نتوقف عندها بإعجاب؟ ولماذا؟
لا يمكن أن نقيّم بتجربة واحدة السرد الروائي السوري، ذلك أن الكثير من الكتّاب الروائيّين لهم بناؤهم السردي الخاص بهم، فمثلاً روايات حنا مينة كانت واقعيّة سردية امتلكت قدرتها من تتابع الحدث، بينما يأتي محمد الحفري ليقلص جغرافية المكان الخاص ولينطلق إلى شمولية الحدث بسرديّة رائعة، أما أيمن الحسن فيعطينا سيناريو واضح الأهداف من خلال سرديته المؤثرة، ويكتب محمد الطاهر سرديته بانطباعيّة استطاع من خلالها أن يمسك القارئ لقدرته على السرد الروائي الممتلك للحدث الروائي بجدارة.. لكل روائي أدواته السرديّة التي يمتلك من خلالها رؤاه وأهدافه، وتالياً يحقق حدثه الروائي بسرديته الخاصة.
ما هي المطبات التي وقع فيها كتّاب السرد ولاسيما الأجيال الجديدة؟
أهم هذه المطبات هو تداخل الحكاية مع السرد الروائي، ما أضعف العمل الروائي بشكل عام، والأمر الثاني هو الإسهاب في الوصف، والوصف يختلف عن السرد، وهو أمر غير مرغوب فيه.. بعض الروائيين لم يسيطر على تقنيات السرد الروائي من سرد بضمير الغائب أو سرد الاسترجاع أو السرد بالحذف أو السرد بالحوار، وهذا التداخل أخرج نص الرواية عن السيطرة، لكن بشكل عام لدينا إنتاجات روائية بسردياتها عالية الحضور وكبيرة التأثير.
ما الذي يميّز الفضاء السردي السوري عن العربي؟
اللافت في السرد الروائي السوري هو خصوصيّة المكان والبيئة التي من خلالها جعلت السرد الروائي السوري يتميّز بشكل لافت، بالإضافة إلى تنوع تقنيات السرد الروائي الذي تعدّدت أشكاله وهي ميزة وخاصيّة في بناء الحدث السردي.
وما الذي يميز الفضاء الفني السردي العالمي ويفتقد إليه العربي؟

الفضاء السردي العالمي يتّصف بالابتعاد عن الإسهاب والحشو، يضاف إلى ذلك المحلية والابتعاد عن اللغة المقصرة.. ما يزال بعض الروائيين يكتب بلغة عالية لا تتناسب والشخصيات الروائية ولا الحدث الروائي، لذلك يكون السرد في حالة انفصام عن الحدث الروائي.

البعث