كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

كف وثلاثة أصابع (قصة قصيرة)

سمير لوبه- فينكس- مصر

برأس ضخم وشعر قصير غاب عنه كل أثر للسواد، ووجه ذي ملامح هادئة تعكس روحا ذات حساسية مرهفة، تسكن جسدا ضخما تحمله أرجل متعبة تستعين على أثقالها بعصا لا تفارق كفا مشربة بحمرة لرقة جلدها، يبسط كفه اليسرى يتأمل ما خطه الزمان فيها من خطوط متشابكة تحكي سيرة مثقف متيقظ الذهن مفكر يبدو فائق الذكاء، لكنه يعيش مغيبا في عصره لا يرى سوى زمن يصر بإلحاح أن يضمه إليه بينما يجد نفسه تنتمي إلى زمان ومكان آخرين، تنجرف الوحدة إلى نفسه التي صارت قاربا بلا مجدافين تتقاذفه أمواجها وكأنها قدره، لا يطمح إلا لتحقيق حريته واستقلاله النفسي في زمن بهتت ألوانه، يلجأ إلى غياهب نفسه ينغلق عليها مع موهبته الخاصة وموسيقاه الكلاسيكية وكتبه بين أبخرة قهوته ودخان تبغه، إحساس الوحدة يدفعه دوما إلى مقاطعة العالم برمته إلا أطيافا تخرج له من عالم كتبه يأنس بها يحدثها وتحدثه، يعتريه الشك أحايين كثيرة عن جدوى حياته بين صفحات الكتب، في رأسه صراع محموم يمزقه بين الانفتاح على الآخر أو الانغلاق التام على نفسه ولا يرغب أي من هذين النقيضين في مهادنة الآخر، يود أن يجيد اللعبة فيتعلم كيف يضحك، يحضره دائما سؤال الموت بقوة ليضع حدا للضياع الذي يشعر به في حلقة الحياة الرخوة التي تنزع أوراق الأحبة الواحد تلو الآخر ليجد واقعه أأشبه بعشبة واهنة على حافة حقل اشتدت فيه سوق الزرع واستوت، تعتمل في داخله اضطرابات عاصفة وخيبات وآلام يعيشها في الغابة الأسمنتية، يعاني ليصنع من نزف جرحه ابتسامة في وجه هذا العالم الذي تلاشت فيه زرقة البحر وخضرة الأشجار، يفتش في خرائب العمر عن سويعات سعادة عاشها؛ لعلها تضمد جراحه النازفة حسرة على عالم تبدلت فيه كل الوجوه؛ يعرف جيدا من باعوا، ورأى من دفعوا الثمن، قطع في مضمار الحياة أشواطا ركض فيها بلا توقف، و الآن أوشك أن ينهي المضمار؛ يعتريه يأس يغلفه الصمت؛ يقترب وجهه أكثر للحزن منه إلى السخرية، وخلال لحظة واحدة يأتيه اليقين أن سر شقائه ليس لعيب في طبيعته وإنما لفيض مقدرته المبدعة وأن كل منجز أنجزه وكل درجة سلم ارتقاها بل كل شهرة حققها ومال جناه محض سراب يتلاشى، وبقلم تضمه ثلاثة أصابع على كفه اليسرى يكتب (إلى عمري.. هل كل ما خطه الزمن على كفي يستحق كل هذا العناء؟).. يطوي كفه