كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عن الكتابة المشتركة

علم عبد اللطيف- فينكس

 من يتتبع التراث العربي سيجد فيه كتابات مشتركة كتلك التي ظهرت في عصور التدوين الأولى. وفي القرن الرابع الهجري كتب إخوان الصفا رسائلهم المعروفة برسائل «إخوان الصفا وخلان الوفا» التي بلغت الخمسين في عددها. هذا بالإضافة إلى الأساطير والملاحم اليونانية كالإلياذة والأوديسة وغيرهما. مما رواه الناس وتابعوا الإضافة عليهما جيلاً بعد جيل، إلى أن تهيأ لشاعر مثل هوميروس أن يدونهما.
في هذا الصدد، يعتبر الكاتب (سمير الضامر). أن الأساطير والخرافات والأمثال الشعبية من النصوص لم يكتبها كاتب واحد، بل صاغها ضمير جمعي ممتد في الزمان والمكان.
في العصر الحديث، وفي خمسينات القرن الماضي شهدنا تجربة جديدة في الكتابة المشتركة، طرفاها عميد الادب العربي الدكتور طه حسين وتوفيق الحكيم، حيث كتبا مسرحية (القصر المسحور). استحضرا فيها عالماً روائياً وفنياً يشبه أجواء ألف ليلة وليلة.
كانت مغامرة كما قال النقاد، لكنها استهوت كما بدا (عبد الرحمن منيف) و(جبرا إبراهيم جبرا). فكتبا معاً رواية (عالم بلا خرائط)، تضافرت فيها تجربة ورؤى كل من الكاتبين الكبيرين، وشهدت إقبالاً وإعجاباً من النقاد والقراء.
بين هذين العملين صدرت في مصر رواية (في مقام العشق)، للكاتبين (يوسف نبيل) و(زينب محمد). وأتبعاها بعمل آخر هو (العالم على جسدي)، وفي سوريا نشر (عامر الدبك) و(بهيجة مصري إدلبي) روايتهما «ألواح من ذاكرة النسيان»، و(خطيب بدلة) و(إياد محفوظ) كتاب «المستطرف الليلكي»، و(عبد اللطيف الحسيني) و(غسان جانكير) كتابهما «في رثاء عامودا»..
وفي لبنان، نُشرت أعمال عدة بتوقيع مشترك، منها «ربيع المطلقات» لـ (نزار دندش ونضال الأميوني)، و«يوميات آدم وحواء» لـ (نزار دندش ونرمين الخنسا)، و«ملك اللوتو» لـ (جهاد بزي وبشير عزام).
اختلف النقاد في تناول مثل هذه الأعمال، فمنهم من أعجب بالتجربة معتبرا أنها إضافة عقل إلى عقل، وتجربة الى تجربة، ومنهم من قال هي اعمال تحمل تناقض عقلين، أسلوبهما وفكرهما، لذلك تحمل نوعاً من عدم التجانس. وقالوا. الكتابة المشتركة نادرة على مستوى العالم، وليس على المستوى العربي فقط. لأنها تحتاج وحدة فكرية في العمل، ومن الصعب أن يعمل اثنان على عمل واحد. لأن طريقة الإبداع وكيفية عمل العقل الإبداعي أمر يختلف من شخص لآخر حتى لو كانا يتناولان الفكرة نفسها، رغم ذلك يمكن في لحظة نادرة أن يحدث هذا التمازج والائتلاف بين كاتبين بحيث يتم تقديم عمل إبداعي بشكل مختلف من قبلهما، فيقرأ القارئ عقلين يعملان كعقل واحد، وعادة ما يكون الأمر بتناول صديقين حميمين رجلين، أو تناول أنثوي وذكوري للعمل؛ فيكتب كل من وجهة نظره.
الشاعر يوسف (أبو لوز) رئيس القسم الثقافي في جريدة الخليج بدولة الإمارات العربية المتحدة، يعبر عن وجهة نظره في الكتابة الروائية المشتركة:
تجربة الكتابة المشتركة ليست ظاهرة أدبية في العالم العربي، كما أنها لا تشغل بال الكثير من الكُتّاب. لأن كل كاتب يفضّل أن يكون له عمله الخاص الذي يدلّ عليه ويحمل سماته وشخصيته وهواجسه الداخلية. ولذلك من الصعب أن يلتقي اثنان من الكتّاب على هواجس واحدة أو على طبيعة إبداعية واحدة، وإن حدث مثل هذا الالتقاء فإنه استثنائي وشديد الخصوصية، كما الحال في رواية «عالم بلا خرائط» التي كتبها معاً: عبد الرحمن منيف وجبرا إبراهيم جبرا.
في الغرب. كان هناك كتابات وأعمال مشتركة عبر الحركة السريالية حين اعتمد الشاعران (أندريه بروتون) و(فيليب سوبو) التأليف المشترك ووضعا كتابهما الشهير «الحقول المغناطيسية». كما يشير بعض الدارسين إلى أن صاحب «قصة الحضارة» (ويل ديورانت).. ذكر أن أقدم الروايات الصينية «شوي هو جوان» أو قصة «حواشي الماء»، ألّفها رهط من الكتاب في القرن الرابع.
بعد هذا العرض، سأقدم من وحي تجربتي، فقد كتبت، أنا كاتب هذه السطور (علم الدين عبد اللطيف) مع الدكتور (اياس حسن)، كتاباً اسميناه (العصر الجديد. الشعر العربي في مائة عام).. صدر الكتاب في 2020 عن دار أرواد للطباعة والنشر بطرطوس، كتب الدكتور الباحث اياس حسن الملف الأول فيه، عن ظهور المجموعة الشعرية في الأدب العربي، ثم ظهور عنوان المجموعة، وهو بحث مهم لجهة تأريخ ظاهرة النشر الشعري وتطورها. قال في مقدمة الكتاب.. (خلال مائة عام، ما بين منتصف القرن التاسع عشر ومنتصف القرن العشرين، تعرض الشعر العربي الى نمطين جذريين من التغيير، الأول طال علاقة الشاعر بقصائده بعد انشائها، وتمثل ذلك في ان يصبح يمتلك القرار في تجميعها وتقديمها بالشكل الذي يريد، وكذلك في أن يمنحها الاسم الذي يختار، وبذلك يصبح العنوان، بصفته من عتبات النص، جزءاً من العملية الإبداعية، يطرح مثل هذا التغيير على الشاعر مسؤولية يتحملها امام القارئ..).
وفي الملف الثاني من الكتاب، كتبتُ دراسة مستفيضة عن تطور قصيدة النثر، في محاولة من كلينا.. أنا وشريكي د اياس، لاستكمال مسألة التطور الشعري الذي بدأ شكلا، حيث وقفت دراسة (اياس حسن).. حيث استتبع الشكل تغيراً في أدوات الكتابة الشعرية، معرجاً على تجربة الغرب الأوروبي في كتابة القصيدة الحديثة منذ (بودلير) الى أيامنا هذه، مستعرضاً كتاب الناقدة الفرنسية (سوزان برنار).. ثم تناول هذه التجربة من قبل شعراء وكتّاب مجلة شعر اللبنانية.. (ادونيس وأنسي الحاج ويوسف الخال).
في هذه التجربة يمكنني الزعم أن الكتاب استوفى غرضاً مهماً في كتابته، فخرج مستكملاً مشروع الحداثة والتحديث في الشعر خلال قرن من الزمان، ولم يكن منهج الكتابة من قبلنا نحن الكاتبين، ليختلف في النظر الى مسألة الحداثة والتحديث، وسأزعم ان تضافر جهدينا أثمر عن تقديم كتاب جديد في تناوله لقضية مهمة في الشعر أولا، وفي كونه عملاً مشتركاً يضاف الى تجارب من سبقنا من الكتاب والأدباء.