كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

هل استلهمت التوراة قصَّة استقبال إبراهيم للملائكة من التراث الأوغاريتي؟

عمر حكمت الخولي

مقدَّمة لا بُدَّ منها:
يتناولُ الرقيم (KTU 1.23)، الذي يعدُّ أحدَ أطولِ النصوصِ الأوغاريتيةِ غيرِ الملحمية، قصَّةَ ميلادِ الإلهينِ الأوغاريتيَّينِ "شحر=سَحَر" وشلام=سلام" ولدَي إيل، كبير آلهة أوغاريت. يتميَّز النصُّ بلغتهِ العاطفيةِ وصورهِ الشعريةِ التي قلَّما نجدُها في رُقُمٍ أوغاريتيةٍ أخرى، ولاسيَّما في السطورِ التي تتناول اللقاءَ الحميميَّ الذي جمعَ بين إيل وزوجهِ الإلهةِ أثيرة (أثرت). وسأقومُ لاحقاً بنشرِ ترجمتي لهذهِ السطورِ المدهشة.
كنتُ قد أنهيتُ لتوِّيَ قراءةَ سفرِ التكوينِ بلغتهِ العبريةِ الأصليةِ عندما فوجِئتُ بهذا النصِّ الأوغاريتيِّ، إذ تتضمَّنُ نهايةُ الرقيمِ المكسورِ قصَّةً فريدةً غيرَ مكتملةٍ، لكنها تسلِّطُ الضوءَ على التراثِ الكنعانيِّ الشماليِّ الذي ربَّما نهلتْ التوراةُ منه، فلم يسعني إلا أن أقارنَ بينَ السطورِ الأخيرةِ منهُ وبينَ مطلعِ الإصحاحِ الثامن عشر من سفرِ التكوينِ الذي يتناولُ قصَّةَ البشارةِ الإلهيةِ بالذرِّية لإبراهيمَ من زوجهِ سارة، إذ يزوره ثلاثةُ ملائكة في خيمته، فيسارعُ إلى قِراهم وتقديمِ الخبزِ والشرابِ لهم.
النص بالأبجدية الأوغاريتية:
… ?????????????????
????????????????????????????
????????????????????????????
?????????????????????????
??????????????????????????
????????????????????????????
???????????????????????????
????????????????????
???????????????????
????????????
قراءتي للنص الأوغاريتي:
... عَدْ ئِلِمَ نِعَمِمَ تِتْلِكُنَ
شَدِ تِصَّدِنَ فَأْتَ مِدْبَرِ وَنَجَشَ هُمُ نَغَرَ
مِدْرُعِ وَصَحَ هُمُ عِمَّ نَغَرِ مِدْرُعِ يَ نَغَرُ
يَ نَغَرُ فْتَحْ وَفَتَحَ هُو فَرْصَ بِعَدِهُمُ
وَعَرَبَ هُمُ هِمْ ئِثُ بِبِتِكَ لَحْمُ وَتِنْ
وَنِلَحِمُ هِمْ ئِثُ بِبِتِكَ يَنُ وَتِنْ وَنَشِتُ
وَعَنَ هُمُ نَغَرُ مِدْرُعِ ئِثُ لَحَمُ بِبِتِي
ئِثُ يَنُ دِ عَرَبَ بِثَكْلِ[....]
مَغَّ هُو لَهُن لَجَّ يَنِهُ[....]
وَحَبِرُهُ مَلَأَ يَنَ[....]
ترجمتي للنص الأوغاريتي إلى العربية:
عندئذٍ مضى الإلهانِ الطيِّبانِ إلى الحقلِ
وشرعا يصيدانِ في الصحراءِ حتَّى بلغا حارسَ الزرعِ.
فصاحا بهِ: يا حارسَ الزرع! أيُّها الحارسُ!
افتحْ [لنا] أيُّها الحارسُ! ففتحَ لهما فتحةً ودخلا.
[سألاه]: هل في بيتِكَ خبزٌ فتهبنا ونأكلُ؟
هل في بيتِكَ خمرٌ فتهبنا ونشربُ؟
فأجابهما حارسُ الزرع: في البيتِ خبزٌ، ولديَّ خمرٌ من [....]
ثمَّ أعدَّ لهما جرَّةَ الخمرِ…
وصاحِبُهُ ملأَها خمراً...
مطلع الإصحاح الثامن عشر من سفر التكوين:
"وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلاَثَةُ رِجَال وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الأَرْضِ، وَقَالَ: «يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَلاَ تَتَجَاوَزْ عَبْدَكَ. لِيُؤْخَذْ قَلِيلُ مَاءٍ وَاغْسِلُوا أَرْجُلَكُمْ وَاتَّكِئُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَآخُذَ كِسْرَةَ خُبْزٍ، فَتُسْنِدُونَ قُلُوبَكُمْ ثُمَّ تَجْتَازُونَ، لأَنَّكُمْ قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَى عَبْدِكُمْ». فَقَالُوا: «هكَذَا تَفْعَلُ كَمَا تَكَلَّمْتَ». فَأَسْرَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْخَيْمَةِ إِلَى سَارَةَ، وَقَالَ: «أَسْرِعِي بِثَلاَثِ كَيْلاَتٍ دَقِيقًا سَمِيذًا. اعْجِنِي وَاصْنَعِي خُبْزَ مَلَّةٍ». ثُمَّ رَكَضَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الْبَقَرِ وَأَخَذَ عِجْلًا رَخْصًا وَجَيِّدًا وَأَعْطَاهُ لِلْغُلاَمِ فَأَسْرَعَ لِيَعْمَلَهُ. ثُمَّ أَخَذَ زُبْدًا وَلَبَنًا، وَالْعِجْلَ الَّذِي عَمِلَهُ، وَوَضَعَهَا قُدَّامَهُمْ. وَإِذْ كَانَ هُوَ وَاقِفًا لَدَيْهِمْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَكَلُوا."
نقاط التشابه:
1- يتناول كلا النصَّين بشارةً إلهيةً بالإنجابِ، إذ يبدأُ النصُّ الأوغاريتي بالبشارةِ التي تبلغُ الإلهَ إيل بولادةِ ولدينِ له، هما شحر وشلام. بينما يتناول النص العبريُّ بشارةً إلهيةً لإبراهيمَ بولادةِ ابن له من امرأته سارة.
2- في النصِّ الأوغاريتي، يقابل الإلهانِ بعد وصولهما إلى الصحراءِ المقدَّسةِ حارساً (في الأوغاريتية "نغر"). وفي النص العبري، استخدم المحرِّر الكلمة نفسها "نعر" لوصف الشخصية التي طلب منها إبراهيم تجهيز العجل، وقد تُرجمت إلى "غلام" في الترجمات العربية، على الرغم من أن غلام تقابل "عِلِم" في العبرية وليس "نعر".
3- تبدأ فقرات النصُّ الأوغاريتي بعبارة "إقرأ إليم نعميم" التي تعني "ادعُ/استقبل الإلهَين الطيِّبَين"، وهي تقابلُ في العربيةِ قِرى الضيف. ويستخدمُ النصُّ العبريُّ الكلمةَ نفسها، إذ يسارعُ إبراهيمُ "لقراتام"، أي لقِراهم، وتُرجمتْ إلى "ركض لاستقبالهم" في الترجماتِ العربية.
4- تعدُّ الصحراءُ مسرحَ كلتا القصَّتين، فقد ذُكرت صراحةً في النصِّ الأوغاريتي، ويمكننا الاستدلالُ عليها في النصِّ العبريِّ بفضلِ مكوثِ إبراهيمَ في خيمة، وهي عادةً ما تُنصبُ في الصحراء.
5- يصفُ كلا النصَّين زيارةً إلهيةً إلى شخصيةٍ بشرية. وعلى الرغمِ من الاختلافِ في عددِ الضيوف، فهما إلهان في النصِّ الأوغاريتي وثلاثةُ ملائكةٍ في النصِّ العبري، إلا أنَّ العددَ يستقيمُ في الآيةِ الأولى من الإصحاح التاسعِ عشر؛ فبعدَ مغادرةِ الملائكةِ الثلاثةِ لخيمةِ إبراهيم، يذكرُ النصُّ وصول "ملاكين" فقط إلى سدوم، وتكرَّرُ قصَّة استقبالهما نفسها مع لوط هذه المرَّة.
6- في كلا النصَّين، يستضيفُ البشري الزائرين الإلهيين في بيته، ويقدِّمُ لهما خبزاً وشراباً.
7- تتناوبُ شخصيَّتانِ بشريَّتانِ على قرى الضيفينِ في القصَّةِ الأوغاريتية، هما الحارسُ (نغر) وصاحبُه، وفي النصِّ العبريِّ إبراهيم والغلام (نعر)، وزوجه سارة.