كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

لمحة في تاريخ "انطاكيا".. المدينة والكنيسة

إلياس بولاد- فينكس

تخبرنا كتب التاريخ بأن انطاكيا، كانت مدينة قديمة جدا، بناها "سلوقوس نيقاتور"، قبل المسيح بثلاثمائة عام، وسماها انطاكيا باسم أبيه "انطوخيوس".
وكانت عاصمة زاهرة للدولة السلوقية، وقد أحصى سكانها عندئذ، فكانوا أكثر من ٧٠٠ ألف نفس، وكان بينهم عدد كبير من اليهود.
وتقدمت انطاكيا في زمن الامبرطورية الرومانية، فصارت قاعدة لولاة سوريا ومحور لتجارة آسيا الغربية، ومركزاً لفنون اليونانيين وعلومهم. وبلغت درجة متقدمة في العظمة في عصر الرومانيين.
واعتبرت مدينة حرة يسمح لها أن تدير أمورها بنفسها، وصارت عاصمة ثالثة للامبرطورية الرومانية، ولم تزل عاصمة للامبرطورية الشرقية، الى ان نقل كرسي الامبرطورية، في آوائل الجيل الرابع للميلاد، الى القسطنطينية.
كان اليونانيون يلقبون انطاكيا بـ"الجميلة" لكثرة أبنيتها العظيمة كالقصور، والهياكل والمعابد، والمسارح والحمامات العامة..
وبمقدار ما كانت أنطاكيا مهمة في السياسة والتاريخ القديمين كانت أهميتها عظيمة في التاريخ المسيحي، فليس في العالم كله مدينة غير القدس تفوقها ارتباطا بتاريخ الكنيسة في أيام الرسل، ومما يوضح لنا اشتراك هاتين المدينتين، فيما يتعلق بانتشار الديانة المسيحية، فقد قبلت انطاكيا الايمان المسيحي الاول على يد جماعة من المسيحيين المهاجرين من أورشليم.
ولما تشتت المؤمنون من أورشليم ما عدا الرسل من جراء الضيق الذي حصل بعد قتل استيفانوس، سافر قوم منهم الى انطاكيا وبشروا بالانجيل.
وأهمية هذه المدينة من الناحية الكنسية تقوم على ظهور أول كنيسة مسيحية للأمم، وبها دعي التلاميذ مسيحيين أولاً (أعمال الرسل). وكان بولس الرسول، في بدء أعماله التبشيرية، قد سافر مع برنابا الرسول وسيلا تلميذه اليها، بعد المجمع الأورشليمي. وكان بطرس الرسول قد أقام بانطاكيا زمنا، ثم سام تلميذه أفوديوس أسقفا عليها، وهو أول أساقفة الكرسي الانطاكي.
هذا ما أعطى الأساقفة الأنطاكيين تقدمهم بالكرامة على سائر أساقفة الشرق. ولقد ذكر ذلك المجمع المسكوني الأول والثاني، بقوانين مجمع نيقية. وفي آواخر الجيل الرابع لقب أسقف انطاكيا بالـ"البطريرك" (إن كلمة بطريرك هي كلمة يونانية، مركبة تركيبا مزجيا من لفظتين: "باتريا" أي العشيرة. و"ارشيش" أي الرئيس ولما كان ابناء الكنيسة الانطاكية من المتكلمين باالغة اليونانية، إذ ذاك دعوا مع التمادي اسقفهم بهذا الاسم) في حين أن رئيس كهنة روما يسمى "البابا"، والقسطنطيني يسمى "رئيس اساقفة". والاسكندري "بابا". والأورشليمي "رئيس أساقفة". يسمى رئيس كهنة انطاكيا فقط "بطريرك".
وقد اشتهرت انطاكيا بمدرستها اللاهوتية التي أسسها آواخر الجيل الثالث كاهنا انطاكيا العالمان:
"دوروثاوس" ولوقيانوس". ويعرف هذا الاخير بأنه من العلماء المصححين نصوص الكتاب المقدس. وفي الجيل الرابع ازدهرت هذه المدرسة، وكانت مغايرة لمدرسة الاسكندرية حيث كانت تتبع مذهب "الواقعية"
Realisme
وهو أحد مباديء الفيلسوف ارسطو، ولذلك لم تكن تفسر الكتاب المقدس، إلا بالمعنى الحرفي، ولا تطلب في شرح العقائد المسيحية إلا بساطة العبارة وايضاح المعنى.
أما المدرسة الاسكندرية فكانت تتبع مذهب "المثالية"
Idealisme
المأخوذ عن مذهب افلاطون، وبموجبه كانت تقصد بتفسير الكتاب المقدس معانيه الرمزية، وتتعمق بالتفاسير الفلسفية.
وقد نبغ في المدرسة الانطاكية كثير من الأدباء: القديس كيرلس الاورشليمي، ويوحنا الذهبي الفم، وقد تبع تعليمهما واراءهما القديس افرام السرياني في مدرسته التي اسسها في الجيل الرابع في اوديسا.
تراجعت عظمة مدينة انطاكيا بسبب الزلازل والمجاعات والثورات والحروب التي توالت عليها في الاعوام التالية: ٤٤٧ ،٤٩٤، ٥٢٨ ،٥٤٦ م.
وفي سنة ٦٣٨ فتحها العرب المسلمون صلحا على يد عبيدة بن الجراح، في ايام الخليفة عمر. استرجعها البيزنطيون سنة ٩٧١م، ثم استولى عليها السلاجقة سنة ١٠٨٤م. وفي سنة ١٠٩٧م حاصرها البيزنطيون وفتحوها بعد ان تكبدوا مشاق واهوال كثيرة، وحولها الصليبيون قاعدة امارة من الاربع امارات التي اقاموها بسوريا وفلسطين، وبقيت بأيدي الصليبيين حتى سنة ١٢٦٨م حين حاصرها الظاهر بيبرس ففتحها بعد حصار ثلاثة ايام، وقتل من اهلها ما لا يحصى من الناس وسبى اكثر من ١٠٠ الف نسمة، واحرق الكنائس بالنار. ولم تقف المصائب التي تتالت عليها عند هذا الحد، بل منيت بتكاثر الهرطقات فيها واعظم انفصال عنها كان انفصال كنيسة نصيبين في منتصف القرن الخامس على اثر هرطقة نسطوريوس.
وفي سنة ١٢٦٨م هجر البطاركة الارثوذكسيون انطاكيا واختاروا مدينة دمشق وكانت وقتئذ أعظم مدن سوريا، ونقلوا الكرسي الانطاكي اليها، حتى ايامنا هذه.
ان البطريركية الانطاكية كانت تضم قديما: سوريا وفينيقية وحوران وما بين النهرين وقبرص وكيليكيا وايصوريا وارمينيا الصغرى وبطريركيتي الكرج والفرس، وكان يقدر عدد المؤمنين الخلقيدونيين فيها بـ١٥ مليون نسمة.
أما ابرشياتها البطريركية وتوابعها حاليا فهي دمشق وتوابعها، والاسكندرية وبلاد مصر والسودان والقدس وجنوب فلسطين ولها وكالات في القسطنطينية وبغداد بالعراق والخرطوم بالسودان.
ولها اسقفيات في:
صور، وحلب وبيروت وجبيل وحمص وحماة ويبرود وبصرى بحوران وجبل الدروز وطرابلس بلبنان واللاذقية والفرزل مع البقاع وزحلة وبعلبك وصيدا مع دير القمر وبانياس مع مرجعيون وعكا مع حيف والناصرة وساىر الجليل والبتراء وعمان وشرق الاردن، ويتبع لها ايضا كراسي ابرشية امريكا الشمالية وكندا والارجنتين والبرازيل والبراغوي والتشيلي وكذلك في استراليا.
ملاحظة: المخطط المرفق مع المنشور يبين مدينة انطاكيا واوابدها ومبانيها في العصرين اليوناني والروماني.  
وسط ندرة مياه الشرب.. حرارة الطقس تفاقم أزمات المواطنين في غزة
المشتى –حكايات قرية.. الفصل الرابع والخامس
حكايات القرية.. الفصل الثالث-2
غزة.. النفايات الصلبة والطبية في القطاع تخلف أوضاعاً مدمرة في صحة المواطنين
حكايات القرية
العباسيون والنصارى
فصل من مخطوطة ذكريات: المشتى في خمسينات القرن العشرين
في ذكرى استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
القبطان جاك سبارو (المسلم) الذي شوهت أفلام هوليوود شخصيته
مشكلة تدوين التاريخ العربي (والقصة الخرافية لبناء الجامع الأموي من قبل البيزنطيين مثالاً)
لمحة في تاريخ "انطاكيا".. المدينة والكنيسة
حدود الحي المسيحي بدمشق داخل السور قبل القرن الخامس عشر الميلادي وبعده
من نهفات بعض المؤسسات الكارهة للسوريين
بمناسبة 8 مارس يوم المرأة العالمي.. الاستثمار في النظام الذكوري
الحقيقة حول اختلاف يوم عيد الفصح