كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

العبودية من أيام حمورابي إلى عصر "البترودولار"

د. عبد الله حنا- فينكس:

قوانين حمورابي والعبودية
حمورابي المتوفى 1686 ق. م. هو المؤسس الحقيقي للدولة البابلية الأولى وباني إحدى الإمبراطوريات الكبرى في التاريخ القديم. والقانون الشهير الذي ارتبط باسمه ما هو إلا حصيلة التطور التاريخي للمجتمع في بلاد ما بين النهرين. ويحتوي قانون حمورابي على مئتين واثنتين وثمانين مادة. النصب التذكاري المتضمن للقوانين يشير بوضوح أن الملك حمورابي يتلقى القوانين من الإله مردوخ لإضفاء القدسية على القوانين، وهذا شأن جميع الحكام في سعيهم للسيطرة الدنيوية باسم الآلهة، التي تمنحهم تفويضا بحكم البشر.
ونورد بعض الأمثلة من التاريخ: جيمس الأول ملك انكلترا يقول: "إننا نحن الملوك، نجلس على عرش الله على الأرض".. وهذا الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور يعلن بملء صوته: "أيها الناس: إنما أنا سلطان الله في أرضه".. وذلك لويس الخامس عشر ملك فرنسا ينشر مرسوم ديسمبر 1770، وفيه: "إننا لم نتلق التاج إلا من الله".. و أما عبد الملك بن مروان فيعلن: "والله: لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا إلا ضربت عنقه". ولم يكن حمورابي يختلف عن غيره من الحكام في استخدام الدين والآلهة لبسط سيطرته وتثبيت حكمه..
ويبدو واضحا من قوانين حمورابي أن المجتمع تألف من ثلاث طبقات:
الأحرار.. الموشكينو.. والعبيد..
واحتل المواطن الحر الموشكينو المرتبة الوسطى في السلّم الاجتماعي. أما مرتبة العبد فلم تكن تختلف عن مرتبة الحيوانات، وهو سلعة من السلع يباع ويشرى بموجب عقد رسمي كما ورد في المادة السابعة من القانون. وهو قوة إنتاج معروضة للبيع دون الأخذ بعين الاعتبار للعواطف الإنسانية المتأججة أو الكامنة في صدر ذلك المسكين.
وتعالج عدة مواد من القوانين مسألة هرب العبيد. وننقل فيما يلي نماذج من هذه القوانين:
المادة 15 – إذا هرّب إنسان عبدا أو عبدة... يُعدم ذلك الإنسان.
المادة 16 – إذا آوى إنسان في بيته أحد العبيد الهاربين من بيت سيد أو من بيت موشكينو، ولم يأت به إلى القاضي، فصاحب البيت يُعدم.
المادة 17 – إذا قبض إنسان على عبد أو عبدة في مزرعة، وكانا هاربين من بيت سيدهما، والتجأا إليه، اعادهما إلى بيت سيدهما. ولقاء هذه الخدمة يجب على السيد أن يدفع له قطعتين من الفضة.
المادة 19 – إذا قبض على العبد مختبئا في بيت أحد الناس وعمل تحت تصرفه، قُتل الرجل.
يلاحظ مما تقدم أن عقوبة الإعدام لم تكن تحلّ بالعبد الهارب، بل العقوبة كانت من نصيب من يهرّبه أو يخبّئه أو يساعده على الفرار. ويرجع سبب ذلك أن العبد كان سلعة لها قيمة شرائية معينة وإعدامه يؤدي إلى خسارة هذه السلعة...
***
مجلة العربي الكويتية الواسعة الانتشار نشرت في عددها 141 بتاريخ أغسطس 1970 مقالا بعنوان: "حمورابي ملك بابل ومشرّعها العظيم" ص (153 – 155)، لم تُشر بكلمة إلى أحوال العبيد السيئة وطرق معاملتهم البربرية... فهل جرى ذلك سهوا؟.. أم أن الأسياد في كل زمان ومكان "يغطون على بعضهم"؟ وهذا ما هو جار في جميع العصور حيث يقوم الحكام ومؤرخوهم بتحوير التاريخ أو طمس بعض معالمه، التي تكشف حالة الطغيان والاستغلال.
الحلقة القادمة: العبودية في العالم العربي