كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

"أعيان العصر".. القرنان الثامن والتاسع عشر

د. عبد الله حنا- فينكس:

 قبل ظهور النهضة العربية ومع قيامها كان رجال الصوفية هم أعيان العصر. وقد أرّخ لتلك الفترة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر عدد من الدمشقيين والحلبيين، نذكر منهم :
الشيخ راغب الطباخ في كتابه الصادر في حلب عام 1922 تحت عنوان: "أعلام النبلاء بتاريخ حلب" تناول فيه سائر رجال الدين ومشايخ الطرق وأصحاب الكرامات بتفصيل زائد.
والعلامة الشيخ محمد جميل الشطي في كتابه "أعيان دمشق في القرن الثالث عشر ونصف القرن الرابع عشر"، إصدارالمكتب الإسلامي بدمشق 1946. ويحتوي كتاب الشطي على تفاصيل شيّقة ووافية حول الأعيان حسب مفهوم ذلك العصر.
وقد قمنا بتصنيف أعيان ذلك الزمن إلى فئات نوجزها فيما يلي:
- اعيان اشتهروا بالخوارق تراجعهم العامة والخاصة للإستشفاء... من نساء يسألن عن كل شيئ، ورجال وفي مقدمتهم التجار للإستفسار عن تجارتهم وزوجاتهم... ولقاء ذلك كانت تردهم الأموال والهدايا... ومن المعروف أن مشايخ الإستخارة أثروا ثراء فادحاً...
- أعيان عرفوا بالجذب وهم خلفاء الأولياء ينالون إكرام الناس.. وهم لا لوم عليهم فيما يتكلمون ولا حرج. ولهم كشوفات عجيبة وإخبارات غريبة....... وحتى اليوم لا يزال للمجاذيب دور في مجابهة الطغيان. فكثيرا ما كانوا يسيرون في الأسواق وينتقدون الحكام دون أن يتجاسر أحد على اعتقالهم.
-
- {المجاذيب والانتخابات البرلمانية... أحد المجاذيب في إحدى المدن العربية تقدم ببيان انتخابي إقتصر على جملة واحدة، فحاز أكثرية أصوات أهل تلك المدينة. إحزروا ما نص الجملة: إذا انتخبتوني لرجّعكن ميت سني لورا}
-
- أعيان أولياء تُزار قبورهم والدعاء عند قبورهم مستجاب.
- أعيان فقراء خدموا السلك (أي الطريق بالمعنى الصوفي) بأمانة وصدق ومكارم أخلاق، وحافظوا على التكايا والزوايا، وكانوا محبوبين من الناس.
- أعيان تجار ومعلمو حرف، بعضهم اتصلوا بالحكام وهم القلة، ومعظمهم تجنب رجال السلطة وسعى للإهتمام بعمله أو الإنزواء في زاويته.
- أعيان علماء (المقصود هنا العلم الديني).
- أعيان على صلة بالسياسة وأتى في طليعتهم ابو الهدى الصيادي الرفاعي، الذي قصد "دار الخلافة" وحاز على ثقة السلطان عبد الحميد وجرى تبادل المنافع بين الشخصيتين. فعبد الحميد أغدق عليه الأموال ومنحه السلطة، وعن طريقه اصبح من رضي عنهم إقطاعيون.
وصف ابو الهدى السلطان عبد الحميد بأنه:
"الخليفة المعظم ظلّ الله في العالم، وارث سرير خلافة سيد المخلوقين نبينا محمد (ص)، ناصر الشريعة الغراء، وناشر ألوية الطريقة السمحاء خادم الحرمين الشريفين إمام المشرقين والمغربين..."
- أتباع أبو الهدى في دمشق تمكنوا (بفضل معلمهم) من إصدار إرادة سنية من السلطان عبد الحميد بمنع تمثيل الروايات في دمشق، مما اضطر رائد المسرح السوري أبا خليل القباني إلى مغادرة دمشق والإلتجاء إلى مصر.
- ومن الأعيان الأمير عبد القادر الجزائري، وهو وجه آخر للتصوف المتمثل بالشجاعة الروحية والمادية والفروسية والفتوة، التي انتهجها في ميادين القتال في الجزائر وفي منفاه في دمشق. ومعروف أن الأمير عبد القادر حمى المسيحيين قدر استطاعته أثناء المذابح الطائفية عام 1860.
***
قرأت لأحد العلمانيين المتشددين والمشاكسين وهو ممن هيّأ الأرض للتحركات الشعبية، عبارة استهوتني وهي بالحرف:
"أعشق الروح الربانية الصوفية ومسالكها ومعارجها وهي تسعى لمعانقة السماء"... وكم اتمنى أن أحضر اليوم حلقة ذكر طالباً من الله أن ينقذنا من هذه الطائفيات، وينهي هذه المأساة الدامية...