كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

أم عبدو العاملة الزراعية والفلاحة في "حزرما"

د. عبد الله حنا- فينكس:

لدى وصولنا إلى "حزرما" مساء 15/12/1984 في إطار التحضير لكتابة تاريخ الفلاحين، لم يكن صاحب البيت، الذي قصدناه لأخذ معلومات عن "حزرما" الواقعة في غوطة دمشق موجوداً، ولكن امرأته، التي فتحت الباب، أصرّت على استقبالنا، فحاولنا الاعتذار.
{تفرض التقاليد عدم دخول الرجال إلى البيوت إذا كانت خالية من الرجال. ولكن قرى المرج المرتبطة تاريخياً بالتقاليد البدوية أعطت للمرأة الجرأة والحق باستقبال الرجال مع غياب زوجها. والنساء في المرج لم يكنّ في ذلك الوقت محجبات كنساء الغوطة المغرقات في التحجب.}
بأننا نريد مقابلة فلاح مطلع على أخبار إقطاعيي حزرما، فأجابت أنها تعرف تاريخ الإقطاع مثل سائر الفلاحين.. فدخلنا البيت وكان في زيارتها فلاحتان من الجوار.
صاحبة البيت، التي أصرّت على استقبالنا هي "حُسن كريم" (أم عبدو) مواليد1945. وعرفنا في إحدى مضيفاتها أنها زوجة فلاح، كانت عاملة زراعية تتقاضى ليرة ونصف يومياً لقاء نكش وحواش البندورة، الباتنجان، البامية... الخ. في أرض بيت العابد الإقطاعيين من كبار الملاك. وكان عزت باشا العابد سكرتير السلطان عبد الحميد، ومن هنا "جاء الرزق"، الذي ردد بيت العابد كغيرهم من كبار الملاك، الذين سرقوا أراضي الفلاحين، بأنه من الله. والله برئ مما يزعمون.
كانت حُسن كريم (أم عبدو) ابنة عامل زراعي أمضى عمره أجيراً في أرض بيت العابد. وقد بلغت أجرته اليومية في الخمسينات من القرن العشرين ثلاث ليرات سورية. وعلّقت أم عبدو على ذلك قائلة:
"أبي كان معجون من دم بيت العابد"، إشارة إلى عمله المتواصل لديهم..
أم عبدو أمية، بالقراءة والكتابة، ولكنها العارفة الخبيرة بمشكلات الحياة، وبخاصة العلاقة بين الأفندية (من كبار الملاك) والفلاحين. ورداً على سؤالنا عن سبب عدم دخولها المدرسة أجابت: "على زماني ما كان فيه مدارس، ولكن كان طَفَرْ، وصَعِبْ دخول المدارس من الطفر"، والطفر هو الفقر المدقع.
منذ نعومة أظفارها - وهي بنت عشر سنوات - عملت حُسن كريم في التعشيب "وحفّ الأنهر" {إزالة الأعشاب والمرج من الأنهر} ليسهل جريان الماء. في أرض نهاد بك العابد بأجر يومي قدره نصف ليرة سورية. علماً أن أجرة المرأة البالغة كانت ثلاثة أرباع الليرة في الحصاد، وجمع البطاطا وغيرها من الأعمال. وكانت الأيدي العاملة متوفرة في حزرما، وقد عبّرت عن ذلك أم عبدو بقولها:
"من الطفر نرمي حالنا على الموت عند بيت العابد حتى يشغّلونا".
عام 1964 تزوجت حسن كريم وهي من مواليد 1946 من أبو عبدو، الذي عمل في سقاية أرض بيت العابد بأجرة قدرها ثلاث ليرات يومياً. ثم انتقل للعمل في معمل لصنع الآجر في جوبر بالأجر نفسه. وبعد توزيع أرض الإصلاح الزراعي عام 1968 انتفع أبو عبدو بمساحة 15 دونماً تزرع قمحاً وخضرة. وبفضل جهود الزوجين وعملهما سويّة في هذه المساحة من الأرض، صار لديهم الآن أربع بقرات حلوب وعمَّرا (بنيا) في عام 1983 بيتاً من ثلاث غرف بفضل ما جناه من أرض الإصلاح الزراعي. ومع أن أرض البناء هي لعادل العابد فقد أخذها الفلاح بالقوة ودون ثمن وبنى عليها بيتاً اسمنتياً. ولم تعد احتجاجات الإقطاعي عادل العابد تُسمع، وأوامره السابقة صارت في خبر كان.. وهذا مما دفع عادل بك للقول لوالد أبو عبدو الفلاح محمد عبد الكريم عبدو:
" الله يحرق هالشروال، صارت القيمة له، والبنطلون مابقالو قيمة".
{الشروال: لباس الفلاح. ما بقالو قيمة: لم يبق له اعتبار واحترام. والواقع أن العلاقة بين الإقطاعي والفلاح خاضعة لنسبة القوى ولعوامل كثيرة... وتجدر الإشارة أنني تعرفت على عادل العابد وأخيه أثناء نفيِ في مديرية زراعة دمشق، وكانا يراجعان لتسجيل ما تبقّى لهما من أملاك استولى عليها الإصلاح الزراعي ووزعها على الفلاحين}.
وقد لخّصتْ أم عبدو تاريخ قسم كبير من الفلاحين الخاضعين للإقطاعية سابقاً، الذين انتفعوا من أرض الإصلاح الزراعي بقولها:
"المصاري (أي النقود) والمعيشة الحلوة ما شفناها حتى راحت الإقطاعية".
***
رحم الله أم عبدو فهي مثالٌ للفلاحة في أرض الإقطاعيين بكل ما تعني الكلمة من معنى. ولا يزال صوتها ولهجتها ولغتها العامية المعبّرة وحركاتها المتناغِمة مع محتوى كلامها ماثلة في ذاكرة مؤرخ الفلاحين، وهو الآن إبن التسعين.
معاوية ملك دمشق وسوريا
هل استلهمت التوراة قصَّة استقبال إبراهيم للملائكة من التراث الأوغاريتي؟
البروفيسور نائل حنون: اكتشفت مدينتين وقصائد أكدية موزونة قبل ظهور الشعر العربي بألف عام
زلفا بنت الأمير سليمان أبو حيدر
الكنيسة الأرثوذكسية الأنطاكية من القرن الخامس عشر الى القرن الثامن عشر
《في احوال المسيحية في لبنان بالقرن السابع عشر الميلادي》
عن الأمة الآرامية
محاورة دينية جرت بين الخليفة العباسي "المهدي" وبين مسيحي عام ٧٨١م
"قومة موحسن" في مواجهة زحف الرأسمال التجاري لحيازة الأرض
الولاءات العشائرية والطائفية ونقيضها الانتماء للوطن في بلاد الشام المقسَّمة
ليس هناك أكراد ولا كردستان.. والقومية الكردية مستحدثة!
النساء السوريات ملِكات العالم
انطباعات مغترب قضى عطلته الصيفية في سورية
مسيحيو ديرالزور
ريفنا السوري.. أُسر متكاتفة ومواسم فرح وخير وعطاء