كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

تفشي حالات المثلية الجنسية... أسبابها النفسية والبيولوجية والاجتماعية

رانيا قادوس- فينكس

ما الذي يدفع الشباب للخروج عن المألوف ودخولِ حالاتٍ "حبٍّ" مثليّةٍ غريبةٍ عن العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعيّة السائدة في مجتمعاتنا، وبالتالي الخروج عن الطّبيعة البشريّة الانسانيّة بحد ذاتها؟ هل للحرمانِ العاطفيّ دورٌ مهمٌ في ذلك؟! أم هي الصّدمات النّفسيّة القاسية والمخبأة في ذاكرة الطفولة، ماهي البصمةُ الأقوى لجنوح الفرد نحو المثليّة الجنسية؟

البعض يعزو ذلك لمفرزات الحرب والأزمة السوريّة التي أوجعت السوريين بشراستها، ولطخت أرواحهم ودواخلهم النفسيّة بمشاهدٍ أقصى من أن تنسى، بينما للعلم رؤية أخرى فهو يصنّفها ضمن حالاتٍ مرضيةٍ سببها جيناتٌ معينة، لم يستطع العلماء تحديدها حتى الآن وأحياناً يكون سببها خللٌ هرموني، يؤدي إلى ميل الذكر أو الأنثى إلى جنسه نفسه. 

حالاتٌ لا بدّ من الوقوف عليها.. 

لم تكن "مروة" ابنة التاسعة عشرة عاماً تدرك أنّ "خطيبها" وفارسُ أحلامها المستقبلي، قد يسبب لها عُقدةً نفسيّةً ستلازمها بقية حياتها، وتؤدي إلى تحولها لمثلية جنسية بعد أن قام خطيبها على اغتصابها، إثر خلافٍ شخصيّ بينهما احتدم لدرجةٍ كبيرةٍ وكانت النتيجةُ كارثيّةً، لم تستطع الاستفاقة من الصّدمة الكبرى التي ألمت بها، وما أثار نقمتها وغضبها ردةُ الفعل السلبيّة من عائلتها تجاه الحادثة، فخطيبها ابنُ رجلٍ مسؤولٍ كبيرٍ في الدّولة، امتنعت عائلتها عن الشكوى القانونية ضده خوفاً من بطشه وتهديداته، وفي ليلة وضحاها تحولت أحلامها الورديّة إلى كابوسٍ مخيفٍ يلازمها ليلاً ونهار، حتى كرهت الرجال ونفرت منهم أشدّ نفور مما أثّر على حياتها الجنسية المستقبليّة.

وتقول مروة: «لا يمكنني تخيل رجل يلمَسني أو حتى يقترب مني، فهذا يصيبني بالرعب والنفور لأبعد الحدود». وأضافت:« نعم أنا مثليّة ولدي صديقة مثليّة، وهذه حياتي الخاصّة ولي كامل الحريّة في عيشها كما أحب، وأنا أسعى لإقامة جمعية ضد الرجال لأنهم ببساطة أنانيون ومتوحشون».

"أحمد" البالغ من العمر أربعين عاماً روايتهُ مختلفةٌ أدت إلى ظهور المثلية لديه، فقد تعرض للتّحرش في طفولته بعمر 8 سنوات من صديقٍ مقرّب للعائلة، "أحمد" لم يخبر والديه خوفاً من العقاب الشديد، فأحسّ بتأنيب الضمير وكأنه َمن اقترف الفعل المشين، ويتابع أحمد قائلاً: "في مراهقتي تأكدت أني مثلي الجنسية فلم أشعر بأي إثارة للجنس الأخر، وعلى العكس تماماً أحببتُ صديقاً لي حدَّ الجنون، وحينَ بحتُ له بمشاعري ابتعدَ عنّي وقطع صداقتهُ بي، واستمرت معي هذه الحالة حتى في مرحلة شبابي أثناء دراستي الجامعية، وأغرمتُ مرّةً أخرى بصديقٍ لي، ولكني لم أخبره بمشاعري ولمعاناتي الكبيرة قررت الحديث عن مشكلتي، مع طبيبٍ نفسي تعرفت عليه عن طريق الفيس بوك ساعدني كثيراً بالتّخلص من بعض التّناقضات لدي، والمشاكل النّفسية التي كانت تعتريني، لكن حتّى الآن لم أستطع التخلص تماماً من مثليتي، فأنا أعاني ولا أغرم إلا بالرجال، ولا تثير الأنثى لدي أي رغبة جنسية أو عاطفية.

الأسرة هي الجوهر الحقيقي والنواة الفعلية للاستقرار العاطفي

الباحثة الاجتماعية "رندا اسماعيل" دكتورة في علم الاجتماع في جامعة تشرين باللاذقية أوضحت لفينكس في لقائنا معها بتاريخ 16 /12 / 2021: أنّ هناك حالاتٌ مثلية لم تكن مطروحةً سابقاً وهي مرفوضةٌ تماماً حتى في حالة النقاش، لكن لا حياء في العلم قولاً واحداً، فالذي ساعد في انتشار هذه الحالات المثلية هي التكنولوجيا التي تعتبر سلاحاً ذو حدين، نحن لسنا ضدّ التّطور والعلم الذي يصلنا بتطورات الحضارة، لكن أن نفهم الأسلوب الحضاري بطريقةٍ خاطئةٍ فهذه كارثةٌ حقيقية، خصيصاً وأننا نعيشُ التّناقضات بشتّى أشكالها والتي لا يتقبلها العقل ولا المنطق.

وأضافت "اسماعيل": المشكلةُ أنّ كلّ شيء أصبحَ مباحاً لجيل الشباب جيل الشباب عن طريق الانترنيت، وتحت سن 18 يعتبرُ قاصراً فيأخذ المراهق هذه الأمور من باب التّجربة، فليس هناك رادعٌ ولا سلطةُ للعائلة تضبطُ هذا الموضوع، وبالمقابل هناك واقعٌ افتراضي على الانترنيت، وهناك اختياريّةٌ مزاجيّةٌ في انتقاء المواقع الافتراضيّة المتاحة أمام المراهقين، فهو يغذي أفكار غير جيدة عند الطفل وعند المراهق مع غياب الأهل وإشرافهم، لذلك نعتبر الأسرة أنها الجوهرُ الحقيقي والنّواة الفعلية لاستقرار الشخص، وبعض حالات المثلية الجنسية مرجوعها لعدم الاستقرار العاطفي، وكلنا بحاجة للعاطفة والاستقرار البيولوجي الهرموني هو أساس تكويننا، لكن اتباع سياسةٍ معينةٍ لتفريغ الشّحنة الجنسيّة غيرُ مطروقٍ في مجتمعنا إلّا ضمن معايير سليمة هي الزواج، والذي يحدث أنّ هناك نوعاً من الإدمان على المواقع الإباحية وغيرها، كذلك عدم تواجد الأهل في البيت وغيابهم لأجل العمل يؤثر بشكلٍ سلبي، خاصّةً بالنّسبة للأطفال وهم في المرحلة التّأسيسية لاستقرار المشاعر والعاطفة وحين لا يحصل عليها الطفل من الأهل بشكلٍ كافٍ يخلق لديه تشتتٌ عاطفي لأن دور الحضانة لدينا ليست نموذجية وغير قادرة على تلبية حاجات الطّفل العاطفية.

الإعلام العربي يلعب دوراً خطيراً... والإعلام السوري مُغيبٌ تماماً...

تتابع الدكتورة "رندا اسماعيل" حديثها قائلةً: إنّ التّرويج الإعلامي حول هذه المواضيع مسيّسٌ من الخارج، وفي "سورية" غير مقبول لكن هناك محطاتٌ عربيةٌ لعبَت دوراً خطيراً في ذلك عن طريق الانترنيت مقابل الملايين من الدولارات، فقط لأجل الدّخول إلى هذه المواقع الإباحية ومنها المثلية الجنسية والأخطر أنها أحياناً تكون بطريقة رسومٍ متحركة للأطفال، والمشكلة أنّ الطفل ليس لديه فقط فضول جنسي بل وأيضاً فضولٌ معرفي، وللأسف الإعلام السوري مغيبٌ تماماً كما الأهل بعيدون عن أولادهم بحثاً عن لقمة العيش، وهنا تكمنُ المشكلة فكلُّ شيء موجود على الانترنيت والأطفال مباح لهم ذلك ببساطة، فإذا لم تكن الأم على مستوى كبير من الوعي والثقافة يوازي فضول طفلها المعرفي، لن تستطيع أن تصل معه لأيّ نتيجةٍ مهمّةٍ وسوف يجرب أنماطاً جنسيّةً مُختلفةً من باب الفضول، وأسلوب الضّرب أضعفُ أسلوبٍ تلجأ إليه الأم ناهيكَ عن المراهق الّذي يدمنُ على هذه المواقع الإباحية ويشاهد حالاتٍ جنسيّةٍ عديدة، يغذي بها فكره مراراً وتكراراً وهو مع الوقت سوف يتقبلها ويفرضها على غيره.

أنواع المثلية بين المكتسب والخلقي..

الدكتور "رياض منصور" أخصائي في الأمراض النفسية والعصبية قال لفينكس في حديث معه عن المثلية 18 / 12/ 2021: علينا بدايةً أن نفرّقَ بين نوعين من المثليين، النوعُ الأول مثليٌّ خلقي أي تخلق معه هذه الحالة، الّتي لها علاقة بالجينات والخلل الهرموني عند الشخص، أمّا النّوع الثّاني فهو مكتسبٌ أي لم تخلق معه بل يكتسبها فيما بعد نتيجة صدماتٍ نفسيّةٍ أو حالاتِ تحرّشٍ جنسيّةٍ أو اغتصابٌ أو العيش في بيئة غير سويّة تربوياً _منحرفة_ أو غيرها من الأسباب، وهناك أشخاصٌ مثليون متصالحون مع أنفسهم ومتقبلون لهذه الحالة لديهم، وأشخاصٌ أخرون غير متصالحين مع ذواتهم ورافضين أنفسهم كمثليين مما يخلق لديهم حالة انفصامٍ في الشّخصية، فتتشكلُ لديهم عقدٌ نفسيّةٌ كثيرة بسبب المجتمع الرافض لحالتهم، وبالنّسبة للنوع الأول من المثليين الذي له علاقة بالجينات وبحسب أكثر الاحصائيات فهو لا يُعالج، أمّا النّوع المكتسب فإنه يعالج، لأن منشأه نفسي أي سلوكٌ نفسيٌّ أوجد الحالة المثلية لدى الشخص، كما يمكن أن يكون الشخص المثلي مزدوج الميول أي لديه ميول للطرفين للأنثى والذكر، وفيما يخص الأسباب النفسية للمثلية فهي كثيرةٌ منها: تعرض الطفل للتحرش أو الاغتصاب في مرحلة الطّفولة مما يؤثر على مسيرته الجنسية، ثانياً البيئة التي نشأ فيها الطفل قد تكون غير سويّة مثل تعرضه للتعنيف من الأهل، أو الغياب النفسي للأهل مما يشكل لديه حرمان عاطفي أو حالات عدم تقبل الذّات وكلها تؤثر على السّلوك النفسي للطفل، كذلك في فترة المراهقة قد تتشكل المثليّة عند البعض نتيجة الكبت الجنسي أو رغبة المراهق وفضوله وحبه للتّجريب خاصّةً إذا كان حوله رفاق سوء أو بيئة مشجعة على ذلك.

ويتابع الدكتور "رياض" موضحاً طرق الوقاية: أولاً أن يكون الزواج قائم على الحب والتفاهم حتى لا يكون هناك سلوك غريب في العائلة يخدش نفسيّة الطفل ويؤذيه، ثانياً تعاون الأهل مع الأولاد بأن يكونوا قريبين منهم كالأصدقاء، وأن يكون الأهل الملجأ الوحيد لأولادهم فلا يخشون إفشاء أسرارهم لهم، أو البوح بمكنوناتهم وهواجسهم وسؤالهم عن أي شيء يؤرقهم، ثالثاً أن ينتبه الأهل للطفل وللمراهق من بسلوكه ومن هم أصدقائه، مع التّأكيد لعدم السماح لأي شخص مهما كانت صفته أن يأخذ الطفل لوحده منعاً لحالات التّحرش أو الاغتصاب، مع ضرورة متابعة الأهل للأولاد والانتباه لسلوكهم والامتناع عن العقوبات الشديدة التّرهيبية خاصّةً للأطفال، حتى ندعم الثّقة بين الأهل والطفل ولا نخلق عنده حالات الخوف وضعف الشّخصية واللجوء إلى الأخرين بدل الأهل.

لا قانون عقوبات على مرتكبي المثلية..

المحامية "رولا زهيري" أوضحت لنا وجهة نظر القانون بالمثلية في 19 /12 /2021  قائلةً: المثلية الجنسية لم يتطرق لها القانون السوري في الأحوال الشخصية، إذاً هي غير واردة على المحك، والزواج عُرف حسب قانون الأحوال الشّخصية وهو رابطة بين رجل وامرأة يحلان لبعضهما شرعاً والغايةُ منه انجاب الأطفال وتشكيلُ الأسرة، أمّا قانون العقوبات فلم يرد نص على عقوبة الرجل الذي يتزوج رجل أو المرأة التي تتزوج امرأة، لأنه لا وجود لمثل هذه الحالات في القانون السوري، والمبدأ الاساسي في قانون العقوبات لا جريمة بدون نص ولا عقوبة بدون نص، وهنا لا يوجد أمر سمح به القانون إذاً "لا عقوبة"، أما نظرة القانون للعمل الجنسي سواء رجل مع امرأة ولو كانت زوجته بالشكل المنافي للطبيعة، فهو معاقبٌ عليه وأي علاقةٍ جنسيةٍ ما بين رجلين وأكثر يعتبر فعل منافي للطبيعة، وكذلك ما بين امرأتين أو أكثر يعاقب قانون العقوبات عليها بالحبس وهي جرم جزائي جنحوي الوصف، حتى العلاقة الجنسية مع الحيوانات معاقب عليها قانونياً. 

يبقى موضوع المثلية الجنسية موضوع شائك جداًخصوصاً في ظل التطور الحالي للتكنولوجيا « التليميديا» ، والعيش في العالم الافتراضي الانتقائي إرضاءً لذات الفرد وتلبية لطموحه وأنانيته ورغبته الشخصية ، وسواء قبلنا المثليين الخارجين عن الطبيعة البشرية سلوكياً أو رفضناهم أو حتى تعاطفنا معهم ، علينا أن نحذر من الترويج الإعلامي العالمي والعربي لهذه الظاهرة، بغية إعطاء صفة اجتماعية وقانونية للمثليين من باب الحرية الشخصية والتحرر الاجتماعي، تماماً كالذي يلعب بالجينات كالاستنساخ والحرب البيولوجية الجرثومية التي نعيشها من خلال الكورونا، وأن ننتبه للخلل الموجود في التربية في السنوات الأولى لمرحلة الطفولة من 7 إلى 9 سنوات، التي تشكل بصمة الطفل الأساسية «شخصيته» وكل شيء يأتي بعد ذلك بالاكتساب من المحيط المدرسي والحي وزملاء العمل إلخ..، ويأتي طرحنا لهذه الحالات المثلية علمياً ونفسياً وأكاديمياً وقانونياً خوفاً من استمرارها وتضاعفها، والتي مازالت مستترة في مجتمعنا السوري ومرفوضة قولاً واحداً اجتماعياً وأخلاقياً وقانونياً ، وكل من يحاول الترويج لها مرفوض لأنهم ببساطة خارج الطبيعة البشرية وتكوينها.

مواد ذات صلة: اُبي حسن: تحقيق ميداني عن الشذوذ الجنسي.. تبادل زوجات و سفاح محارم و علاقات مثلية في سوريا

معذرة: ليس مثلك مثلي...عن الشذوذ الجنسي في سوريا