كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

أكثر من مليون تلميذ متسرب من المدارس السورية

ميليا اسبر- دمشق- خاص فينكس:

منذ صدور التقرير الذي أعدته وزارة التربية ومنظمة اليونسيف عام 2019 حول تسرب اكثر من 1.94 مليون تلميذ من المدارس السورية، لم تتراجع هذه الظاهرة، وخاصة في المناطق الشمالية والشرقية من سورية، حيث تستمر انعكاسات الحرب على جميع المستويات، من استهداف التلاميذ بعدد من القذائف على مقاعد الدراسة، وصولاً إلى الوضع المعيشي المتردي لبعض الأسر ما تسبب بتسرب بعض التلاميذ للعمل من أجل مساعدة الأهل.
وبحسب باحثين اجتماعيين، تعد ظاهرة التسرب خطيرة، ولها انعكاسات وآثار نفسية واجتماعية واقتصادية سلبية على التلميذ خاصة والمجتمع عامة، ما قد يوصل المجتمع الى انحراف قيمي واخلاقي، مع زيادة نسبة الجهل والأمية.
1.94 مليون تلميذ متسرب
مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة التربية غسان شغري كشف عن وجود مليون و 94 ألف طفل متسرب وفق التقرير المعد من قبل الوزارة واليونسيف عام 2019، بينما أكد مدير التعليم الأساسي في الوزارة الدكتور رامي الضللي أنّ الحرب أثرت بشكل كبير على العملية التعليمية، وأدت إلى حرمان الأطفال بشكل مباشر وغير مباشر من الذهاب إلى المدرسة، فقد تعرضت بعض المدارس للتدمير، وبعضها أصبح غير آمن، لذلك شعر بعض الأطفال بعدم الأمان أثناء الذهاب أو التواجد في المدرسة، كما اضطرت عائلاتهم للانتقال إلى أماكن أخرى لم تعد المدارس متوفرة فيها، لافتاً إلى أن التسرب تركز في محافظات ريف حلب والحسكة وإدلب والرق وير الزور، كما توجد شريحة كبيرة ممن تسربوا من التعليم، و هم فئتان، الأولى لم تلتحق أبدا، والثانية لم تكمل مرحلة التعليم الأساسي.
وأشار إلى عوامل كثيرة أثرت بشكل سلبي على قدرة واندفاع التلميذ نحو التعلم وظهور حالات التسرب المدرسي، وأهمها اضطرار الأهل لتغيير أماكن سكنهم عدة مرات بسبب الحرب، وزيادة كبيرة في عدد التلاميذ ممن فقدوا تحصيلهم العلمي نتيجة الانقطاع عن الدوام، إضافة إلى زيادة في عدد التلاميذ المكتومين، كاشفاً أن نسبة المتسربين مرتفعة و تقدر بـ 75% وتتفاوت حسب الجنس والمناطق التي سيطر عليها الإرهابيون، ففي محافظات دير الزور والرقة وحلب، كانت نسبة الإناث أكثر من نسبة الذكور بسبب وجود تنظيم داعش الإرهابي.
اجراءات للتخفيف من التسربرامي الضللي
مدير التعليم الأساسي ذكر أن الوزارة اتخذت منذ بدء الحرب عدة إجراءات للتخفيف من هذه الآثار، وزيادة القدرة على استيعاب التلاميذ، وتأمين حق التعلم للجميع من خلال تيسير إجراءات تسجيل التلاميذ العائدين من التسرب في أقرب مدرسة لمكان سكنهم، مع مواكبة إعلامية ضمن حملات عديدة بالاستفادة من اللوحات الطرقية والإعلانات التلفزيونية (حقي أن أتعلم – العودة للمدرسة – منهاج الفئة ب)، إضافة إلى تنفيذ دورات المكملين دراسياً بالتعاون مع المنظمات الدولية حيث يستطيع التلميذ تعديل نتيجته، وفي حال اجتياز الدورة بنجاح ينتقل إلى الصف الأعلى، وأيضاً، السماح بقبول التلاميذ ممن لا يمتلكون أي وثائق ثبوتية (مدرسية) بموجب سبر معلومات ووضعهم في الصف المناسب وفق فئتهم العمرية. ومنهاج الفئة / ب / للتلاميذ الذين لم يسبق لهم الالتحاق بالمدرسة أو المتسربين أو المنقطعين لأكثر من عام دراسي، حيث يجتازون الصفوف من (1-8) بأربع سنوات وفق /4/ مستويات، كما تم افتتاح دورات تمديد العام الدراسي في محافظات ريف دمشق ودير الزور والرقة وعفرين في ريف حلب لتعويض الفاقد التعليمي بعد انتهاء العمليات العسكرية وتحريرها، فكانت رافداً لسد الثغرات نتيجة توقف العملية التربوية في مناطقهم، وإصدار الوثيقة الخاصة بتقدير الأعمار لمن لا يمتلكون وثائق شخصية (مكتومين ومجهولي النسب) بشرط وجود وصاية قانونية على التلميذ، لافتاً إلى إقامة مشروع الدروس التعليمية لتلاميذ الفئة / ب / بالتعاون مع منظمة اليونسيف لرفع السوية العلمية، والأهم، إدراج العديد من المفاهيم الخاصة ضمن مناهج وزارة التربية مثل التسرب المدرسي والتسول وعمالة الأطفال وحقوق الطفل و المواطنة والمساواة، ما يسهم في زيادة الوعي لهذه المفاهيم بشكل مباشر بين التلاميذ وأسرهم.
قانونية التعليم الإلزامي
وحول قانونية التعليم الإلزامي في سورية، يقول المحامي عبد الفتاح الدايه: "إنه منذ عام 1981 كان هناك قانون للتعليم الإلزامي، وأصبح الولي ملزم بإرسال الطفل إلى المدرسة، وفي حال تخلفه، يرسل له مكتب التعليم الإلزامي في كل محافظة إنذاراً ويبلغ رسمياً، فإن لم يستجب تتم معاقبته بغرامة مالية مقدارها ٥٠٠ ليرة سورية، وفي حال التكرار تضاعف الغرامة ويتم حبس الولي مدة لا تزيد عن الشهر"، مضيفاً ان هذا القانون بقي سارياً حتى صدور القانون رقم ٧ لعام ٢٠١٢، والقاضي أيضاً بإلزام أولياء الأطفال السوريين إلحاق أطفالهم بمدارس التعليم الاساسي، حيث ألزم القانون الجديد جميع أولياء الأطفال السوريين (ذكورا وإناثا) الذين تتراوح أعمار أطفالهم ما بين 6 و15 سنة بإلحاق أطفالهم بمدارس التعليم الأساسي، وفي حال امتناع ولي الطفل أو المسؤول عنه قانوناً عن إرسال الطفل إلى المدرسة بعد إنذاره بعشرة أيام يعاقب بغرامة مالية مقدارها من 10 إلى 15 ألف ليرة سورية.
وبيّن أنه عند تكرار امتناع ولي الطفل أو المسؤول عنه قانوناً عن إرسال الطفل إلى المدرسة يعاقب بضعف الغرامة المالية، وإذا كان المتسرب من أسرة مستفيدة من صندوق المعونة الاجتماعية يوقف صرف المعونة لأسرته لحين عودته للمدرسة.
لجنة رئيسية للتعليم الإلزامي
وبموجب أحكام القانون، تؤلف في الوزارة لجنة رئيسية تسمى (اللجنة الرئيسية للتعليم الإلزامي) بقرار من الوزير، وفي كل محافظة لجنة تسمى (لجنة المحافظة للتعليم الإلزامي)، ومن بعض مهام لجنة المحافظة الإشراف على إحصاء المواليد الجديدة من كل عام ممن هم في سن التعليم الإلزامي، ووضع خطة الإعلام بما يخص إلزامية التعليم في المحافظة، إضافة إلى توجيه إنذار لكل ولي تلميذ انقطع عن المدرسة دون عذر مدة خمسة عشر يوماً، حسب ما ذكره الداية، وكذلك اقتراح إحالة قضايا المواطنين الممتنعين عن إرسال أطفالهم إلى المدرسة والذين يجب تحريك الدعوى العامة بحقهم إلى الوزارة بعد إنذارهم من قبل اللجنة بعشرة أيام.
وبين الداية أنّ القانون سمح بمنح أسر الأطفال المتسربين الذين يلتحقون بمدارسهم بعد تسربهم ممن تنطبق عليهم الشروط والمعايير الخاصة بالإعانات المقدمة من الصندوق معونات مادية أو عينية من خلال برامج خاصة بذلك ويتم توزيعها عن طريق الصندوق بالتنسيق بين الوزارة ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وكذلك أجاز القانون للوزير منح المكافآت التشجيعية للعاملين في لجان التعليم الإلزامي والتلاميذ، موضحاً أن الأمر ليس فقط إلزامياً تحت طائلة العقوبات وإنما هناك بعض الإجراءات التشجيعية أيضاً، وهناك حاجة لبعض التعديلات على قيمة الغرامات وكذلك المكافآت لتؤدي دورها بشكل صحيح.
وختم بالقول: "تبقى المسؤولية في هذا الملف مشتركة بين مؤسسات الدولة و الأهالي للتخفيف ما أمكن منها وصولاً لإنهائها بشكل كامل".لا يتوفر وصف.
اهدار تربوي
الأخصائية الاجتماعية مي برقاوي بينت أن التسرب من المدرسة ظاهرة خطيرة واهدار تربوي هائل في المجتمع السوري، حتى قبل الحرب، لكنها تضاعفت بشكل واضح خلال الحرب، وهي مشكلة كبيرة لها انعكاسات نفسية واجتماعية وأيضا اقتصادية على الطالب والمجتمع، فالطالب المتسرب يعيش المعاناة من المستقبل المجهول ومن هدفه من الحياة الذي لا يستطيع ان يحدده أو يرسمه، إضافة إلى احساسه بالقهر والدونية لاختلافه عن أقرانه الذين يتابعون بالمدرسة، مشيرة إلى أن كل تلك المشاعر قد تقوده الى انحراف قيمي وأخلاقي، أو الانسحاب من الحياة بالسخط على سلطة أبويه أو أي سلطة خارجية في محيطه، منوهة إلى الآثار السلبية التي تنعكس على الأسرة والمجتمع، كزيادة نسبة الجهل والأمية والبطالة او عمالة الاطفال، وضعف البنية الاقتصادية والانتاجية للفرد والمجتمع.
الأسباب والدوافع  
وتحدثت الباحثة الاجتماعية عن الأسباب والدوافع لظاهرة التسرب، فمنها دوافع تتعلق بالطالب نفسه، حيث تحد من قدراته الذهنية وبالتالي تدني التحصيل والرسوب المتكرر في صفه، عدم شعوره بقيمة العلم والتعلم متأثرا بموقف أهله تجاه العلم والتعلم، وكذلك عدم الشعور بالأمان نتيجة اهمال أسري ومدرسي له، إضافة للزواج المبكر لدى الإناث، والخروج لسوق العمل لدى الذكور نتيجة الفقر والفاقة عند أسرته، حيث أنّ الاسرة هي الركيزة الاساسية والمستمرة للتربية، وكثيراً ما تسيطر عليها العادات والتقاليد الموروثة والقديمة في أساليب تربيتها لأولادها، كاعتماد القسوة والعنف وتجنب الحوار مع الأبناء دون تفهم حاجاتهم ورغباتهم وتشجيعهم وتحفيزهم، كما أن الهروب  من تحمل المسؤولية تجاههم تجعل الأبناء يهربون من المنزل بأي شكل من الاشكال ، وتالياً فقدان المدرسة عدا التفكك الأسري والمشكلات التي تحصل بين الوالدي، مشيرة إلى وجود  أسباب تتعلق بالمدرسة، فقد قد تكون البيئة المدرسية عامةً ليست صديق للطالب المتسرب غير مريحة وغير جذابة وخاصة إذا اعتمدت أساليب العقاب القاسية والتمييز بين الطلبة وقد يكون المنهاج الدراسي وطرق التدريس لا يعطى بشكل محبب ومشوق والأنشطة  المدرسية لا تشبع حاجات الطلبة، كل ذلك مما يؤدي به الى النفور منها وعدم الشعور بالانتماء لها، وبالتالي الهروب التسرب منها.
وذكرت برقاوي بوجود  ظروف خارجة عن الطالب منها الحروب والأزمات  التي ترتفع فيها نسبة التسرب لعدم قدرة كثير من الطلاب والطالبات الوصول الى مقاعد الدراسة وخوف الأهل من تعرضهم للخطر ،وأيضاً غياب قانون التعليم الالزامي بسبب الحرب مع أنه يعتمد على وعي الاهل بالبحث عن بدائل لتعلم ابنائهم .وخاصة أن وزارة التربية ساعدتهم في ذلك بوجود مدارس أخرى بمناهج سميت منهاج/ ب/ وهو خاص بالطلاب المتسربين الذين  اضطروا للتنقل من مناطقهم
مقترحات وحلول 
وأضافت برقاوي أنه يمكن اقتراح طرق وحلول لمعالجة الظاهرة وبعضها قد عُمل به سواء من الأهل أو من الجهات المعنية بوزارة التربية لكن مازال هناك  دور للأهل والمدرسة في التخفيف من حدة ظاهرة  التسرب المدرسي أهمها  
إعادة تفعيل قانون التعليم الالزامي وبقوة وبالتعاون وزارة التربية مع الوزرات الأخرى المنوطة بالمشكلة، وأيضا تفعيل دور التوجيه والارشاد في المدرسة ...واقامة بحوث ودراسات تعتمد استبيان خاص بحاجات وخصائص الطلبة في كل مرحلة عمرية لتأسيس برامج وأنشطة ترفد حاجات الطلاب وتحقيقها والتنسيق مع الأهل  في ذلك، مشددة على دور الأسرة الكبير في معالجة التسرب ، فعندما توفر للأبناء بيئة صحية ايجابية وتحث دافعية التعلم لدى الأبناء  والاقرار والتقدير بالأداء والسلوك الجيد لديهم أمامهم وامام البيئة المحيطة بهم كالأقارب والاصدقاء كي تشعره بالأمان والثقة بالنفس وبموازاة المدرسة في حث الدافعية والتحفيز للتعلم عند الطلاب .وتوفير بيئة مدرسية ايجابية وخالية من العنف ذو مناخ تعلمي تربوي صحي محفز للتعلم وللنمو الجسدي والمعرفي والاجتماعي والنفسي والوجداني للطلبة.