كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الحرب تفاقم ظاهرة "التحرش الجنسي" ولا إحصائيات دقيقة عنها (تحقيق ميليا اسبر)

خبير قانوني: ضرورة تشديد العقوبة على مرتكبي جرائم التحرش الجنسي  

معالجة نفسية: علاج الأطفال المتحرش بهم في حال تم التدخل المباشر في الأيام الأولى لانتهاكهم

أخصائية اجتماعية: التحرش يحدث في مختلف البيئات الاجتماعية ويزيد الانحلال الأخلاقي

 

ميليا اسبر- فينكس:

 

يعتبر التحرش الجنسي من أخطر المشكلات الاجتماعية الحالية في المجتمع السوري، حيث فاقمت سنوات الحرب من زيادة أعداد المتحرش بهم نتيجة زيادة نزعة العنف التي توقظ النزعات الشهوانية، إلا أنه من الصعب إعطاء إحصائيات دقيقة عن هذه الظاهرة لأن هناك الكثير من الحالات لا تعترف بما يحصل لهم من اعتداءات حسب ما أكده المعنيين بهذا الشأن، وأن التحرش يشمل الذكور والإناث – الصغار والكبار، كما أنه لا يقتصر على بيئة معينة وإنما قد يحدث في مختلف البيئات الاجتماعية والمستويات المادية.

بحسب قانون العقوبات السوري إنّ عقوبة مرتكب جريمة التحرش الجنسي لا تتجاوز الحبس لمدة سنة ونصف، ويرى القانونيين ضرورة تشديد العقوبة لأقسى من ذلك بحيث تكون رادعاً قوياً لمن تسول له ارتكاب مثل هذه الجرائم.

 

ضحايا

لم تكن تعرف الطفلة "لارا" ذات العشر سنوات ماذا كان ينتظرها في دكان ذلك الرجل الذي تجاوز الستين من العمر بعد أن ذهبت ذات يوم في صباح باكر لتشتري حاجاتها.

تروي الطفلة "لارا" ببراءة وخجل أنها حين دخلت الدكان بدأ الرجل يتلمس ويداعب أعضائها التناسلية، إلا أنّ شجاعة الطفلة كانت أقوى من رغبته الجنسية حيث بدأت بالصراخ وسارعت بالهروب لتخبر أمها ما جرى معها..

أما الشاب (ع – م) الذي تعرض للتحرش منذ أن كان في الصف الثامن لسنوات عديدة من شخص قريب له دون أن يتجرأ بإخبار أهله خوفاً من ردة فعلهم، أو ربما وصمة العار التي ستلاحقه مدى حياته، الشاب (ع – م) الذي ترك المدرسة بعد ذلك، و تحول إلى شخص انطوائي، يكره كل من حوله بحسب ما قاله بعض المقربين منه لـ" فينكس"

 

عقوبات قانونية

عن العقوبات القانونية لمرتكبي جرائم التحرش الجنسي يقول المحامي والخبير القانوني عارف الشعال لـ"فينكس" إنّ التحرش الجنسي وفق المادة505 من قانون العقوبات السوري هو: أفعال اللمس أو المداعبة التي تمارس على قاصر لم يتم الخامسة عشرة من عمره سواء أكان ذكر أو انثى حتى لو تمّ برضاه، واللمس أو المداعبة لأنثى لها من العمر أكثر من خمس عشرة سنة دون رضاها.

وأشار الشعال أنّ عقوبة هذه الجريمة الحبس مدة لا تتجاوز السنة ونصف، كما لا يحتاج تحريك دعوى الحق العام لشكوى المعتدى عليه أو ذويه، مؤكداً أنه مما لاشك فيه أنّ عقوبة هذه الجريمة تحتاج للتشديد إذا وقعت على قاصر بسبب ضعفه وقلة قدرته على مقاومة الفاعل، ومن الملاحظ أن هذه الظاهرة منتشرة في أماكن العمل وبين المحارم في الأسر، وتالياً من المنطقي تشديد العقوبة إذا وقع الفعل ممن له سلطة أو نفوذ على المعتدى عليه في مكان العمل أو من محارمه، ويرى الشعال أنه من الواجب إعادة النظر وتشديد العقوبة على جريمة عرض عمل منافي للحشمة المنصوص عليها في المادة 506 عقوبات لأنها لا تتجاوز الحبس التكديري (عقوبة خفيفة تتراوح بين يوم وعشرة أيام)، منوهاً أن تشديد هذه العقوبات يتم بإصدار قانون من قبل المشرع.

وبين الشعال أنه من الصعب تقييم هذه الظاهرة بسبب عدم وجود إحصائيات عن مدى انتشارها في المجتمع وفي أية أوساط يمكن تحليلها، إضافة لعدم وجود إحصائيات عدلية عن نسبة هذه الجرائم والسياسة القضائية فيها إضافة لعدم إمكانية قراءة هذه الجرائم من واقع التجربة العملية بالمحاماة لأن مرتكبي هذه الجرائم لا يلجؤون لمحامي يدافع عنهم.

 

مشكلة صدمية       

ربما الغالبية العظمى من مرتكبي تلك الجرائم يعانون من أزمات نفسية، أو أنهم يعيشون في ظروف بيئية يسودها العنف، علما أن مثل هذه الجرائم تحدث في مختلف البيئات الاجتماعية والمستويات المادية.

بدورها الدكتورة والمعالجة النفسية مرسلينا حسن أوضحت لـ"فينكس" أنّ مشكلة التعرض للتحرش الجنسي مشكلة صدمية لاسيما إن تمت من الطفولة المبكرة و يزيد عليها مخاطر معقدة إن كان المتحرش من المقربين الذي يفترض به أن يكون مصدر أمان ورعاية ليصبح مصدرا للأذى ومنتهك للقيم الإنسانية، مشيرة أنه يمكن علاج هؤلاء الأطفال ويتم تجاوز الصدمة في حال تم التدخل المباشر في الأيام الأولى بعد هذا الانتهاك لأمان الطفل / الطفلة الجسدي والنفسي قبل أن يحدث الكبت وتفعل مفاعيلها آليات الدفاع الأولية من النكران أو الخوف والنسيان القسري للأذى الحاصل بفعل التبعات المخيفة لردة فعل الكبار من الوالدين تحديداً ليكون الطفل لقمة سائغة لشهوانية مرضية لمن تعرض له.

التحرّش الجنسي بالأطفال يسرّع مرحلة بلوغهم! | نواعم  

بسبب الحرب

فاقمت سنوات الحرب من زيادة أعداد المتحرش بهم نتيجة زيادة نزعة العنف التي توقظ النزعات الشهوانية بصورة عامة عند الذين يعيشون ظروف العنف، كما أن السكن المختلط كباراً وصغاراً وتجمعات مختلفة من الأشخاص في المخيمات أو السكن الجماعي داخل المدارس أو الانتظار في العراء أو الحدائق حتى يتم ايجاد مأوى للذين اضطروا على ترك منازلهم والنزوح بعيداً عنها لمناطق قريبة أو حتى بعيدة حسب ما قالته د: حسن، وأنّ العلاج يكون ببرامج نفسية علاجية خاصة بالعمل على الصدمات، إضافة إلى برنامج نفسي تربوي لإعادة التأهيل وترميم الأذى، وتراجع القدرات المعرفية والمهارات الاجتماعية نتيجة كبت مشاعر الخوف والشعور بالذنب والعار.

 

التربية الجنسية للطفل

وذكرت د: حسن بوجود حالياً ثقافة نفسية تتصل بالتربية الجنسية بتعريف الأطفال بأهمية المحافظة على خصوصية أجسادهم لاسيما المناطق الحساسة المتصلة بالأعضاء الجنسية، والتأكد من الأبوين لأطفالهم على حساسية هذه الأجزاء من الجسم لأنه عرضة لنقل الأمراض والالتهابات إن تم مسها أو اللعب بها، إضافة إلى أنّ استثارة هذه المناطق الخاصة يعرض الأطفال للتهيج واستفزاز المشاعر والأحاسيس الجنسية التي من المفترض أن تبقى كامنة غير محفزة باستثارتها وحتى عمر البلوغ والنضج عندما يستطيع الشبان والشابات حماية هذه المناطق من الجسم وأيضاً التثقيف حول الجنس تدريجياً ومعرفة الأطفال الفروق بين الذي يعاش بعد الزواج والجنس الذي يستثار بأساليب سريعة وغير آمنة، لافتة أن التحرش الجنسي يفقد الطفل براءته مما يضعف عمل القدرات المعرفية لديه كذلك التحرش عند الكبار مؤلم خاصة لدى الفتيات القاصرات اللواتي يتعرضن للتحرش من أكثر من شخص في وقت واحد.

 

أسباب التحرش

أسباب التحرش الجنسي تتصل بعدة عوامل منها وجود مرضى نفسيين بالعائلة، وأيضا وجود ظرف غير مستقر بالعائلة، وغياب الأبوين أحدهما أو كلاهما، إضافة إلى عاملي الاستباحة للآخرين وتحقيق الشهوة الجنسية المحبوسة نتيجة نظرة المجتمع للجنس أنه شهوة غير موقرة للكل، إضافة إلى سلوك الاستعراض عند البعض وغياب الحساسية الوجدانية في شخصياتهم حسب د: حسن، وأنّ التحرش عند الكبار يكرس شعور العجز والاستباحة، مضيفة أنّ الأشخاص الذين يتعرضون لانتهاكات جنسية (تحرش أو اغتصاب) يفاقمون أمراض عصابية من الوسواس القهري ومن الاضطرابات الجنسية من شخصية سادية ومازوشية (الاستمتاع بتعذيب النفس والاستمتاع بأذية الآخر) علماً أنّ قسم كبير من الذين يتعرض للتحرش ويخفون ذلك عن أسرهم يعيشون هم أيضاً محاولات للتحرش بالآخرين الأضعف منهم.

 

سلوك المتحرش

من أبرز العلامات النفسية على سلوك المتحرش بهم هو الميل للعزلة والحزن وتالياً يتطور لديهم مشاعر اكتئابيه حيث يصبح لديهم استيقاظ مبكر للمشاعر الجنسية فيزداد الالحاح على الاشباع الغريزي وضعف التحكم الانفعالي بسلوكياتهم، إضافة إلى كوابيس النوم والأكل كعقاب النفس وعدم المقدرة على نمو ذات سوي مريح، وتالياً لا يتم تقدير للذات وتحقيق لها مثل عامة الأطفال عبر مراحل النمو وحتى الرشد، لذلك من المهم جدا العمل مع الأطفال على تحقيق العدالة لهم ووعدهم بالبحث عن المعتدي إن لم يتذكر الأطفال المتحرش بهم لغريمهم.

معاً ضد التحرش الجنسي بالأطفال – A modern business theme 

يحدث بمختلف البيئات

لظاهرة التحرش الجنسي تأثير سلبي على الأفراد خاصة وعلى المجتمع عامة منها انعدام الثقة بين أفراد المجتمع، وأيضا انتشار الجريمة وغيرها..

الأخصائية الاجتماعية أسمهان زهيرة تقول يمكن أن يحدث التحرش الجنسي في مختلف البيئات الاجتماعية مثل أماكن العمل – المنزل – المدرسة – الأماكن الدينية – ويمكن أن يكون المتحرش أو الضحية من أي جنس، مضيفة أنّ التحرش من أخطر المشكلات الاجتماعية الحالية لكلا طرفي عملية التحرش (القائم بها والواقعة عليه)، وأنّ تأثير التحرش الجنسي يختلف من شخص لآخر حسب طريقة تعامل كل شخص وأهله مع المشكلة، وحسب عمر الضحية ووضعها النفسي وشخصيتها ومستوى تعليمها وحسب شدة المشكلة ومدتها ومدى تكرارها.

 

آثاره على المجتمع

وذكرت زهيرة أنّ التحرش يؤثر سلبا على المجتمع بجوانبه منها فقدان الأمان وانعدام الثقة بين أفراد المجتمع يرافقه ضعف أو انعدام بالعلاقات الاجتماعية، وكذلك انتشار الجريمة والانحلال الأخلاقي، كما يؤثر على الاقتصاد / الانتاجية في العمل / سلبا كون الضحية لا ترغب بالذهاب للعمل خوفاً من التحرش، إضافة إلى صعوبة التواصل مع الناس والمجتمع الخارجي والميل إلى الوحدة والعزلة في أغلب الأوقات، وأيضا الشعور الدائم بالإحباط وكراهية الحياة والشعور بالخوف من كل شيء، وكذلك إلى الشك وفقدان الأمان والثقة بالآخرين وبالمجتمع الذي تتواجد فيه (البيئة) والشذوذ الجنسي للاهتمام بمواضيع الجنس والدخول في العلاقات المحرمة.