مراحل الحياة الحزبية في المشرق العربي
2023.08.10
د. عبد الله حنا- فينكس:
قبل ظهور النهضة في منتصف القرن التاسع عشر كانت الإيديولوجيات الصوفية هي المسيطرة سواء في المدن أو الأرياف. وربما استغرب القراء اعتبار الطرق الصوفية بمثابة أحزاب الناس أيام زمان. ولهذا سنخصص فصلا كاملا لهذه الأحزاب كما سنلاحظ تأثيراتها وعلاقتها مع الأحزاب سواء العلمانية منها أو الدينية.
ومع التغيرات الاقتصادية الاجتماعية ونتيجة التأثر بأوروبا البورجوازية أخذت تظهر معالم الدولة الحديثة من جهة وما تبعها من ظواهر وفي مقدمتها نشوء الأحزاب السياسية. وقد تزامن نشؤ الأحزاب وتطورها مع نمو الوعي الوطني والقومي من جهة وانبعاث حركة التنوير الإسلامي من جهة أخرى.
وقد مرّ نشوء ومن ثمّ صعود الأحزاب السياسية وهبوطها بعدد من المراحل هي:
1. مرحلة ظهور النهضة المتزامنة مع الاصلاحات في الدولة العثمانية وما أعقبها من الحكم الاستبدادي للسلطان عبد الحميد.
2. مرحلة ثورة الاتحاد والترقي وإزاحة الحكم الاستبدادي للسلطان عبد الحميد عام 1909 مما مهّد الأجواء لظهور الأحزاب في بلاد الشام.
3. مرحلة الانتداب الإفرنسي 1920- 1943 المتصفة بالسماح بحرية الأحزاب من جهة والقبضة الاستعمارية الساعية لحكم البلاد بوجه حداثي.
4. مرحلة فجر الاستقلال 1943 – 1958 حيث أُطلقت حرية الأحزاب من جهة وسعي الحكم البورجوزي الإقطاعي لضبط البلاد قدرطاقته المحدودة. ولكن نهاية هذه المرحلة شهدت أزهى عهود سورية الحديثة في الحكم البرلماني والحريات الديموقراطية وصعود الفئات الوسطى واحتلال الطبقة العاملة الناشئة دورا في الحياة السياسية.
وقد تميّز الوعي الوطني في مرحلته الثالثة عن المرحلتين السابقتين بامتداده في أعماق المجتمع وانتشاره نسبيا بين فئات واسعة من الشعب، في حين كان الوعي الوطني مقتصراً في المرحلتين السابقتين على نُخَب محدودة من المثقفين المتأثر معظمهم بالثقافة الغربية البرجوازية. وقد أسهم تنامي الوعي الوطني في ظهور الأحزاب، التي ضمّت (فيما عدا الاخوان المسلمين) جميع أبناء الوطن بغض النظر عن دينهم أو طائفتهم أو عشيرتهم أو عائلتهم أو مناطقهم. ومعنى ذلك أن ظهور هذه الأحزاب الوطنية كان أول اختراق كبير للمجتمع الأهلي السابق القائم عموماً على التكتلات المذهبية والطائفية أو العشائرية والعائلية، التي تراجعت لصالح الولاءات الوطنية والقومية.
5. مرحلة الوحدة بين سورية ومصر وقيام الجمهورية العربية المتحدة 1958 - 1961، التي مُنعت فيها الأحزاب وأخذت المباحث السلطانية تشدد النكير على دعاة الحرية ممهدة الطريق للحكم الشمولي وفصل السياسة عن المجتمع.
6. مرحلة عودة الجمهورية السورية إلى الحياة من جديد في أيلول 1961، وبالتالي عودة الأحزاب السياسية محتلة واجهة الأحداث في إطار الحياة البرلمانية مع تشويش الشعبة السياسية لبقايا المخابرات السلطانية.
7. مرحلة حكم البعث نتيجة الإنقلاب العسكري في 8 آذار 1963 وما تلاها من فترات لا تزال قائمة حتى الآن. وأهم ما يميّز هذه المرحلة بعهودها المتتالية هو الحكم العسكري المتسربل بثياب حزب البعث المدنية. ومع أن حزب البعث العربي الاشتراكي بجناحيه هو حزب وليد المرحلة الوطنية الديموقراطية ومن أركانها، إلا أنّ هيمنة العساكر وعودة المخابرات السلطانية التي وُضعت أسس عملها في عهد الجمهورية العربية المتحدة، وعوامل كثيرة جعلت حزب البعث مطية في يد العسكر وأداة من أدوات سيطرة العسكرتاريا وحكمها المتميز بتحالف البورجوازية البيروقراطية (العسكرية والمدنية) مع البورجوازية التجارية المتزامن مع انتعاش الفئات الطفيلية آكلة الأخضر واليابس. هذه العسكرتاريا رفعت سيف تحرير فلسطين لا لتحريرها بل لقطع رأس من يحتج على الاستثمار والاضطهاد الممارس باسم التحرير والاشتراكية المزعومة.