كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

عندما قلّد قنصل اليونان الأمير عبد القادر الجزائري الوشاح الأكبر

إلياس بولاد- فينكس:

قنصل اليونان "SPARTALIS" يقلد الأمير عبد القادر الجزائري الوشاح الأكبر بدمشق في ٣٠ تشرين الثاني ١٨٦٠م.
كل عام، في التاسع من تموز، أتذكر مذبحة دمشق ١٨٦٠، وأترحم على الشهداء الذين سقطوا، وكذلك أترحم على الأمير عبد القادر الجزائري وعلى كرام العائلات الدمشقية المسلمة التي وقفت مواقف مشرفة وحمت من استطاعت أن تحميه من القتل. يا الله ارحم الجميع بعظيم رحمتك.
الاضاءة التي أحببت أن أسلط عليها، هذه السنة، فصل من كتاب فرنسي نشر بفرنسا عام ١٨٦١م. بعنوان:
"الحقيقة على سورية، والحملة العسكرية الفرنسية،١٨٦١" تأليف: بابتيستان بوجولا.
"La Verite sur la Syrie ،etL'Expedition Francaise 1861." Par:
Baptistin Pou joulat"
والمؤرخ بوجولا ١٨٠٩/١٨٦٤ من المؤرخين الذين يعرفون الشرق الأوسط جيدا، وقد زار سورية (لبنان ودمشق) مرتين، الأولى في أربعينيات القرن التاسع عشر، والثانية مع بدء الأحداث في لبنان، أي قبل سنة من حوادث ١٨٦٠، وكان على تتبع يومي للأحداث والمذابح.. وقد أتيحت له الفرصة بالتعرف على القنصل اليوناني بدمشق السيد: "سبارتاليس Spartalis"، وقابل معه الأمير عبد القادر الجزائري عندما تم تقليده الوشاح.. وجرت مع القنصل ومعه ومع الأمير بعد تقليده الوشاح، أسئلة وجهها للأمير حول ما حدث قبل المذبحة، وكيف واجه الأمير من أراد ان يهاجم منزله الذي كان يضم مسيحيي دمشق اثناء الحوادث.. وكان القنصل يشارك بالحديث حيث كان يعايش تلك الأحداث.. وكان على علاقة قوية وصداقة مع الأمير عبد القادر، وكان يتقن اللغة العربية جيدا...
وللمؤرخ الفرنسي بوجولا كتاب آخر مهم بعنوان: "رحلة في آسيا الصغرى""Voyage dans l'Asie Mineure"
وكتاب ثالث بعنوان:
تاريخ القسطنطينية"
"L'Histoire de Constantinople"
جاء في كتابه الأول: "الحقيقة عن سورية والحملة العسكرية الفرنسية ١٨٦١" في الصفحة ٤٢٤ الى الصفحة ٤٣١ التالي: "كان عمر الأمير عبد القادر الجزائري عام ١٨٦٠، اثنان وخمسون عاما، متزوج من أربع نساء، الأولى جزائرية، والثلاث الأخريات، من الشراكسة، وقد وصفتهم زوجة القنصل اليوناني، بأنهن رائعات الجمال. وعنده أربع أولاد اثنان متزوجان.
رافقه من الجزائر الى إقامته بدمشق ٥ آلاف جزائري، معظمهم ساكن في القرى المحيطة بالمدينة دمشق.
حرسه الخاص ٣٠٠ رجل من المتمرسين بالقتال والحرب، ولكن كان يكفي اشارة منه ليكون الخمسة آلاف رجل رهن إشارته... حيث استدعى منهم ـلفان في حزيران ١٨٦٠.
يتابع بوجولا: في ٣٠ تشرين الثاني ١٨٦٠، توجهت لزيارة الأمير عبد القادر الجزائري، مع قنصل اليونان بدمشق، السيد: "سبارتاليس"Spartalis"، الى بيت الأمير عبد القادر، لتقليده الوشاح الأكبر من العاهل اليوناني، وكانت بين الأمير والسيد سبارتاليس معرفة قوية، وكان يكن الأمير له كل الود والتقدير، وقد قضت السيدة زوجة القنصل وأولادها، عدة أيام، مع حريم الأمير عبد القادر.
ولما وصلت مع القنصل إلى بيت الأمير، دعانا إلى صالون المنزل وكان قسم كبير منه مفروشاً بالطراز الشرقي وقسم على الطراز الأوربي، وجلست أنا (بوجولا) على يساره والقنصل سبارتاليس على يمينه. وكان يوجد عدد كبير من الجزائريين في الحضرة. وبعد محادثات ودية، وفي الوقت المناسب، أخرج القنصل من جيبه ورقتين الأولى شهادة للوشاح الاكبر من رتبة "المخلص"
"Sauveur". موقعة من العاهل :"OTHON" والورقة الثانية، رسالة موقعة من وزير خارجية اليونان الى الأمير، ولما كان القنصل يتقن اللغة العربية بطلاقة ،فقد ترجم فورا، محتوى الكتابين، وألبس الأمير الوشاح الأكبر
(لموقفه النبيل والشجاع بحماية الدمشقيين المسيحيين أيام المذبحة التي وقعت بين ٩ و١٦ تموز١٨٦٠).
بعد هذا الاحتفال، سأل بوجولا الامير وكذلك القنصل، عن الأحداث التي سبقت وكذلك ما حدث أثناء المذبحة.
ولخص بكتابه ما سمعه من الطرفين بالتالي:
"من المعروف أن والي دمشق أحمد باشا آنذاك كان يرأس مجلس المدينة (دمشق) مع مجموعة من كبار أعيان المدينة، في بناء الولاية، وكان الأمير عبد القادر الجزائري أحد الاعضاء بهذا المجلس، وقد تم قبيل اشتعال الحدث، لقاء وكان الوضع مضطرباً وأحوال البلد على وشك الانفجار،"
وكان للأمير أن يدلي برأيه أمام الوالي والأعضاء من أعيان دمشق. استجمع الأمير كل ما عنده من علم وموهبة خطابية، وتوجه الى الوالي وإلى مسلمي دمشق وشيوخها بالقول:
"احذروا ثم احذرو، مما تنوون فعله، فقد تتسببون بإهانة الإسلام، وممكن أن تخسروا بلدكم، من جراء التعدي على المسيحيين، الذين يعيشون بينكم بسلام، فكروا جيدا بما يمكن ان تفعلوه، فأروبة لن تسكت، ولن تسامحكم...
هل تعلموا ماذا كان ردهم على خطاب الأمير!؟
لن نسمع كلامك هذا.. ففيه تشكيك لنا..
لقد سلمت بلادك إلى الفرنسيين.. وتريد أن تسلمهم بلدنا أيضا...!!
لن نسمعك.. لن نسمعك..."
بعد عدة أيام.. انفجر الوضع بأبشع صوره، بعث الأمير يجمع المسيحيين، ويوصلهم إلى القلعة، وبقي سبعة عشر يوما وليلة، جالساً على عتبة بيته يحرس من التجأ إليه...
"موقف الأمير من الشيخ عبد الله الحلبي، والمساعدة التي اقترحها القنصل اليوناني، سبارتاليس"
"كان مدير أعمال الأمير عبد القادر الجزائري، بمثابة وزير، ويدعى "سيدي قدور"،
قد علم من مصادر موثوقة، أن الشيخ عبد الله الحلبي قد حشد خمسة آلاف شخص، ويريد مهاجمة الأمير عبد القادر ببيته.
قال الأمير لسيدي قدور، بلهجة حازمة وقوية "سوف نرى"...
وأعطى أوامره إلى سيدي قدور، وهي:
١-وضع مفارز من الجزائريين، في معظم حارات المدينة.
٢-ارسال بضع مئات من الجزائريين، الى القلعة، متخفين بلباس مسلمي دمشق.
٣-عند أول هجوم من قبل الشيخ الحلبي، تبدأ المفارز بإحراق دمشق، ويقتل الجزائريون الذين بالقلعة، الوالي أحمد باشا، وتوجيه المدافع التي يملكها الجنود العثمانيون عليهم..
-كان لدى القنصل اليوناني سبارتاليس، صديقاً من الدروز ويدعى الشيخ: "أسعد العامر".
بعث هذا الشيخ إلى القنصل يبلغه أنه مع ١٥٠٠ درزي، سيكونون تحت تصرفه لنجدته، وإنه رهن أوامره، طلب القنصل من الشيخ أسعد العامر أن يلحق رجاله فوراً للاتحاق مع رجال الأمير عبد القادر. هذه الاجراءات، ردعت الشيخ عبد الله الحلبي من مهاجمة أو التعرض لرجال الأمير ومهاجمة منزله.."
"الجدير ذكره إن المحكمة التي أنشأها وزير خارجية السلطنة العثمانية، فؤاد باشا، قد أدانت الشيخ عبد الله الحلبي باشتراكه بحوادث ١٨٦٠بدمشق، وحكمت عليه بالنفي لمدة عشر سنين إلى جزيرة قبرص مع غيره. ولكن بعد سنة من تنفيذ حكم محكمة فؤاد باشا، توسط الأمير عبد القادر الجزائري لدى السلطان العثماني وأدى ذلك الى الافراج عنه.".
المرفق، لوحة للامير عبد القادر الجزائري والوشاح الذي تقلده والأوسمة التي نالها من العديد من ملوك ورؤساء دول أوروبية تقديراً لموقفه المشرف في١٨٦٠ بدمشق.