كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

البعث العربي ومؤسسوه

د. عبد الله حنا- فينكس

  أولا - ميشيل عفلق
ميشيل عفلق المولود في دمشق 1910 وخريج السوربون ومدرس التاريخ في تجهيز (ثانوية) دمشق بعد عودته من باريز 1933، أسس حركة "الإحياء العربي" عام 1941، واسهم في تأسيس حركة نصرة العراق في العام نفسه. ومنذ سنة 1941 بدأ يتردد في كتابات عفلق تعبير "الرسالة العربية الخالدة"، كما أخذ يتردد أيضاً في مقالاته اسم "البعث". وجعل عفلق قضية سورية جزءاً متفرعاً عن قضية الأمة العربية والقومية العربية.
منذ أوائل أربعينيات القرن العشرين تفرغ عفلق لقيادة حزب البعث العربي فكريا. ولكنه لم يصمد في السجن عندما اعتقله جند الديكتاتور حسني الزعيم وأهانوه فأضطر لكتابة رسالة خنوع ثمن خروجه من السجن. وتجنبا للإعتقال أيام حكم أديب الشيشكلي غادر البلاد عام 1952 إلى لبنان وإيطاليا، وعاد بعد انهيار حكم الشيشكلي عام 1954. واستمر عفلق في قيادة حزب البعث مع تزايد عدد المعارضين له وخصوصا بعد وصول الحزب إلى السلطة، فاضطر إلى مغادرة سورية عام 1966 واللجوء إلى لبنان ومنه إلى بغداد عام 1975 حيث وضعه عساكرها واجهة مدنية لا نفوذ لها. وعندما توفي عام 1989 أُقيم له في بغداد قبر منيف دُمّر عام 2003 بعد سقوط حكم البعث العراقي.
ثانيا
ثانيا - صلاح البيطار
ولد البيطار عام 1912 في حي الميدان بدمشق في أسرة لها مقامها الديني اشتهر منها عمّه الشيخ عبد الرزاق البيطار وهو من العلماء المجتهدين، الذين جرت محاكمتهم في دمشق عام 1896، كما رأينا قي غير مقال. وهنا لا بدّ من التساؤل: هل هي محض صدفة أن يتحدر صلاح البيطار من أسرة رفعت راية الإنعتاق، متمثلة بالشيخين عبد الرزاق البيطار وبهجت البيطار. وفي رأينا أنّ البيطار الثالث صلاح هو امتداد للبيطارين السلفيين النهضويين.
أوفدت الدولة البيطار إلى فرنسا ليختصّ في تدريس الفزياء. وهناك اطلع كأقرانه من الطلاب السوريين على الثقافة الأوروبية وتوثقت الصلات بينه وبين عفلق وعاد إلى دمشق مدرسا في ثانويتها ورافعا راية القومية العربية.
ترك البيطار التدريس كرفيقه عفلق لينصرف لبناء حزب البعث، وتولى رئاسة تحرير جريدة البعث. عام 1954 انتُخِب نائبا عن دمشق وتولى عام 1957 وزارة الخارجية، وأسهم في قيام الجمهورية العربية المتحدة، ولكنه سرعان ما شرع، كمعظم رفاقه من البعثيين، ينتقد سلبيات الحكم. وعندما انفصلت سورية عن مصر عام 1961 كان من الموقعين على وثيقة الإنفصال، ولكنه ما لبث ان تراجع عن توقيعه. وبعد وصول البعث إلى السلطة "بهمة" العسكر.
تولى البيطار رئاسة الوزارة أربع مرات. وأخيرا حطّ الرحال في باريز هربا من الإعتقال، وأنشأ مجلة الإحياء العربي وأصبح قطبا معارضا مرموقا، إلى حين إغتياله في مكتبه في 21 تموز 1980.
قُتل صلاح البيطار مخلفا كمّاَ من المقالات الصحفية، التي تعكس وجهة نظر قائد بعثي، متهم من خصومه اليساريين بإتجاهه اليميني. وتقدم مقالاته للباحث مادة خصبة لمعرفة تاريخ سورية.
ثالثا
جلال السيد
إلى جانب عفلق والبيطار برز جلال السيد أحد القياديين البارزين في المؤتمر التاسيسي لحزب البعث عام 1947.
في كتابه حزب البعث العربي الصادر عام 1973 يذكر السيد ان الحزب نشأ في نيسان 1942 عندما قدم إلى دمشق وأقام فيها طوال ثلاثة أشهر. وكان يلتقي يوميا بعفلق ويتبادلان الآراء. ويقول السيد أنه كان يسمع عن عفلق ويقرأ له في مجلة الطليعة. ولكن السيد لم يشر في كتابه إلى ما رواه ثابت العزاوي في مذكراته حول اقتراح العزاوي على عفلق والبيطار أن يكون السيد من مؤسسي البعث العربي، بعد ان اعتذر العزاوي عن المشاركة لأنه كان من أنصار قيام حزب اشتراكي.
ويذكر جلال السيد أن أفكار البعث جذبت "طلاب الأقليات الاسلامية والمسيحيين.." كما "... استهوى الحزب لمدة من الزمن بعض شيوخ القبائل ووجهاء المدن". ومن هؤلاء جلال السيد الذي نشأ وترعرع في بيئة قبلية.
وفي لقاء لنا مع السيد في دير الزور، سألته: كيف استطاع التوفيق بين قاعدته الانتخابية العشائرية وفكره القومي؟ فأجاب بعبارات طويلة مبهمة لم أدونها في دفتري أثناء اللقاء به.
*******
النشاط الفكري السياسي لميشيل عفلق مؤسسس البعث العربي
في 24 تموز 1943 أذاع ميشيل عفلق بصفته مرشح دمشق للمجلس النيابي، عن المقعد المسيحي، بياناً جاء فيه:
"ندخل الانتخابات، لا باسم طائفة، ولا مدينة، ولا مصالح قريبة أو ظروف سياسية عاجلة، بل باسم فلسفة قومية نريد أن تكون إفصاحاً صادقاً عن الحياة العربية في حقيقتها الخالدة".
ومع أن حركة البعث هي حركة علمانية، إلا أن ميشيل عفلق سعى في خطابه على مدرج الجامعة السورية في نيسان 1943 بعنوان: (ذكرى الرسول العربي) أن يلقي الأضواءعلى اللقاء بين القومية والدين الإسلامي بهدف كسب عواطف المؤمنين المسلمين.
"إن الفروق الطائفية" قال عفلق: "أبعدت قسماً هاماً من العرب (يقصد المسيحيين –ع. ح.) عن روح بلادهم وتقاليدها وجعلتهم شبه غرباء في وطنهم، وأضعفت بالنتيجة مساهمتهم في الحركة القومية. فنريد أن تستيقظ في المسيحيين العرب قوميتهم يقظتها التامة، فيروا في الإسلام ثقافة قومية لهم، يجب أن يتشبعوا بها ويحيوها".
*******
 
المؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي
بعد مخاض دام عدة سنوات انعقد المؤتمر التاسيسي الأول لحزب البعث العربي في نيسان 1947، والذي ضمّ أعضاء الحزب وعددهم حوالي مئتين من المثقفين وذوي المهن الحرة. وقد قُدمت إلى المؤتمر وثيقتان الأولى وهي الأساسية كتبها ميشيل عفلق وصلاح البيطار عالجت قضايا الأمة والقومية العربية، والثانية كتبها د. وهيب الغانم عالجت الجانب الاقتصادي او الاتجاه الاشتراكي. وظهر داخل المؤتمر تياران الأساسي المعتدل وهو الأقوى والثاني متطرف.
أقرّ المؤتمر دستور حزب البعث العربي مع مقدمة مؤرخة في 17 حزيران 1947 وموقعة من ميشيل عفلق عميد الحزب وصلاح الدين البيطار أمين الحزب العام. ويتصدر المقدمة التعريف التالي:
حزب البعث العربي منظمة سياسية، قومية، شعبية، اشتراكية، انقلابية تأسست عام 1359 هجرية – 1947 ميلادية شعارها:
أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.
تضمن الدستور ثلاثة مبادئ: وحدة الأمة العربية وحريتها.. شخصية الأمة العربية ..رسالة الأمة العربية. وأقرّ الدستور "حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد والفن. ولم يغفل الدستور الدعوة إلى النضال ضد الاستعمار، واعتبر الحزب في دستوره "الانسانية مجموع متضامن في مصلحته، مشترك في قيمه وحضارته. فالعرب يتغذون من الحضارة العالمية ويغذونها ويمدون يد الإخاء إلى الأمم الأخرى ويتعاونون معها على إيجاد نظم علاقة تضمن لجميع الشعوب الرفاهية والسلام والسمو في الخلق والروح".
الصورة: عفلق والبيطار مع جمال عبد الناصر