قراءة في المشهد الأوكراني
2023.01.21
محمد عادل عرب- فينكس:
1- الحاضر
قد أوشكت العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا على نهايتها؛ أول أمس "سوليدار" وأمس أربع مناطق في مقاطعة "زابوروجية" واليوم بلدة "كليشيفكا" وغدا اقتحام "أرتيموفسك: باخموت" المطوقة. وشارفت القيادات الروسية على تحقيق أهدافها من العملية؛ التي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عن إطلاقها في 24 شباط/فبراير2022، بهدف اجتثاث النازية الأوكرانية الجديدة، ونزع السلاح من القوات الأوكرانية، وحماية المواطنين في إقليم دونباس الذين تعرضوا للاضطهاد والعنف خلال السنوات الثمانية السابقة من قبل قوات نظام كييف. حيث تم تحرير منطقة "دونباس" شعبا وأرضا وضمتهما روسيا إلى شعبها وأرضها، كما ضمت "القرم" من قبل. ودمرت البنية العسكرية الأوكرانية ماديا وبشريا، وأعمدة بنيتها التحتية ذات العلاقة.
وهذا يعني، في المقابل، اعتراف أمريكا وحلفائها الأطلسيات وبقية دول الاتحاد الأوربي في حربهم الهجينة على روسيا عبر الوكيل الأوكراني بالهزيمة دون التصريح بها؛ وإجراءات هذا الاعتراف ومؤشراته العسكرية والسياسية كثيرة، من أهمها:
أ- عسكريا، إضافة إلى الخسائر العسكرية الأوكرانية:
- نفاذ العتاد العسكري السوفييتي من مخازن دول أوربا الشرقية سابقا، ونفاذ العتاد العسكري المنسق وشبه المنسق والوسيط من مخازن دول الأطلسي وبض الدول الحليفة (كوريا الجنوبية) على سبيل المثال لا الحصر، ولجوئها إلى شحن ما في مخازنها من أقرب قواعدها إلى أوكرانيا من مثل (القواعد الأمريكية في إسرائيل قذائف المدفعية 155مم).
- تدمير الروس العتاد العسكري الأحدث نسبيا من السابق لدى دول الأطلسي الموردة إلى أوكرانيا ( مدفعية ثقيلة، دراونات صواريخ مضادة للدبابات والطائرات: هيمارس، وجافلين، وستينغر، "NLAW", البريطانية و"AT4" و"Carl-Gustav" السويدية و"Panzerfausts" الألمانية و"Instalaza C90" الإسبانية.." وغير ذلك كثير.
- البتريوت لم ينقل بعد. ولا جديد من الدبابات بحسب تصريح وزير الدفاع الأمريكي اليوم من قاعدة رامشتاين شرقي ألمانيا: "ليس لدينا أي إعلان جديد بشأن تزويد أوكرانيا بالدبابات غير التي تلقتها من بولندا ودول أخرى". و"ليس لدى الولايات المتحدة أي إعلانات بشأن توريد دبابات أبرامز إلى كييف، ولم تتخذ برلين قرارا بنقل دبابات ليوبارد2 إلى أوكرانيا." حتى وإن تم نقل البتريوت وتوريد الدبابات فإنها لن تقلب الموازين إنما سيتم حرقها..
- الهدف الرئيسي من إعادة انتشار طائرات الاستطلاع " أواكس)، ليس التجسس على القوات الروسية، فهناك الأقمار الصناعية والمحطات التي تنقل الحركة والصور كل ثانية، بل – وأرجو التركيز- نقل رسالة أمنية واضحة " attention attention/ انتباه انتباه، أيها الروس، تلك أوكرانيا وحدودها، وهنا حدود دول الناتو".
ب- ومن أهمها سياسيا استراتيجيا وتكتيكيا:
- إعادة النظر في توسع الناتو بضم دول جديدة. فلندة والسويد مثالًا؛ أظنّ أن طلب انضمامها إلى الناتو قد تم توظيفه إعلاميا وفي الحرب النفسية ضد روسيا ( بدلا عن وقف توسع الناتو فقد توسع)، أما اعتراض تركيا وهنغاريا فهو اعتراض شكلي متفق عليه بينهما وبين الأطلسيات. فلولا ضرورة إعادة النظر جذريا في توسع الناتو لخضعت تركيا وهنغاريا إلى الضغوط صاغرتين.
- أرباح أمريكا الاقتصادية والسياسة أضعفت دول الاتحاد الأوربي، لا سيما ألمانيا وفرنسا، وأظهرت الهيمنة الأمريكية؛ صورة الهيمنة، وصورة رص صفوف دول الاتحاد الأوربية موحدا بشدة تحت تلك الهيمنة، صورة مؤقته ربما ستتفكك ليس بعد انتهاء الحرب، إنما قبيل ذلك.. إذ عمقت هذه الحرب المصالح والاتجاهات القومية والثقافية والروحية الانفصالية التناحرية أكثر من كونها تنافسية. من مثل، ما خاطب به المستشار الألماني " أولاف شولتس" زميله البريطاني " ريشي سوناك"، والرئيس بايدن قائلا: انقلوا 10 دبابات "تشالنجر2" و" إبرامز" أنقل 14 دبابة "ليوباردو2".
- فك الارتباط بأمريكا؛ حكومات دول كثيرة من جميع القارات بعامة، ومن الشرق الأوسط بخاصة، كانت تابعة، والآن بدأت تفك ارتباطها بأمريكا، وهي غير مستعدة لأن تصبح جزءا من الحملات ضد الصين وروسيا. انتهت دورة حياة العقوبات ضد روسيا، ولم تبق عقوبات جديدة لحصار روسيا في جعبة أمريكا ودول الاتحاد الأوربي.
2- الماضي لا يموت أبدا. إنه حتى ليس بماض
أ- الممثل السامي للاتحاد الأوربي للشؤون الخارجية والسياسية والأمنية "جوزيف بوريل" يتذكر اليوم انتصارات روسيا على نابليون وهتلر ويدعو إلى تسليح أوكراني، ويقفز فوق ثورة البلاشفة وجيشها الأحمر الفتي الذي تصدى لـ 14 جيشا تحالفت مع قوى الثورة المضادة 1918-1920، وهزمها، يبدو أنه لم يقرأ " عشرة أيام هزت العالم" ( جون ريد)، و رواية " ولا رواية "اجتازت الكتائب نهر الديسنا" (أوليس ديسنياك، وهو أوكراني بالمناسبة).
ب- كيسنجر يعود إلى الواجهة من جديد، ليس بسبب أربعة كتب جديدة في سيرته الشخصية قد نشرت حديثا ولاقت رواجا واسعا جدا، ولا بسبب إصداره كتاب "القدة"، وإنما لدعم صخرة الهيمنة الأمريكية المتزلزلة حتى بحصوة قبل أن تهوي من قمة الجبل، بعد أن ألفى أن بايدن ووزير خارجتيه نسخة جديد لكنها طبق الأصل عن أوباما ووزراء خارجيته سياسة غامضة غير واضحة. لنلاحظ أولا اقتراحاته بشان حث زيلنسكي على التفاوض مع بوتين؛ فوصفه زيلنسكي بالدبلوماسي المهترئ. ثانيا خطابه الخير في مؤتمر " دافوس"؛ هيمنة أمريكية عولمية بإشراف حكومة عالمية. إن تصدير الديمقراطية تصدير الرأسمالية المكروهة.
ج- صرح الرئيس ماكرون، قبل بضع سنوات. أن الناتو قد مات وحان دفنه. وصرح الرئيس ترامب بمايشبه ذلك ولأسباب المشاركة في الدفع، وسحب قوات أمريكية من ألمانية، ولم تعد بعد.. فهل الحرب الأوكرانية في ظل الهيمنة الأمركية قادرة توحيد دول الناتو الأوربيات؟ وهل الدول الأوربية قادرة على تشكيل جيشها؟ الجواب لا.
3- عام 2023
أ- 2023 عام وقف الحروب والتهدئة والحلول السلمية والانفراج على الاستقرار وتجنب الركود..
-أتوقع أن وزير الخارجية الأمريكي " بلينكن" ال سيزور "بكين" ويناقش في الملف الأوكراني، والترسانة النووية الصينية وعودة الاتصالات العسكرية، قد يقترح، أو يوحي لبكين بأن تكون وسيطا بين روسيا وأوكرانيا..
- كما أترقب في الأسابيع القادمة، وليس في الأشهر القادمة، أن تبدأ المفاوضات السرية الأمريكية الروسية، من خلال اجتماع رئيس المخابرات الخارجية الروسي " سيرجي ناريشكين"، ومدير المخابرات المركزية الأمريكية" وليام بيرنز"، لا سيما وأن بيرنز، إلى جانب لقاءاته مع زعماء ليبيين وأمنيين، قد اطلع على واقع قوات "مجموعة فاغنر" في ليبيا وحرض عليها، وربما وعد الرئيس الأوكراني خلال لقاؤهما السري الأسبوع الماضي في كييف بإدراجها كمنظمة إجرامية دولية في القوائم الأمريكية، ليحصل على كرت تفاوضي مع " ناريشكين" في أوكرانيا وليبيا، إذ إن مجموعة فاغنر أظهرت حرفية عسكرية عالية المستوى؛إذ اقتحمت " سوليدار"، واليوم اقتحمت بلدة "كليشيفكا " وغدا ستقتحم " أرتيموفسك: باخموت" بعد تطويقها، كما أظهرت انضباطا قاونونيا والتزاما أخلاقيا..
ب- تبدأ في الربع الأخير من عام 2023 عودة دورة الحياة إلى تنشيط الدبلوماسيات وفك الحصارات وتبادل الاقتصاديات والثقافات..
- تقدم أمريكا طلب انضمام إلى ( أوبك+). وإلى الاتفاق النووي الإيراني.