كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

من ثورة استقلال سورية.. حدث في حماة أيار 1945- ح11

خالد محمد جزماتي- فينكس:

معركة يوم الأربعاء 30 أيار 1945
عند الساعة 18 من بعد عصر يوم الثلاثاء 29 أيار 1945 حلقت طائرة فرنسية فوق مدينة حماة، وألقت بكثير من المنشورات، تبين بعد التقاط الكثير منها أنها بمثابة انذار موجه الى السيد محافظ المدينة، وهذا هو نص المنشور:
"لعطوفة محافظ حمص-- لعطوفة محافظ حماة
--ياصاحب العطوفة: ان تنقلات عسكرية وقوافل عسكرية سوف تجري ما بين حمص وحماة، وبالعكس، وبما أنه بتاريخ 17 مايس سنة 1945 هوجمت قافلة كانت تسلك هذا الطريق وتكبدت خسائر، فمن واجبي أن أعلم عطوفتكم بأنه إذا تكرر عمل كهذا سيقوم سلاح الطيران بتدمير المكان الناتج منه هذا الهجوم بعد برهة ساعتين تعطى لاخلاء النساء والأطفال، و إني أؤكد أيضا أنه إذا وجدت على مقربة من الجيوش عناصر منافية سنضرب حالاً بالقنابل..
وتقبلوا يا صاحب العطوفة بقبول فائق اعتباري.
5/29 / 1945. المندوب المعاون لمحافظتي حمص وحماة
الكمومندان-- ويزيسار
بعد انتشار مضمون المنشور الفرنسي بين الناس، سارع أهل حماة في نقل النساء والأطفال الى بساتين المدينة، وأيضاً الى بعض القرى والى قضاء "السلمية"، وفي تلك الهجرات المؤقتة ظهرت النخوات العربية والفزعات بأروع وقائعها التي سجل بعضها المهتمين في بطون كتبهم. و قد قرأت عن مسارعة العشائر وجميع بلدات وقرى المحافظة بإرسال النجدات القتالية، وهم يحملون أيضا بالاضافة الى السلاح والذخيرة، الخبز التنوري التي خبزته نساء القرى الماجدات، وحلات البرغل المطبوخ تحملها العربات التي تجرها الدواب، والتي تصل الى حماة عبر طرق زراعية خفية عن العدو، وهذا الدعم الرائع كان تكملة للطعام الذي يتم تقديمه من قبل العائلات الغنية وخاصة من مطابخ فريد بك العظم (1873- 1952)، ومطبخ جمعية المحالبة التابعة لحزب الشباب والذي أسسه الأستاذ عثمان الحوراني (1898-1958)، ولقد سجل أطفال حماة الذين تسربوا من منازل أهليهم، والتحقوا بحواجز المجاهدين المنتشرة في جميع الأحياء والساحات ومداخل المدينة وأصبحوا بعهدة تلك الحواجز، حيث كانت الفوائد منهم لم يحسب حسابها، وهنا اقتبس ببعض التصرف ما ذكره العميد وليد حمدون في مؤلفه "ذكريات واّراء"، أن خاله الحاج محمد الجلاغي كان على خلاف سياسي مع ابن أخته محمد حمدون أبو راغب، وقد كانا من ثوار حي سوق الشجرة وحي جورة حوا وعملا سوياً يداً بيد، ثم ذكر باقتضاب السيد العميد وليد حمدون كيف كان طفلاً عمره تسع سنوات أثناء الثورة، وكيف نقل بعض الذخيرة وهو حافي القدمين من الحي الى برية "العشر" التي يتمركز فيها الثوار محاصرين ثكنة الشرفة والذي استلمها منه المجاهد المعروف "علي العبيد (الجمال)".... لقد كان طول جبهة القتال مع الفرنسيين حوالي 8 كيلومتر، من شمال حي كازو (كانت قرية كازو اّنذاك) حتى مدخل حماة الجنوبي،.. وفي صباح يوم الأربعاء 30 أيار 1945 وصلت الأخبار الى قيادة المجاهدين في خان الشعبة، أن قوة عسكرية فرنسية تتجه نحو حماة قادمة من حمص، وذلك بعد أن قام عدد من الطائرات الفرنسية بقصف المدينة، فتصدى لها المجاهدون ببنادقهم ورشاشاتهم، فأسقطوا منها طائرتين، وتم نقل حطام احداها من قرية "معرين" إلى ساحة العاصي بعد انتهاء المعركة..
وكانت القوة العسكرية الفرنسية تتألف من 24 سيارة عسكرية محملة بالجنود ترافقها ثمان من الدبابات والمصفحات، واثنتان منها تحملان مدفعين عيارهما كبير.. وكان يقود الحملة العسكرية القومندان (المقدم) "سيبيس"، و عندما وصلت الحملة الى جنوب موقع "قبة الشيخ مهران" تم انتشار مكونات الحملة حسب خطة محكمة مسبقة وبدأ القصف الشديد، وأيضا قامت المدفعية المتمركزة في ثكنة الشرفة تقصف المدينة والثوار من الشمال الغربي... و بادر المجاهدون الى التعامل مع الواقع القتالي بجهد بطولي كانت نتيجته نصراً مؤزراً، أهم أسبابه تلك الوحدة الوطنية التي أنتجت من رحمها ارادة قتالية وتضحيات لم يسبق لها مثيل، فقد شتتوا الحملة وقتلوا قائد الحملة، وفشلت بقايا الحملة من سحب جثته، وهنا ظهرت المزايا العربية الاسلامية حيث تم الحفاظ على جثث القتلى الفرنسيين وقائدهم وتم دفنهم تحت اشراف مفوض الكشافة المجاهد عبد الرحيم الغزي..
و بعد ظهور لوائح النصر قامت فرقة الخيالة الفرنسية بالخروج من ثكنة الشرفة محاولين إنقاذ مايمكن انقاذه من الحملة التي قدمت من حمص، فتصدى لهم المجاهدون قرب حي كرم الحوراني، وأجبروهم على التراجع والعودة الى الثكنة بعد تكبيدهم عدد من القتلى، ولقد قام الطيران الفرنسي بمعاودة القصف على مواقع الثوار وعلى بيوت المدينة فهدموا 120 منزلاً حسب احصاء الثوار، ومع ذلك لم يؤد ذلك الى خوف أحد، بل تعاملوا مع الطائرات ورموها بما تيسر لهم من أسلحة فأسقطوا طائرة وأعطبوا أخرى، مالبثت أن احترقت وسقطت قرب قرية "حربنفسة"...
ومع فشل الحملة العسكرية التي جاءت من حمص والتي شتت شملها المجاهدون، جاءت الثوار حملة فرنسية من قضاء مصياف غرب المدينة، فتصدى لها المجاهدون ودمروها، فسارع من بقي منهم الى الهرب لا يلوون على شيء.
و هنا لابد من ذكر مأثرة عظيمة تتعلق بالدرك الوطني المتمركز في المدينة، فقد سارعت تلك القوة من الدرك والشرطة بالانخراط في المعركة لما اشتد أوارها بعد ظهر الأربعاء، فأبلوا البلاء الحسن، وقد صدف أن تم حصار عشرة منهم من قبل الفرنسيين في منطقة "المكالس غربي حماة"، فقاتلوا بشراسة، فاتصل بهم الفرنسيون وأمنوهم على حياتهم ان استسلموا، ولما فعلوا غدر بهم الفرنسيون وقتلوهم جميعاً، ولما هربوا عائدين الى الثكنة تفقد المجاهدون الشهداء من الدرك، فوجدواأحدهم ينبض قلبه وجراحه بليغة، فكتب الله له الشفاء بعد عدة أشهر، أما التسعة الباقون فقد تم دفنهم ضمن ضريح واحد في رأس شارع العلمين قرب مكان المعركة.
وكانت خسارة الفرنسيين نتيجة لمعركة يوم الأربعاء 30 أيار 1945 هي:
-- ثلاث طائرات تم اسقاطها -- مدفعاً ضخماً عيار 27 بوصة -- مدفعان عيار 75 مم -- مدفعا جبليا متوسط الحجم -- وغنموا سيارتين وسيارة شحن كبيرة وعطلوا دبابتين وعدداً من المصفحات وسيارات اللوري، واستولوا على كثير من الرشاشات والبنادق الصالحة للاستعمال وحمولات من الذخيرة بما فيها قنابل عيارها ثقيل، وتم جر تلك الغنائم الى ساحة العاصي في حماة وسط الأهازيج والزلاغيط النسائية، فكان يوماً وطنياً بامتياز، ولكن الحمويين حزنوا على غنيمتهم لمدفع ضخم العيار ثقيل الوزن، حيث ذهبت كل المحاولات جره الى حماة عبثاً، فبقي في مكانه، الى أن جره الجيش التاسع البريطاني الى حمص بعد أن تدخل في معركة الاستقلال بحماة وأوقف القتال ظهر يوم الجمعة 1 حزيران، وأنقذ القوة الفرنسية من المجاهدين، بعد أن وصلت حماة قوة من البادية بقيادة "راكان المرشد" معززة بخمسة عشر مدفعاً رشاشاً لاقتحام ثكنة الشرفة، وعلم بذلك الميجر البريطاني من الجيش التاسع، فسارع الى محافظ حماة ليلة الخميس 31 أيار 1945 وطلب منه وقف القتال لأن طلائع الجيش التاسع البريطاني وصلت الى ضواحي حماة للاشراف على الأمن واخراج الفرنسيين من أماكن تمركزها في الثكنة.
يتبع
وجهة نظر عن سبب نجاح عدد غير مسبوق من حزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في الأردن
كأنّ الغرب الأوربي الأمريكي بصدد فرض طبعة جديدة مزيدة ومنقحة من مؤامرة "الربيع العربي"؟
محاولات لتدبير انقلاب في أنغولا.. هذه هي الرواية كاملة
حوار في الجيوبوليتيك.. مقاربات كمال خلف الطويل
حوار المناضل والكاتب السياسي عدنان بدر حلو مع مجلة الهدف
الفلسطينيون والخلل في نهج المقاومة وفي المفاوضات
لماذا حدثت انقلابات خمسينات القرن الماضي؟
دراسة لصلاح جديد حول مشروع الوحدة المقترحة بين العراق وسورية 1979
لمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.. منظمة كفربو- كيف سقينا السنديانة الحمراء
قسد تسقي "اسرائيل".. والحكسة تموت عطشاً!
حول المسألة الكردية
التعبئة والفساد.. اوكرانيا تحكمها عصابات
حوار تحليلي معمق مع الدكتور حسن أحمد حسن.. إعداد محمد أبو الجدايل
حركة هواش بن اسماعيل خيربك ١٨٤٦-١٨٩٦ م
حوارات السوريين.. بين مؤيدين للدولة ومعارضين لها