كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

الثورة العربيّة في الحجاز 1916.. أبعادها القوميّة والاجتماعيّة

د. عبد الله حنا- فينكس

لم تؤد – محاولة المؤتمر العربي الأول – المنعقد في باريس عام 1913 إلى الغاية المرجوة وهي توحيد القوى الوطنية، بل جرى العكس إذ اتسعت شقة الخلاف في الرأي حول الموقف من الحكم التركي والاستعمار الأوربي ومستقبل البلاد. وفي هذا الجو المشبع بالانقسامات داخل الحركة العربية والمتميز بالجزر والانحسار الوطني اندلعت 1914 الحرب العالمية الامبريالية الأولى هذه الحرب التي وضعت الحركة الوطنية والقومية في بلاد الشام أمام ظروف ومهمات جديدة.
كانت الحرب العالمية الأولى 1914 – 1918 نتيجة الصراع الدائر بين القوى الامبريالية من أجل اعادة تقسيم مناطق النفوذ في العالم. وقد اتسم النضال بين الكتلتين العسكريتين الامبرياليتين من أجل السيطرة على شرق العالم العربي بأهمية استراتيجية خاص . وبعد نجاح الديبلوماسية الألمانية في كسب تركيا إلى جانبها . وقّع الحلفاء (بريطانيا – فرنسا – روسيا القيصرية) اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية السرية، التي قُسّمت بموجبها البلاد العربية الخاضعة للدولة العثمانية بين الاستعمارين الافرنسي والانكليزي. وفي الوقت نفسه كانت المفاوضات تجري بين الشريف حسين الهاشمي في مكة وسلطات الاحتلال البريطاني في مصر.
وعلى أثر هذه المفاوضات أعلن الشريف حسين في حزيران 1916 الثورة على الأتراك وكان لابد لوطنيي بلاد الشام الرازحين تحت نير الاستعباد العثماني، العدو الأول للحركة الوطنية العربية من تأييد الثورة العربية في الحجاز والاسهام العملي في عملياتها قدر المستطاع.
كانت الثورة العربية في الحجاز – ثورة – الارستقراطية الحجازية ضد التسلط التركي. وهذه الارستقراطية طمحت إلى استبدال النير الاقطاعي التركي بالنير الارستقراطي الهاشمي – الحجازي -.
وحتى يكسب الشريف حسين فقراء الحجاز إلى جانبه اضطر إلى اصدار تشريع يحدد العلاقة بين الدائنين والمدينين. ومن جهة أخرى سعت الأرستقراطية الهاشمية الطامحة إلى بسط نفوذها على آسيا العربية، إلى التقرب من الحركة العربية المتطورة في بلاد الشام ذات التطلعات البورجوازية. وهذا اللقاء بين الحركة الوطنية المعادية للحكم التركي في بلاد الشام وبين الأرستقراطية الحجازية ذات المشارب الأوتوقراطية اسبغ على الثورة العربية صبغة جديدة، واكسبها طابعا مزدوجاً:
طابعا تقدميا بسبب عداء الثورة للحكم الاقطاعي التركي وتحالفها مع الحركة الوطنية العربية في بلاد الشام ، وطابعا رجعيا بسبب سيطرة الأوتوقراطية الحجازية المتخلفة على الثورة وعلاقتها بالامبريالية الانكليزية.
هذا الطابع المزدوج للثورة العربية في الحجاز أوقع عددا من المؤرخين في تناقض لم يكن بامكانهم حلّه. فبعضهم لم ير في الثورة إلا جانبها الايجابي وأطلق عليها اسم – الثورة العربية الكبرى – والآخرون اسدلوا الستار على هذا الجانب وضخّموا علاقة الثورة بالاستعمار الانكليزي متجاهلين الظروف، التي قامت فيها الثورة ووضع الحجاز البشري والمادي والسياسي.
لقد تجاذبت الثورة العربية في الحجاز ثلاثة محاور هي: -
أولا – العقلية الامبريالية البريطانية الساعية لتوجيه رياح الثورة بما يخدم مخططاتها ومصالحها.
ثانيا – العقلية الأوتوقراطية الهاشمية المتخلّفة الحالمة في السيطرة على مشرق الوطن العربي واقامة مملكة عربية.
ثالثا – العقلية المتفتِّحة المتنورة نسبيا للوطنيين السوريين والعراقيين الطامحين إلى بناء دولة عربية مستقلة متطورة تسودها العلاقات نصف الاقطاعية نصف البورجوازية. وبما أن الأرستقراطية الهاشمية كانت ضعيفة ماديا وعسكريا وسياسيا ومتخلفة فكريا، فإنها لجأت بالدرجة الأولى للاستعانة بالمستعمرين البريطانيين لتحقيق مأربها. ولكنها كانت بحاجة إلى سند شعبي في العراق والشام، ولهذا اضطرت للاستعانة بالحركة الوطنية العربية النامية في بلاد الشام بعد ثورة الأتراك الاتحاديين عام /1908/.
والأرستقراطية الهاشمية لم تعمل على التعاون مع سائر فصائل الحركة الوطنية العربية، بل اتجهت بالدرجة الأولى لتوثيق صلاتها مع الجناح الاقطاعي الليبرالي داخل الحركة الوطنية وعبرت بذلك عن طبيعتها الطبقية وعن خشيتها من العناصر البورجوازية المعادية للأوتوقراطية الحجازية وسلوكها وممارساتها.
ومع أن الأمير فيصل بن الشريف حسين، مثل الجناح الليبرالي من الأوتوقراطية الحجازية ، سعى لعقد صلات حسنة مع العناصر البورجوازية الشامية، إلا أن الطابع العام لحركته بقي طابعا يخدم التخلف الاقطاعي ويناقض التطور البورجوازي.
وثمة أمر آخر لم يكن في صالح التقدم داخل الثورة العربية في الحجاز، هذا الأمر هو تخلف القوى المنتجة في الحجاز وانحطاط مستوى التطور الاجتماعي. فلم يكن أمام الثورة، في بادئ الأمر، أي قوة اجتماعية سوى قوة البدو الخاضعين كليا لرؤسائهم وأمرائهم. وقد استطاع الجاسوس الانكليزي الشهير لورانس أن يشتري رؤساء العشائر وأن يسيّر البدو بقوة الأصفر الرنان لصالح الاستعمار البريطاني.
ومع هذا، وعلى الرغم من الطابع المتخلف لقيادة الثورة العربية في الحجاز ولقواها الضاربة البدوية ولعلاقتها الوثيقة بالاستعمار البريطاني، فإن الثورة العربية في الحجاز حملت بين طياتها محتوى تاريخيا هاما، إذ أسهمت في الحاق الهزيمة العسكرية بالجيوش التركية – الألمانية واججت الكره والحقد ضد الاستبداد التركي في صفوف المجندين العرب من الفلاحين وفقراء المدن وشجعتهم على الفرار الجماعي من الجيش العثماني وبث الفوضى في صفوفه.
لقد كان لقيام الثورة العربية في الحجاز ونجاحها النسبي أثر في بعث الثقة في نفوس الوطنيين العرب المثخنين من جراح الارهاب، وأسهم في انتفاضات الفلاحين المستعبدين من الحكم التركي. وضرائبه غير المحدودة.
والواقع أن تمردات الفلاحين بدأت قبل قيام الثورة بقليل. ففي صيف / 1916 / تمرد الفلاحون في حوران ضد جمع محاصيل الحبوب منهم وسرقة لقمة عيشهم، واستمرت اضطرابات وتململات الفلاحين في حوران حتى خريف / 1916 /. وفي بعض قرى حوران امتد التمرد على دفع الضرائب فترة زمنية أطول حتى عام / 1917 / كما جرى في نوى وطفس.
ومع تقدم الجيوش البريطانية في فلسطين وجيش الثورة العربية في شرق الأردن اتسع نطاق تمرد فلاحي حوران وهجماتهم على مؤخرة الجيوش التركية الألمانية . وفي آذار عام / 1917 / نهض للنضال ضد الأتراك قسم من فلاحي جبال الساحل بقيادة صالح العلي. وفي 25 أيلول / 1918/ هاجم 300 فارس بقيادة سلطان باشا الأطرش المعسكر التركي في بصرى. وبدا واضحاً أن الحكم التركي في بلاد الشام لفظ أنفاسه الأخيرة.
الحلقة القادمة: وضع بلاد الشام بعد انهيار الدولة العثمانيّة 1918 
وجهة نظر عن سبب نجاح عدد غير مسبوق من حزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في الأردن
كأنّ الغرب الأوربي الأمريكي بصدد فرض طبعة جديدة مزيدة ومنقحة من مؤامرة "الربيع العربي"؟
محاولات لتدبير انقلاب في أنغولا.. هذه هي الرواية كاملة
حوار في الجيوبوليتيك.. مقاربات كمال خلف الطويل
حوار المناضل والكاتب السياسي عدنان بدر حلو مع مجلة الهدف
الفلسطينيون والخلل في نهج المقاومة وفي المفاوضات
لماذا حدثت انقلابات خمسينات القرن الماضي؟
دراسة لصلاح جديد حول مشروع الوحدة المقترحة بين العراق وسورية 1979
لمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.. منظمة كفربو- كيف سقينا السنديانة الحمراء
قسد تسقي "اسرائيل".. والحكسة تموت عطشاً!
حول المسألة الكردية
التعبئة والفساد.. اوكرانيا تحكمها عصابات
حوار تحليلي معمق مع الدكتور حسن أحمد حسن.. إعداد محمد أبو الجدايل
حركة هواش بن اسماعيل خيربك ١٨٤٦-١٨٩٦ م
حوارات السوريين.. بين مؤيدين للدولة ومعارضين لها