كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

شرخ الإسلام.. ابن تيمية

باسل الخطيب- فينكس:

 يُعتبر كتاب (الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية) لسليمان بن عبد الوهاب شقيق محمد بن عبد الوهاب، من أشهر الكتب التي كتبت عن الوهابية، هذا الكتاب هو في الأساس رسائل مطولة ضمّنها سليمان رأيه في دعوة أخيه، تلك الرسائل كانت تحمل عنواناً ثابتاً، هو (فصل الخطاب في الرد على ابن عبد الوهاب)، و قد تم جمعها لاحقا في الكتاب الذي ذكرناه أعلاه....

يورد سليمان بن عبد الوهاب في أحد هذه الرسائل حواراً جرى بينه و بين أخيه، يقول في جملة ما يقول: إنه قال لأخيه أنك تكفر كل مشايخك؟ فيجيبه محمد بن عبد الوهاب: نعم أنا أكفّر جميع مشايخي و أتوقف في التكفير عند شيخي السادس عشر. فمن هو الشيخ السادس عشر لابن عبد الوهاب؟ أنه ابن القيم الجوزية....

من هو ابن قيم الجوزية؟ هو التلميذ الأنموذجي لشيخه ابن تيمية، يظن الكثيرون أن محمد بن عبد الوهاب قد ابتدع الوهابية، و هذا عار عن الصحة إذ هو لم يكن مجدداً، بل كان مقلداً لشيخه ابن تيمية، فهو استند في كل بدعته على كتاب (التوحيد) لابن تيمية، و هذا الكتاب له من القدسية و المكانة عند أتباع الوهابية ما للقرآن الكريم عند عموم المسلمين....
هناك رأي عام شائع و خاطئ بالمطلق مفاده أن الوهابية هي مذهب إسلامي ظهر في القرن الثامن عشر، و هذا خطأ كارثي في التقييم، فالأساس في الحكم على الأمور هو صحة التشخيص، الوهابية لم تنشأ و استمرت على أنها مذهب إسلامي، إنما أُنشأت -و هذا بيت القصيد - باعتبارها ديناً جديداً بديلاً عن دين الإسلام، و أن يكون محمد بن عبد الوهاب هو النبي الجديد بديلاً عن السيد الرسول محمد بن عبدالله. و من نافلة القول ان المرجعية الفكرية الأساسية لهذا الدين هي مجموعة مؤلفات ابن تيمية...
يُنسب حديث للسيد الرسول يقول فيه "اللهم بارك لنا في شامنا، بارك لنا في يمننا"، فقال من حوله و في نجدنا؟ لكن الرسول أعاد العبارة مرتين، و أعادوا عليه السؤال مرتين فقال - وقصد نجد - "هناك الزلازل و الفتن و بها يطلع قرن الشيطان"...
يوجد لدي قناعة راسخة، أنه لا يوجد صدف في التاريخ، لكل الأحداث غايات، والأحداث يجب أن تصل إلى غاياتها حكماً، قد تبدو الحوادث التاريخية و كأنها خبط عشواء، لكن إذا خرجنا من دائرة تقييم الواقعة كواقعة إلى دائرة أشمل و أوسع، تستطيع من خلالها أن ترى كل الاحداث جمعاً، نتوصل إلى نتيجة مفادها أننا أمام عدة معادلات بعدة مجاهيل، تنتهي في النهاية إلى حل وحيد لكل مجهول، و لكن تجد في الرياضيات أن يكون هناك أكثر من حل لجملة معادلات بمجاهيل مختلفة، و قد تصل إلى مجموعة حلول لا نهائية، في هذه الحالة دخلنا في إطار غير الإطار البشري و نكون هنا تحديداً نتحدث عن دقائق المادة الصغيرة (الالكترونات و البروتونات وغيرها....)....
ليس مصادفة أن عاصمة دولة محمد بن عبد الوهاب الأولى و التي أنشأها مع محمد بن سعود بعد توقيع ميثاق نجد بينهما عام 1740، هي نفسها عاصمة مسيلمة الكذاب عندما جاهر بدعوته، على فكرة الدرعية هذه دمرها إبراهيم باشا و أخوه طوسون باشا ابنا محمد علي باشا حاكم مصر، عندما قادا حملة للقضاء على الكيان الوهابي الأوّل، و تحقق ذلك عام 1818...
هناك سؤال كبير يطرح نفسه، التصق لقب شيخ الإسلام بابن تيمية لدرجة أن لقبه صار يتقدم على اسمه، المفارقة أنه طوال تاريخنا هناك الكثير من الأشخاص الذين لقبوا بشيخ الإسلام، السؤال الآن: لماذا تم اختصار استعمالنا لهذا اللقب بشخص ابن تيمية؟...
الأصل في هذه القضية أنها كانت وسيلة و ليست غاية، في سبيل تقديم (فكر) ابن تيمية على كل من عداه، و الغاية الترويج للوهابية، و ساعد على ذلك مال النفط الذي امتطته الوهابية و سهّل انتشارها...
حوّل شيوخ الوهابية و دعاتها و إعلامها ابن تيمية إلى الداعية الإسلامية الأكثر تأثيراً خلال هذا القرن و القرن المنصرم، يمكن القول إن المرجعية الفكرية لكل الحركات التأسلمية الإرهابية هي كتب ابن تيمية ( مجموع الفتاوى، الفتاوى الكبرى، المسائل.....)، و عندما نقول الكل نقصد الكل: القاعدة، طالبان، النصرة، داعش، الإخوان المسلمين، بوكو حرام، الهجرة و التكفير....
حفلت فتاوي ابن تيمية بعبارة "يُستتاب و إلا يُقتل...."، هذه العبارة وردت عشرات المرات في كتبه، بل و استعملت في قضايا هي من فروع الفروع، و ليست من الأصول مثل الجهر بالنية في الصلاة...
فتاوي ابن تيمية كفّرت كل الأقليات الإسلامية، و عندنا نقول الكل نقصد الكل، و كفّرت أغلب أهل السنة و الجماعة، و وصلت فتاوي تكفير ابن تيمية لحد تكفير طوائف بأكملها بكليتها موتاها و أحياءها و كل من سيلد فيها لاحقاً....
شكلت هذه الفتاوى المرجعية الشرعية لكل جماعة تأسلمية أرادت أن تغزو أراضي جماعة إسلامية أخرى، حصل هذا و ابن تيمية على قيد الحياة، عندما شرعنت فتواه غزو والي دمشق آنذاك لجبال كسروان و اللاذقية، و على أساس فتاوي ابن تيمية شرعن مفتو السلطان سليم الأول له غزو و احتلال بلاد الشام و ما تلاها من مذابح مروعة، وصولاً إلى داعش و أخواتها التي ارتكبت ما ارتكبت من مذابح بناءً على فتاوى ابن تيمية...
استعملنا أعلاه تعبير (التأسلم) تنزيهاً و تشريفاً أن ننسب للإسلام تلك الجماعات و ذاك الفكر، الفضيلة هي كل وسط بين رذيلتين، فضيلة الشجاعة هي وسط بين رذيلتي الجبن و التهور، فضيلة الكرم هي وسط بين رذيلتي البخل و الإسراف، الاسلام هو ذاك الوسط، هو تلك الفضيلة بين رذيلتي التكفير و الكفر، في اللغة لا يجوز تعريف المُعرّف، لا يجوز أن نقول على الإسلام أنه وسطي، لأنه هو الوسطية بعينها، لذا لا يوجد في مفهومنا شئ اسمه الإسلام المعتدل أو الاسلام المتطرف، يوجد عندنا إسلام محمد بن عبدالله عليه الصلاة و السلام، و كل ما عداه و خالفه هو دين أخر...
أنزل ابن تيمية الدين الاسلامي من كونه سماءً تظل الجميع (و ما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين) إلى أن جعله مجرد زقاق ضاق به و بأتباعه....
ليس هناك من دليل على فساد دعوة ابن تيمية أوضح من أن أهل دمشق قد ثاروا و رفضوا دعوته، إلى حد أنه قد سُجن عدة مرات و مات في سجنه. طبعاً عند الحديث عن (ثقافة التكفير)، لا يجب التوقف عند ابن تيمية، بل علينا الذهاب أعمق في ذاك الموروث، فابن تيمية نفسه لم يكن صاحب بدعة بالمطلق، إنما كان و في نواحي كثيرة مقلداً و قياسياً....
عند دراستنا لسيرة ابن تيمية و التي لم نتطرق إلىها في هذا المقال لأنها لا تقدم و لا تؤخر في مناقشة الفكر، إنما لفت انتباهنا أمر واحد، أن لقب أو مسمى ابن تيمية لا يختص به فقط، فالشخص الذي نتحدث عن نتاجه في هذا المقال، علماً أن اسمه الحقيقي هو أحمد بن عبد الحليم الحراني، إنما هو مسمى العائلة التي ينتمي لها وصولاً إلى جده الخامس لأبيه، السؤال الفضولي الذي يطرح نفسه هنا : متى كانت العرب تنسب نفسها لنسائها، ألا يدعو هذا للاستغراب، و يجعلنا نتفكر أنه إذا لم يصح النسب فكيف تصح المخرجات؟...
من يفكر لا يكفّر، و من يكفّر لا يفكر، الاستنتاج الأساسي الذي تخرج به من قراءة مؤلفات ابن تيمية أن العقل و مخرجاته هو ألد أعدائه، و على هذا الأساس سارت كل الجماعات التأسلمية التي نحت نحو ابن تيمية، و من نافلة القول أن العقل هو أعظم و أجل خلق الله، و قد حبا الله به الإنسان ليصير إنساناً. إن مناقشة مسألة التكفير مناقشة موضوعية، تجعلنا نتوصل إلى الاستنتاج الخطير التالي: أن التكفير بحد ذاته ما كان يوماً قضية دينية، إنما كان دائماً و أبداً قضية سياسية, و هذا يوصلنا إلى النتيجة التالية: إن الكثير من الآراء الفقهية التي توارثتها هذه الأمة، و صارت بالنسبة لها أحكاماً مقدسة، لم تكن إلّا أغطية سياسية للسلطة في زمانها، و هذا أمر لم تختص به منطقتنا، إذ أن التكفير قد عرفته كل الأديان السماوية و الوضعية، و عرفته كل القارات، فأوروبا التي نعرفها الآن قد قامت حدودها على أساس حروب تكفيرية دموية طوال، أزهقت ملايين الأرواح، و أنتجت فرنسا و إيطاليا و إسبانيا الكاثوليكية، و ألمانيا و هولندا و السويد و النرويج البروتستانتية، إنكلترا الانغليكانية، و روسيا الأرثوذكسية. ابن تيمية ليس مثالاً تفرّد به التأسلم، بل هو نموذج موجود في كل الأديان، عدو لموسى و عيسى و محمد عليهم السلام...
حسناً فعلت وزارة الأوقاف في سورية، عندما أصدرت تعميماً عام 2018، يوجب سحب كل مؤلفات ابن تيمية و محمد بن عبد الوهاب من الجوامع و من المكتبات. و قد قالت الوزارة أن هذا التعميم قد جاء تأكيداً على تعميم مشابه صدر عام 2013، وقد كنت أتمنى أن يكون هكذا تعميم قد صدر قبل ذلك بكثير، و لكن دعونا لا نخدع أنفسنا، ثقافة التكفير أبعد و أعمق في موروثنا من ابن تيمية و ما جاء به، و إن كنا فعلاً لا نريد أن تظهر لنا داعش أخرى بعد عقدين أو ثلاثة من الزمن علينا أن نبدأ بمحاكمة ذاك الموروث بعيداً عن ثقافة (التقديس)، التي يحفل بها هذا الموروث، سواء كان ذلك أشخاصاً أو أفكاراً أو كتباً أو أماكن، و بعيداً عن ثقافة (تبويس اللحى)....
نعم، أعرف أنه حقل ألغام، و لكن الأفضل أن تنفجر بنا عدة ألغام الآن من أن تتتهاطل علينا القنابل النووية لاحقاً...
وجهة نظر عن سبب نجاح عدد غير مسبوق من حزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في الأردن
كأنّ الغرب الأوربي الأمريكي بصدد فرض طبعة جديدة مزيدة ومنقحة من مؤامرة "الربيع العربي"؟
محاولات لتدبير انقلاب في أنغولا.. هذه هي الرواية كاملة
حوار في الجيوبوليتيك.. مقاربات كمال خلف الطويل
حوار المناضل والكاتب السياسي عدنان بدر حلو مع مجلة الهدف
الفلسطينيون والخلل في نهج المقاومة وفي المفاوضات
لماذا حدثت انقلابات خمسينات القرن الماضي؟
دراسة لصلاح جديد حول مشروع الوحدة المقترحة بين العراق وسورية 1979
لمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.. منظمة كفربو- كيف سقينا السنديانة الحمراء
قسد تسقي "اسرائيل".. والحكسة تموت عطشاً!
حول المسألة الكردية
التعبئة والفساد.. اوكرانيا تحكمها عصابات
حوار تحليلي معمق مع الدكتور حسن أحمد حسن.. إعداد محمد أبو الجدايل
حركة هواش بن اسماعيل خيربك ١٨٤٦-١٨٩٦ م
حوارات السوريين.. بين مؤيدين للدولة ومعارضين لها