كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

كتب د. عبد الله حنا: التنظيمات العثمانية (حركة الاصلاح 1839 – 1876)

دفعت جملة عوامل داخلية وخارجية القائمين على الدولة العثمانية إلى القيام بحركة إصلاح النظم الإدارية وأساليب الحكم. وبدأت محاولات الاصلاح في مستهل القرن التاسع عشر مع السلطان سليم الثالث ومحمود الثاني وعبد المجيد ( 1839 – 1861) وتمثلت بالإصلاحات التالية:
إنشاء ما يشبه مجلس النواب.. إلغاء نظام التزام الضرائب.. وضع قانون مدني حديث مُستقى من فرنسا.. تعيين مفتشين للولايات.. إنشاء البنك العثماني.. إصلاح الجيش وتحديثه بعد الخلاص من الانكشارية بإبادتها جسديا.. إلغاء الرق في البلاد العثمانية، وبذلك خطت السلطنة الخطوة الإنسانية التي خطتها أوروبا في مؤتمر فينا 1815. كل ذلك جرى في إطار التنظيمات, التي بدأت عام 1839 مع خط شريف كلخانة ومن ثمّ الخط الهمايوني شباط 1856.
لاقت حركة الإصلاحات في الدولة العثمانية مقاومة ضارية من القوى المتعصبة والمحافظة واعتبرتها مروقا عن الدين. واستطاعت هذه القوى أن تكسب إلى جانبها أقساما واسعة من العامة في المدن. ومن هنا ندرك ما كتبه النهضوي الدمشقي صلاح الدين القاسمي في جريدة المقتبس عام 1909 أن "العامي لا مذهب له إلا مذهب فقيهه..."
وكانت حركة الإصلاح في جوهرها تنبع من الرغبة في التقدم واللحاق بالغرب (أوروبا) والنهل من الحضارة أو بالأصح الثورة البورجوازية المنتصرة في اوروبا او ما يعرف بالغرب. وتُطلِق تيارات الاسلام السياسي على هذا الاتجاه اسم "حركة التغريب"، بهدف النيل من حركة الإصلاح واعتبارها عاملا خارجيا دخيلا على الحضارة الإسلامية، كما يريدون أن يفهموها.
وقد اصطدمت القوانين الصادرة في عهد التنظيمات 1838-1876 بمقاومة قوية من القوى المحافظة المعادية للتغيير ورأت انها مخالفة لأحكام الشريعة والاسلام. وبذلت القوى المحافظة قصارى جهدها لوضع العصي أمام عجلة الإصلاح المخالفة للدين حسب زعمهم. ومعروف ان حركة الاصلاح او التنظيمات كانت متأثرة بالتغيرات البورجوازية في اوروبا، التي نقلت اوروبا وتحديدا غربها من احضان النظام الاقطاعي إلى رحاب الرأسمالية بوجهيها الثوري والامبريالي.
و أصبح لهذا الغرب الرأسمالي مصلحة في ضمان حرية رأس المال الأجنبي في الدولة العثمانية، وحماية "الملكية الخاصة". وضغط هذا "الغرب الرأسمالي" على الدولة العثمانية لجعل قوانينها تتناسب مع مصالح الراسمال الأجنبي الباحث عن الاستثمار في بقاع الأرض كافة. ولاقت هذه الرغبة "الرأسمالية" لدول اوروبا في الاصلاح صدى لدى المجموعات المتنورة في الدولة العثمانية، التي رأت في الاصلاحات ذات الطابع البورجوازي وسيلة للتحرر والانطلاق من البنية الاقطاعية وفكرها المتجمد الى رحاب الرأسمالية وفكرها الحداثي. ولكن القوى الاجتماعية الراغبة في الاصلاح كانت مهيضة الجناح في محيط القرون الوسطى الإقطاعية التي كانت امواجه تغمر الشرق الإسلامي. ومن هنا يمكن فهم تعثر الاصلاحات وانكفائها في موجة رجعية عاتية تزعمها السلطان عبد الحميد الثاني.
***
توجّت مرحلة التنظيمات بإعلان الدستور في 23-12-1876، الذي عُرف باسم "المشروطية"، إذ جعل الدستور حكم السلطان "مشروطاً" بمراعاة القيود المقررة في الدستور المعروف رسمياً باسم "القانون الأساسي".
هذا "القانون الأساسي" أو الدستور أو "المشروطية" حوّل السلطنة المطلقة إلى ملكية دستورية برلمانية على طراز الملكيات الأوروبية. فقد حصر الدستور المُلك (السلطنة) بسلالة آل عثمان. واعتبر السلطان مقدساً غير مسؤول. ومن صلاحياته تعيين الوزراء وعزلهم. والوزراء يجتمعون برئاسة الصدر الأعظم وهم مسؤولون جماعياً أمام البرلمان المؤلف من مجلس أعيان (شيوخ) يعينهم السلطان ومجلس مبعوثان (نواب) تنتخبهم الرعية العثمانية. وأهم ما في الأمر أن الدستور ضمن الحريات العامة لجميع العثمانيين، وأعلن استقلال القضاء وأن التعليم الابتدائي إلزامي. وبموجب الدستور لم يعد بإمكان السلطان وولاته في الولايات مصادرة الأموال وإعدام الأشخاص دون حسيب أو رقيب.
وبعد وضع "القانون الأساسي" موضع التنفيذ جرت انتخابات لـ"مجلس المبعوثان" باعتبار النائب مبعوثاً من أهالي دائرته الانتخابية. وقد جرت الإنتخابات في الولايات العربية عام 1877. وقام بعض المندوبين (النواب) العرب بدور هام خلال المذاكرات والمناقشات. وكان في طليعتهم نائب القدس محمد روحي الخالدي، الذي عرّى في كتاباته الاستبداد السلطاني الحميدي.
والملفت للنظر ان بعض اعضاء مجلس المبعوثان سلطوا الأضواء على دور الدولة في الاصلاح والدعوة إلى مقاومة الفساد المستفحل في شرايين الدولة العلية. نشير هنا إلى ما جرى في احدى جلسات مجلس المبعوثان حيث "كَثُرَ الجدل بشأن محاكمة المرتكبين (للفساد) و قطع دابر الرشوة وتحسين احوال المحاكم، حتى قال احد المبعوثان: ان عساكر الضبط في الولايات تنهب الاهالي، و ان المحاكم ترتشي على ابطال الحق":
***
ستتناول في الحلقات القادمة الدولة العثمانية في مراحلها الاخيرة وصولا الى السلطان عبد الحميد وثورة الاتحاد والترقي 1908 وإزاحة الاستبداد السلطاني ليحلّ استبداد آخر.. ثم مجئ اتاتورك والآن يتربعّ على عرش العثمانية الجديدة الحالم بالخلافة أردوغان... وهكذا يمكننا فهم الأوضاع التركية المؤثرة في العالم العربي سلبا وإيجابا
الحلقة القادمة: أبو الدستور مدحت باشا
وجهة نظر عن سبب نجاح عدد غير مسبوق من حزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في الأردن
كأنّ الغرب الأوربي الأمريكي بصدد فرض طبعة جديدة مزيدة ومنقحة من مؤامرة "الربيع العربي"؟
محاولات لتدبير انقلاب في أنغولا.. هذه هي الرواية كاملة
حوار في الجيوبوليتيك.. مقاربات كمال خلف الطويل
حوار المناضل والكاتب السياسي عدنان بدر حلو مع مجلة الهدف
الفلسطينيون والخلل في نهج المقاومة وفي المفاوضات
لماذا حدثت انقلابات خمسينات القرن الماضي؟
دراسة لصلاح جديد حول مشروع الوحدة المقترحة بين العراق وسورية 1979
لمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.. منظمة كفربو- كيف سقينا السنديانة الحمراء
قسد تسقي "اسرائيل".. والحكسة تموت عطشاً!
حول المسألة الكردية
التعبئة والفساد.. اوكرانيا تحكمها عصابات
حوار تحليلي معمق مع الدكتور حسن أحمد حسن.. إعداد محمد أبو الجدايل
حركة هواش بن اسماعيل خيربك ١٨٤٦-١٨٩٦ م
حوارات السوريين.. بين مؤيدين للدولة ومعارضين لها