كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مروان حبش: حرب حزيران 1967- ح4

 قصة الحشود

   استدعت وزارة الخارجية السورية يوم الأربعاء 12 تشرين الأول 1966جميع السفراء وتقدمت إليهم بمذكرة: (تكشف حقيقة التحرك "الإسرائيلي" بعد فشل المؤامرة الرجعية على الثورة، هذه المؤامرة التي حشد لها المخططون كل الطاقات والإمكانيات، أصابت الرجعية العربية و "إسرائيل" بالذهول وفضحت وعرّت بصورة خاصة الترابط الكامل بين النظام العميل في الأردن والرجعية العربية و"إسرائيل"، الأمر الذي ظهر بكل صفاقة في تصريحات الملك حسين ووصفي التل وتهديدهما بغزو سورية، وانسجام هذه التصريحات مع تصريحات اسحق رابين في استهداف إسقاط النظام الثوري في القطر العربي السوري، وكذلك تصريحات الملك حسين الجديدة بسحب قواته من الضفة الغربية بحجة الدفاع عن سورية، الأمر الذي يفضح النية المبيتة لتسليم الضفة الغربية إلى "إسرائيل" مقابل دغدغة أحلام الملك العميل في إقامة عرش له في دمشق.

      ومما جاء فيها أيضاً:      

   لقد سبق لـ "إسرائيل" أن احتجت بموضوع تسلل الفدائيين العرب من قطاع غزة عام 1956 لتبرر عدوانها المبيت على مصر وفي شن حرب السويس، وهي تتذرع مجدداً بالحوادث التي تقوم بها منظمات فتح والعاصفة، والتحركات التي يقوم بها الشعب العربي الفلسطيني لتبرر عدوانها الذي تبيته ضد القطر العربي السوري لعرقلة النهضة التقدمية التحررية في هذا القطر العربي، ولا أدل على ذلك من التصريحات المسعورة التي أدلى بها مؤخرا ً إسحاق رابين رئيس الأركان والمسؤولون الـ "إسرائيليون" لإسقاط النظام الحالي في القطر العربي السوري، الأمر الذي لم يسبق له مثيل في العالم، والذي يكشف عن نوايا "إسرائيل" العدوانية ويفضح حقيقة وجودها كأداة بيد الاستعمار يحركها متى تهددت مصالحه الاحتكارية الاستثمارية في الوطن العربي.

   وعلى الرغم من إعلاننا مراراً بأننا لسنا حراساً على سلامة وأمن "إسرائيل"، وليس من واجبنا مكافحة الشعب العربي الفلسطيني المشرد في نضاله من أجل استرداد حقوقه المشروعة بعد أن استهانت بها القوى العدوانية المحتلة وكاد ينساها الضمير العالمي، فإن تصريحات المسؤولين الـ "إسرائيليين" بمسؤولية القطر العربي السوري عن جميع تحركات الشعب العربي الفلسطيني مهما يكن مصدرها وعلى مجمل الحدود العربية، إنما هي تصريحات خطيرة استفزازية لا تُخفي ما وراءها من نية عدوانية مبيتة تتآمر عليها إسرائيل مع جميع القوى التي تتهدد مصالحها الاستثمارية والاحتكارية، كلما خطا نظام الحكم التقدمي في القطر العربي السوري خطوة جريئة إلى الأمام نحو مجتمع عربي وحدوي اشتراكي.

   وإننا إذ نلفت نظر جميع الدول المحبة للسلام الأعضاء في الأمم المتحدة إلى خطورة هذه التصريحات الاستفزازية وهذه النوايا العدوانية لنذكّر بالآلاف من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة التي أدانتها لجان الهدنة المشتركة خلال 18 عاماً من وجود إسرائيل، ونذكّر بالاعترافات الـ "إسرائيلية" الخطية المسبقة التي تثبت تحضير الهجوم المدبر الذي حصل في عدواني 14 تموز و15 آب الأخيرين).

   وأوردت وكالة يونايتد برس بتاريخ 13 أيار (مايو) 1967 نبأً عن لسان مسؤول "إسرائيلي" في القدس، قال فيه: (إنه إذا استمرت سورية في حربها التخريبية ضد "إسرائيل"، فإنها ستتسبب في عمل عسكري من جانب "إسرائيل" يستهدف القضاء على نظام الحكم الحالي في دمشق. وأضافت الوكالة: إن إسقاط حكم البعث في دمشق قد يلقى ترحيباً لدى الدوائر الرجعية العربية، كما أن المراقبين في القدس المحتلة يرون أن السوريين يعتزمون تحويل "إسرائيل" إلى فيتنام ثانية كمقدمة للحل الذي يرونه لقضية فلسطين. وقالت الوكالة: إن التفسير الوحيد لموقف سورية هو أن أكثر أعضاء الحكم الحالي في دمشق من الشباب العقائديين الذين يعطون مضموناً ثورياً للقومية العربية، والذين يرون في إسرائيل عدوتهم اللدودة).

   تذرعت "إسرائيل" بدعم سورية للمقاومة الفلسطينية وباشرت تطلق تهديداتها بغزو دمشق وإسقاط نظام الحكم فيها، كما كثّفت من اعتداءاتها في المناطق المجردة لزيادة تبادل إطلاق النار.

   وتناقلت وكالات الأنباء، يوم 14/ 5 ، في القدس المحتلة وتل أبيب، الأخبار عن تصعيد المسؤولين "الإسرائيليين" لهجة تهديداتهم، فما أن سلّمت "إسرائيل" ردها إلى السفير السوفييتي الذي أوردته وكالة يونايتد برس: (إن "إسرائيل" سلّمت أمس إلى السفير السوفييتي رد حكومتها على الإنذار الذي وجهته حكومة الاتحاد السوفييتي إلى "إسرائيل" في الشهر الماضي عن قيام "إسرائيل" بأعمال انتقامية ضد سورية). حتى تتالت التهديدات، فأوردت وكالة رويتر في برقية لها: (إن المراقبين في تل أبيب صرحوا بأن لهجة الخطب العامة للمسؤولين في "إسرائيل" قد ازدادت حدة بصورة كبيرة في الأيام القليلة الماضية عقب وقوع مزيد من هجمات الفدائيين آخرها انفجار في طريق طبريا). وفي نبأ لوكالة الأنباء الفرنسية: (أن ليفي أشكول عاد إلى تهديداته ضد سورية وقال إنه لابد من حدوث صدام مسلح خطر بين "إسرائيل" وسورية إذا لم يكف الفدائيون الفلسطينيون عن نشاطهم داخل "إسرائيل"). وأضاف رابين تهديدات أخرى فقال: (إن "إسرائيل" سوف تتصرف إزاء سورية، ولكن بطرق مغايرة لتلك الطرق التي انتهجتها بهجماتها السابقة على الأردن ولبنان، وأضاف: إن أهداف الرد الـ"إسرائيلي" سوف تكون مغايرة أيضاً).

   بعد هذه التهديدات، صرح ناطق عسكري "إسرائيلي" يوم الئلائاء 16 أيار بأن الفدائيين الفلسطينيين قد قاموا خلال الإثنتي عشر ساعة الأخيرة بعمليتي نسف قرب تل أبيب.

وصرح الناطق "الإسرائيلي" أيضاً، يوم الأحد 21 أيار: إنه عئر في الساعة الثانية بعد ظهر أول أمس على متفجرتين تحت جسر على الطريق التي تربط بيت شبع بعراض والتي تبعد حوالي عشرة كيلو مترات من خط الهدنة مع الأردن، وقال الناطق: إنه قد عُثر على أعقاب شخصين باتجاه الحدود الأردنية، كما عُثر على منشورات تحمل توقيع جماعة فتح في ذلك المكان.

   إن التصريحات حول التهديد العربي بتدمير "إسرائيل "، التي كان يدّعيها القادة الصهاينة، كان الهدف من ورائها تعبئة الرأي العام المحلي والدولي، تمهيداً لعدوانهم المبيت على سورية والمتحدة، واستمر البوق الصهيوني في تصعيد حملاته الدعائية متذرعاً بتسلل فدائيين من سورية عبر الحدود إلى أرض فلسطين المحتلة، وبعدها جاءت قصة الحشود الصهيونية على الحدود السورية.

   في هذه الأجواء المشحونة بنذر الحرب، جاءت أخبار الحشود "الإسرائيلية"، ولقد جرى جدل طويل قبل وبعد عدوان حزيران، كما كثرت الأقاويل حول صحة المعلومات الخاصة بهذه الحشود التي شكلت الشرارة الأولى لأزمة أيار واتخذت "إسرائيل" من تداعياتها ذريعة لشن الحرب. فمنها أن عميلاً للسفارة السوفييتية ولمخابرات "الجيش الإسرائيلي" أُوعِز إليه بنقل أمر الحشود إلى السفارة، ومنها، أنه جرت تحركات علنية للجيش "الإسرائيلي" نحو خطوط الهدنة ثم كانت هذه القوات تنسحب خفية، ومنها أن السوفييت اختلقوا قصة الحشود بهدف تعزيز نفوذهم في كل من سورية والمتحدة، وهو تفسير يستبعده المنطق، وتدحضه الوثائق التي تؤكد حقيقة القرار "الإسرائيلي" الذي كان مخططاً له للقيام بالعدوان.

   يقول محمود رياض في مذكراته: (كانت "إسرائيل" قد أتمت استعدادها مع بداية عام 1967 للقيام بالعدوان الذي كان مخططاً له منذ عام 1957، ولم تكن لتنتظر سوى مشاركة الولايات المتحدة، وقد جرت مشاورات في واشنطن بين الطرفين، وتم الاتفاق على أن يبدأ العدوان في يونيو 1967) .

   في 13 أيار أبلغ الاتحاد السوفييتي سورية والمتحدة عن وجود حشود عسكرية "إسرائيلية" على الجبهة السورية، وأن "إسرائيل" تستعد لبدء عملية واسعة لقلب النظام في دمشق، وعزز القادة "الإسرائيليون" بتصريحات لهم نقلتها الصحافة البريطانية في اليوم نفسه، أكدوا فيها أن هدف الحملة العسكرية القادمة ضد سورية سيكون قلب النظام القائم في دمشق، وظلت هذه التصريحات دون تكذيب، وكان اسحق رابين قد عبّر، قبل ذلك التاريخ، وأكثر من مرة عن هذا الهدف، ويمكن إيجاز كلامه: (لقد قمنا بكل شيء لمنع الفدائيين من ممارسة نشاطهم، ولم يبق أمامنا الآن سوى قلب النظام في دمشق). وهناك رأي لبعض المحللين بأن الحكومة "الإسرائيلية" التي اكتفت بنفي وجود الحشود، كان جنرالاتها يخططون لبدء حربهم في 17 أيار.

   وإمعاناً في التسويف اقترحت السلطات "الإسرائيلية" ثلاث مرات، حسب زعمها، على السفير السوفييتي في تل أبيب في أيام 13 و19 و 29 أيار أن يذهب لتفتيش منطقة الحدود، والتأكد من عدم وجود حشود، ولكن السفير رفض هذا الطلب، على حد زعم الرواية.

   فور تلقي خبر الحشود اجتمع وزير الخارجية السوري مع ممثلي دول مجلس الأمن في 13 أيار وأبلغهم بالنسبة للتهديدات "الإسرائيلية" لسورية بذريعة الأعمال الفدائية: (إن الشعب العربي الفلسطيني المشرد والذي لم تستطع الأمم المتحدة حتى الآن أن تعيده إلى أرضه، لا يمكن أن يقبل وصاية سورية أو أي قطر آخر عليه ولا يأخذ الإذن من أحد في نضاله المشروع لتحرير وطنه المغتصب).

   وفي الفترة نفسها قال يوثانت في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن الدولي يوم 19/5/67 (إن تقارير مراقبي الهدنة الدوليين تفيد عدم وجود حشود وتحركات لقوات الطرفين على جانبي الحدود). وكذلك الفريق أول محمد فوزي الذي أوفده المشير عبد الحكيم عامر إلى دمشق يوم 13/5 للتنسيق مع القيادة السورية قدّم إثر عودته، تقريراً يوم 15/5 ، أوضح فيه: (إن صور الاستطلاع الجوي السوري للجبهة يومي 12 و 13 أيار/مايو، وكذلك الدوريات المتسللة إلى خلف خطوط العدو، لا تفيد بأي تغيير للموقف العسكري العادي).

   لقد أبلغنا الرئيس جمال عبد الناصر، بأمر الحشود تلك، نقلاً عن سفير الاتحاد السوفييتي في القاهرة، كما أن السفير السوفييتي في دمشق أناتولي باركوفسكي وفي الوقت نفسه، نقل إلى الرئيس نور الدين الأتاسي ما يتوافر عند حكومته من معلومات حول هذه الحشود.

   وأكد السوفييت، في إجابة لهم على سؤال من المشير عامر بخصوص إعطاء صورة واضحة عن الحشود المذكورة من خلال صور أقمارهم الاصطناعية، وجود هذه الحشود، كما أن تقرير الاستخبارات المصرية ليوم 15/5 أفاد بأن هناك بعض التجمعات العسكرية في المنطقة الشمالية من "إسرائيل" تقدر بحوالى 5ـ7 ألوية مشاة.

   وأكد كوسيغن حين اجتماعه مع وزير الحربية المصري شمس بدران في موسكو يوم 26/5، الحشود العسكرية على جبهة سورية.

   كما أن الدكتور مراد غالب سفير مصر في موسكو أرسل يوم 27/5 برقية بوجود حشود "إسرائيلية" على الحدود السورية أكدها له سيميونيف نائب وزير الخارجية السوفييتي، وحينما أراد أن يتأكد أكثر من غريشكو وزير الدفاع السوفييتي، أبدى دهشته الكبرى مما يتردد عن عدم وجود حشود إسرائيلية على الحدود السورية، وذكر أن لديه كشفاً بأسماء قادة الألوية وقادة الكتائب لهذه الحشود، وذلك تأكيداً لصحة معلوماته.

من كتاب مروان حبش (البعث وثورة آذار)

وجهة نظر عن سبب نجاح عدد غير مسبوق من حزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في الأردن
كأنّ الغرب الأوربي الأمريكي بصدد فرض طبعة جديدة مزيدة ومنقحة من مؤامرة "الربيع العربي"؟
محاولات لتدبير انقلاب في أنغولا.. هذه هي الرواية كاملة
حوار في الجيوبوليتيك.. مقاربات كمال خلف الطويل
حوار المناضل والكاتب السياسي عدنان بدر حلو مع مجلة الهدف
الفلسطينيون والخلل في نهج المقاومة وفي المفاوضات
لماذا حدثت انقلابات خمسينات القرن الماضي؟
دراسة لصلاح جديد حول مشروع الوحدة المقترحة بين العراق وسورية 1979
لمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.. منظمة كفربو- كيف سقينا السنديانة الحمراء
قسد تسقي "اسرائيل".. والحكسة تموت عطشاً!
حول المسألة الكردية
التعبئة والفساد.. اوكرانيا تحكمها عصابات
حوار تحليلي معمق مع الدكتور حسن أحمد حسن.. إعداد محمد أبو الجدايل
حركة هواش بن اسماعيل خيربك ١٨٤٦-١٨٩٦ م
حوارات السوريين.. بين مؤيدين للدولة ومعارضين لها