عبد الوهاب الخطيب ينفي لفينكس أن يكون هو من قتل فرج الله الحلو.. و يوجّه رسالة للشيوعي اللبناني و عائلة الشهيد.. و تعقيب من د. كمال الطويل
خاص- فينكس
في حزيران القادم, يكون قد مضى 61 عاماً على استشهاد القائد الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو (1906- 1959), الذي اعتقلته المباحث السلطانية بحسب تعبير د. عبد الله حنا, في دمشق, برئاسة عبد الحميد السرّاج, و التي قامت بتصفيته ومن ثمّ تذويب جثته بالأسيد.. و كان هذا التصرف سابقة خطيرة في العمل السياسي العربي المعاصر, تذكرنا بسلخ جلود المعارضين و المتمردين في العهدين الأموي و العباسي.
و المعروف أن القائد الشيوعي الشهيد, كان أتى دمشق بغية إعادة بناء الحزب الذي أنهكته الوحدة السوريّة المصرية, و بحسب رأي بعض من عاصر تلك المرحلة, إنّ الرئيس جمال عبد الناصر (أحد أعداء الأمريكان), لاحق الشيوعيين السوريين و المصريين ارضاء للأمريكان الذين لم تكن علافته بهم قد ساءت و ارتقت إلى درجة الخصومة أو العداوة.
لست أنا، بل أقسم بالله أنني لم أحقق معه أصلاً, بل كنت خارج البيت عند اعتقاله وعندما عدت للبيت علمت أن مفرزة سامي جمعة طلبتني هاتفياً عدة مرات ويريدونني أن أذهب إليهم فور وصولي وقبل النوم، فذهبت لهم وقبل أن أدخل عليه قال لي سامي جمعة، أو وجيه مساعده لا أذكر بالضبط، أن النقيب نعسان حضر إلى المفرزة فور علمه بالخبر وحقق مع فرج الله (علماً بأنه لم يحقق مع غيره من الشيوعيين ولا غير الشيوعيين أبداً) بالكلام وبيده ولكن لم يحصل منه على أي نتيجة وغادر إلى بيته ودخلت أنا على فرج الله فرأيت إنساناً به بعض الكدمات الخفيفة متحفزاً وعلى ملامحه الشكَّ فيَّ فطمأنته أن أحداًً لن يلمسه بسوء، وطلبت له الشاي وشربه وطلبت أن يحضروا لنا الأستاذ رفيق رضا (عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري اللبناني لمدة ٣٢ سنة مع فرج الله) الذي أسكنّاه نحن فوق مفرزة الأمن خوفاً على حياته وحضر، وقدتُ معه بودّ نقاشاً حاولت فيه أن أحرجه بطلب توضيح موقف حزبه في معاداة الوحدة التي أراها أنا أنها تتناقض مع شعارات الماركسية واللينينيه بدعوة عمال وبروليتاريا العالم أن يتحدوا ويشكلوا جبهة ضد الرأسمالية والإستعمار، وبرغم أن الرجل ذو شخصية قوية وواضحة إلا أن موقف الحزب المعادي للوحدة كان صعباً عليه الدفاع عنه، فأحسست بذلك وقلت له: أنا أعتذر لك أن كانت بدرت من النقيب نعسان أي إساءة لك وأرى أنك متعب بعض الشيء وسأتركك وأعود لك غداً لنكمل الحديث، وناديت وجيه وقلت ينام الأستاذ على السرير الوحيد في المفرزة ولا يلمسه أو يقترب منه أحد، حتى أعود غداً، ولم أرَهُ بعدها لا حيّاً ولا ميتاً ولا أعرف من قتله شخصيّاً، لأن النقيب نعسان (وكنت مرؤوسه في المخابرات) هو الذي تولى موضوع المرحوم فرج الله الحلو من الألف إلى الياء منذ لحظة القبض عليه؛ وحتى عندما جاءني سامي جمعة مذعوراً وطلب مني أن أكلم له النقيب نعسان الذي دفن الجثة في مزرعته، لأنه أقسم بالله أنه لا ينام الليل ولا النهار خوفاً على نفسه وعلى عائلته من عواء الكلاب التي تعرّفت بالشم على مكان الجثة وأنها لولا تواجده بالموقع لنبشت الكلابُ الأرض وأُكلت الجثة. ولأن سامي جمعة كان وهو يرجوني يرتعش من الخوف وأصفرَ اللون, ليس فقط خوفاً من جثة فرج الله ولكن لأنه أعلمني أنا بالحادث وأفشى السر الذي لا يعرفه غيره، ودخلت أنا على نعسان زكّار في مكتبه وقلت له لقد كشف لي سامي جمعة الآن أنك دفنت جثة فرج الله الحلو في مزرعته, فغضب بشدة وشتم سامي جمعة الجبان السافل وشتائم أخرى قذرة لا يصحّ ذكرها وأضاف مؤكداً لي بأنه سيتصرف، وأذكر للحق أمام الله أنني قلت له: أنك أخطأت باختيار هذا الجبان الرعديد لمهمة بهذه الخطورة.
وبعد عدة أيام دخل علي نعسان يضرب كفاً بكف وبقوةٍ تعبيراً عن ارتياحه بخلاصه من حمل ثقيل تخلص منه وارتاح، ويقول الحمد لله خلصنا...
وأقسم بالله ثانية أنه رفض أن يضيف كلمة واحدة بعدها حتى يومنا هذا، وإن كنت قد علمت أنه مات، يرحمه الله ويغفر له.
أخ أُبيّ، إن كنتَ شيوعياً فحبذا لو أوصلت شرحي هذا للجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني التي دخلت متاهة الضلال والتضليل على مدى ستة عقود حتى الآن، ولعائلة المرحوم فرج الله الحلو إن أمكنك، ولك الشكر
وأذكر أن نعسان زكار حين استقال من المخابرات العامة تضامناً مع أكرم الحوراني ووزراء البعث الأربعة لأنهم رفاقه الأقربين، وكان يقوم بتسليمي رئاسة الفرع السياسي رأيته يأخذ من الخزنة ورقة ويضعها في جيبه فشككت أن تكون هي الإقرار فقلت له لا يصح أن يأخذ شيئاً من وثائق المكتب فأعادها للخزنة على مضض لتأكده بأني سأمنعه بالقوة.
وجرت المحاكمة البعثية الشيوعية وحكم علي كما سمعت ولا أعرف نص الحكم ولم أحاول الحصول عليه لأن المحاكمة كانت قذارة كيدية يندى لها الجبين!!
القصة القذرة هذه طويلة ويمكن لي أن أكتب فيها أياماً، ولكن أعتقد أن الأمور انجلت أمام من كان قد ضل السبيل خلال ستة عقود.
وللأمانة فلا علم لعبد الناصر بموت فرج الله ولا لما جرى له، ولا لعبد الحميد السراج الذي كان في القاهرة وقتها.
وخلافاًً لاتهام الحزب الشيوعي وأذنابه لعبد الحميد السراج بالمسؤلية المباشرة عن طريقة غياب فرج الله من الوجود، فإنه بمجرد عودته من القاهرة وعلمه بالتفاصيل أمر اللواء محمد الجراح أمين عام وزارة الداخلية لشؤون الشرطة والأمن العام باعتقال وجيه إنطاكي (تذكرت الآن اسمه الكامل) وتم اعتقاله وإحالته للمحاكمة وقد صدر حكمً بحقه, يمكن لمن يهمه الأمر أن يبحث عنه في محاكم سوريا.
وبتذكّري اسم وجيه فهو الذي كان ساهراً مع فرج الله بعد مغادرتي المفرزة حوالي منتصف الليل أو بعده بقليل وهو مع سبعة أو ربما تسعة من عناصر أمن المفرزة هم الذين حملهم النقيب نعسان على التوقيع على إقرار لا أذكر تفاصيل ما فيه الآن ولكنه يقول شيئاً قريباً ومماثلاً في المعنى: بينما كنا نحن الموقعين أدناه نقوم بالتحقيق مع المدعو فرج الله الحلو صدرت منه بعض الحركات التي عرفنا منها انه مات، وهذا توقيعنا (توقيع وجيه إنطاكي والكل معه، تحت الإعتراف، وبنفس الصفحة الواحدة).
هذا الإقرار هو الورقة الوحيدة التي أخذها نعسان من خزنة مكتبه ووضعها في جيبه ولكنني منعته لأنها وثيقة لمكتب المخابرات وليست لشخصه.
وهي الوثيقة الوحيدة التي أخذتها أنا شخصيّاً من المكتب يوم غادرت المكتب قبل وقوع الانفصال الأسود بأيام قليلة. وهي الوثيقة نفسها التي طلبت وأنا في مصر من والدي أن يأخذها ويسلٌمها لقاضي التحقيق الذي علمت أنه كان القاضي (اليبرودي) عبد السلام حيدر الذي كان نائباً عن القلمون في فترة ما، وقام والدي رحمه الله بتسليمها للمحكمة فعلاً (وهنا أريد أن أقرر أنه إذا كان الشوعييون يريدون فعلاً معرفة من قتل ومن أذاب فرج الله الحلو، فليبحثوا عن هذا الإقرار بالقتل الذي استكتبه نعسان زكار لثمانية أشخاص أو ربما عشرة أفراد لست متأكداً تماما الآن، فهم الذين كانوا مع فرج الله الحلو ليلة مات، والذي ما يزال باقياً على قيد الحياة منهم يعرف ماذا حصل بالضبط).
ولست أدري شيئاً عن تفاصيل محاكمة وجيه إنطاكي وإن كانت الدلائل تشير إلى أن الإذابة تمّت في بيته.
ليس لأن أحدا طلب مني ان أكتب هذه المعلومات، كتبت. إنما كتبت لأنني في التاسعة والثمانين من عمري ولا يصح لهذه المعلومات التي لا يعرف غيري معظمها، أن تموت معي فحسبها أنها حُجُبت ستة عقود كاملة!
عزيزي المكرم د. كمال
تحياتي
في عنوانكم للمقال عن الراحل فرج الله اختفت مسؤولية من والكيفية بالنسبة لي. كمتخصص لا يمكن الجزم بدون أدلة طبية عدلية. تبادل الكلام والتهم لا تغير شيئاً. الراحل غيب وانتهى الأمر وهذه جريمة.
الحقيقة الرد كما يقال بالإنجليزية "Lateral Thinking" وتوضيح لأرضية الموضوع حتى لا يعتبر خروج عن الصدد.
لا دليل حقاً لعلم الكثيرين في القيادة المصرية بمقتل فرج الله الحلو, ولم يكن هو الشيوعي الوحيد الذي تمت تصفيته. مهما قال الخطيب لا يمكن الوقوف عليه لأنه كان عميلا مزدوجا ولكن البعثيين لم يكونوا على دست الحكم حين مقتل فرج الله الحلو وقاموا بحل حزبهم.
هناك أمران هامان يبدو بأنهما لا يستقيمان ماركسيا ولا حتى بالمنطق المثالي الأفلاطوني، فما دخل التحليل الماركسي في الوحدة العربية ولم لا يحق للبورجوازية الوطنية العربية أن تطالب بمشروع وحدة قومية؟ متزامنة مع دعوة الراحل العظيم هوشي منه لوحدة التراب الفيتنامي وكيم إيل سونغ لوحدة الكوريتين، ولمَ قبول دعوة القيادة الشوفينية العشائرية لمصطفى البارزاني، تابع الكيان الصهيوني، إلى كردستان الكبرى التي سببها المنحرفون من القيادات الكردية في الحزب الشيوعي العراقي، والتي انحطت لتأسيس حزب شيوعي كردستاني متناسية هوية العراق العربية بحكم 82% من سكانه بأسلوب نازي فج. مصطفى و جلال لم يكونا هوشي منه وكيم وماو!
الراحل فرج الله الحلو كان ضحية السياسات الخاطئة المعادية للهوية العربية التي تبنتها بعض القيادات في الحزب الشيوعي العراقي والسوري المتلوثة بالشوفينية الكردية والعداء العنصري الصهيوني للعرب. يجب أن نوثق أن هذه السياسات تبلورت وأحكمت بعد إعدام الرفيق الخالد فهد وفي غياب الخالد الراحل سلام عادل القسري في موسكو 1959، كما ألغيت وثائق الكنفرنس الثاني، ويمكن أن نحدد ذلك بموقف فهد من الدولة الشوفينية الصهيونية قبيل إعدامه وما قاله وكتبه زكي خيري عن الكيان الصهيوني بكونه "أمة في طريق النشوء", ولا أعتقد حتى غلاة الصهاينة لا يتفقون معه لأن كل أمرهم يعتمد على أساطير التوراة البابلية وليس حتى أسفار أورشليم وأساطيرها.
وتم التأييد الأعمى للدكتاتور الطاغية المعتوه عبد الكريم قاسم. السؤال هل كان عبد الكريم قاسم ماركسياً؟ الم يلقَ الشيوعيون في السجون ويعذبهم أم هنا غلبت الفاشية الشوفينية الكردية على الماركسية وتغلب الحقد الصهيوني على الهوية العربية على اللينينية.
كأنما كل هذا لم يكفِ فظهر سيناريو موازٍ وأشد فوعة وتخريبا ويمهد لمحو الهوية العربية برعاية الإمبريالية هو الإسلام السياسي والتطرف من الإخوان المسلمين إلى الولي الفقيه، بالرغم من شيطانه الأكبر، والمعتوهين من النصرة وداعش وأخواتها. وهذه المسوخ لا تعترف بالمواطنة حتى.
مع المودة
*********
رد الدكتور كمال خلف الطويل على الأستاذ فواز حلمي:
دكتور فواز الأغر
فريدٌ هذا التعارف على خلفية واقعة أليمة, ويسعدني الإلمام - عبر مناضل شيوعي "مخالف", بقيمتك - بروايتك ورؤيتك حول مثالب سلوكيات الشيوعية العربية (أعلاه بعض ما عندي).
لكن ما لفتني فوقها أمران:
حديثك عن أن عبد الوهاب الخطيب عميل مزدوج.. والحال أن ما أعرفه أنه شيوعي "تقومن", وصار الأمهر, من كادر السراج الأمني, في تعقب وتجنيد شيوعيين, وكان على رأسهم رفيق رضا.. كان هو مثلاً من تعقب خروج فرج الحلو من منزله في لبنان قاصداً سوريا.
ثم, نعم.. كان فرج الحلو وشهدي الشافعي أبرز من قضى نحبه في السجون خلال زمن عبد الناصر, لكن مجمل العدد وصل إلى عدد أصابع اليدين, وربما أكثر قليلاً.
مودتي
*********
تعقيب الأستاذ زياد ادريس:
زياد إدريس
لماذا فتح الشيوعيون المعركة مع عبد الناصر في عهد الوحدة؟
هذا السؤال قد يكون تبادر الى اذهان الكثيرين, الا انه لم تصدر اجابة واضحة عليه حتى الآن!
فمن المعروف ان الحزب الشيوعي السوري قد اصدر بيانا قبل الوحدة بأشهر يعلن فيه تأييده للوحدة العربية، بشكل عام، وللوحدة السورية – المصرية على أساس فيدرالي, كما كان قبل أشهر قليلة قد طالب بالفيدرالية اجتماع وفد المجلس النيابي المصري برئاسة السادات الذي زار سوريا للتضامن معها ضد الحشود التركية على حدودها مع لجنة القضايا الخارجية في البرلمان السوري برئاسة اكرم الحوراني يطالب فيه بوحدة على أساس الفيدرالية.
عندما دعي البرلمان السوري للاجتماع للموافقة على وحدة اندماجية، قرر شكلها الضباط السوريون مع عبد الناصر وفق شروطه, منع النواب من مناقشة الاتفاقية وشكل الوحدة ولم يسمح لأحد بالتكلم, فقد كانت جلسة لقول فقط نعم – كما قال الحوراني -, وليست للنقاش ورفض بكداش ذلك وغادر البلاد.
بعد إعلان الوحدة استمر الحزب الشيوعي السوري في ممارسة نشاطه بشكل نصف علني, واستمرت الدولة وأجهزة الأمن في إغماض العين عن ذلك. ولعب الحزب دورا لوجستيا هاما في انتفاضة لبنان المسلحة ضد التجديد لكميل شمعون المؤيد لحلف بغداد, التي دعمها عبد الناصر, وقام مسؤولون فيه بالتعاون مع أجهزة السراج والمكتب الثاني السوري بالإشراف على نقل وإيصال الاسلحة الى لبنان وتوزيعها على الحلفاء.
وعندما قام انقلاب 14 تموز في العراق بقيادة قاسم وعارف, بدأ التوتر يظهر على الساحة العراقية فقد كان عارف والضباط القوميون والبعثيون يطالبون بالانضمام الفوري لجمهورية الوحدة بينما كان قاسم والشيوعيون والأكراد يرفضون ذلك.
قام عارف وفريق من الضباط القوميين بمحاولة انقلاب فاشلة وجرى تقديم أصحابه للمحاكمة وإعدامهم. و أدى هذا الآن إلى نشوب معركة دموية صريحة في العراق بين الفريقين امتدت لاحقا لتشمل كل العالم العربي وتصبح معركة بين القوميين والشيوعيين!
في هذه الأجواء عاد خالد بكداش الى سوريا, وقام الحزب بتنظيم حملة لارسال وفود الى دمشق من كل أنحاء سوريا للسلام عليه والترحيب بعودته, واستعراض قوة الحزب الجماهيرية, وجاءت الباصات تخترق دمشق متجهة الى منزله في حارة الأكراد وهي تهتف له وللحزب الشيوعي دون أن تجري مضايقتها أو منعها!
و أصدر الحزب الشيوعي وثيقة النقاط ال 13 الشهيرة، والتي يطالب فيها بتحويل الوحدة إلى فيدرالية وبإشاعة الديمقراطية... إلخ. ووزعت وثيقة النقاط ال13 هذه, دون أي رد فعل عنفي على الأمر حتى الآن.
وفي تلك الاثناء جاء الى القاهرة مبعوث وزارة الخارجية الأمريكية راونتري للتباحث مع عبد الناصر حول شؤون المنطقة وفي طليعتها الأزمة اللبنانية وايقاف الحرب فيها، والمد اليساري–الشيوعي في العراق، واتفقوا على إيقاف الحرب في لبنان بعدم التمديد لشمعون وانتخاب رئيس آخر للجمهورية اللبنانية.
بدأت العلاقات تتأزم بين الدولة والشيوعيين بعد أحداث العراق ثم بعد زيارة راونتري, فقام الشيوعيون بالتوقيع على عريضة ضد زيارة راونتري في الجامعة السورية, والبعثيون على عريضة معادية, واتخذ قرار آنذاك في اجتماع عقدته منظمة الجامعة السورية للحزب الشيوعي وحضره عشرون رفيقا (عبد الله حنا المسؤول في منظمة الجامعة آنذاك في حديث لفينكس) بفتح المعركة مع النظام, وتم تمزيق العرائض وحدوث مشاجرة كان كلا الفريقان يستعد لها من أيام, وبعد يوم او يومين قام عبد الناصر بإلقاء خطاب عنيف ضد الشيوعيين, أعقبه حملة اعتقالات واسعة في كل أنحاء سوريا تم فيها اعتقال أعضاء الكادر الرئيسي من بيوتهم ليلا وتوجيه ضربة عنيفة للحزب.
ومن الواضح ان عبد الناصر كان يتحاشى طوال عام كامل الصدام مع الحزب الشيوعي, إذ كيف يمكن تفسير إغماض النظام العين على عدم موافقة بكداش على وثيقة الوحدة؟ وعدم حل الحزب الشيوعي لنفسه أسوة ببقية الأحزاب، كما طلب عبد الناصر من وفد الضباط كشرط لقبوله الوحدة مع سوريا؟ وإغماض كلتا العينين عن بقاء الحزب يمارس نشاطه النصف علني منذ إعلان الجمهورية العربية المتحدة وحتى نهاية عام 1958؟
والسؤال, لماذا اتخذ قرار فتح المعركة مع عبد الناصر من قبل قيادة الحزب الشيوعي, عن طريق منظمة الجامعة؟ وهل يمكن تصديق ان قرارا هاما ومصيريا كهذا, كان له ما بعده, ترك لمنظمة الجامعة؟ مع وجود خالد بكداش نفسه وفرج الله الحلو آنذاك في دمشق!
وهل كان ذلك نتيجة لتقديرات خاطئة بعدم تجرؤ عبد الناصر لأسباب دولية (علاقاته مع الاتحاد السوفيتي) وأسباب إقليمية (المد اليساري في العراق) على فتح معركة ضد الحزب الشيوعي؟ وللمبالغة بقوة الحزب وجماهيره؟
والغريب ان قرار فتح المعركة هذا والذي أدى الى تعرض الحزب لضربة قاصمة وحملة اعلامية لم يسبق لها مثيل, لم يترافق – كما ظهر لاحقا - بتوقع الضربة من قبل القيادة, ولذا لم تتخذ تدابير احترازية؟ إذ كيف يفسر اعتقال الكادر الرئيسي لكل المنظمات في ليلة واحدة من بيوتهم وهم نيام؟ مع ان خالد بكداش نفسه غادر سوريا آنذاك قبل ان يكمل عبد الناصر خطابه!
********
رد د. كمال خلف الطويل على الأستاذ زياد ادريس:
أسئلة السيد زياد إدريس أعلاه تستدعي تذكر أن خطايا حسابات معاشر الشيوعية العربية، على مدى ثلاثة أرباع قرن، لا تعدّ: بدءاً من الموقف من نكبة ٤٨، ومروراً بموقفهم المناوئ لتغيير يولية (رغم اشتمال مجلس ثورتها على شيوعيَين) حتى ٥٥-٥٦، وسلبيتهم نحو الثورة الجزائرية في ضوء فرانكوفيليتهم، وموقفهم السلبي من وحدة ٥٨، وإقبالهم اللهوف على إشعال صراع عنيف مع القوميين في العراق تحت يافطة خلبية: نحن مع اتحاد وضد وحدة (فيما هم ضد أي منهما، ناهيك بأنهم عرفوا وتأكدوا من نأي عبدالناصر عن أيهما أيضاً، واكتفائه بتنسيق قوي بين المتحدة والعراق)، وقيامهم بانقلاب عسكري في السودان ضمهم والقوميين تحت خيمة واحدة، ووصولاً إلى تأييدهم الاحتلال الأمريكي للعراق، وركوب حيز سوري وازن منهم قطار الناتو. وووو
ثم, لم يبيت لا عبد الناصر ولا السراج شراً بشيوعيي المتحدة حتى نوفمبر - ديسمبر 58 (شواهد أدناه دالّة)؛ حين اعتقد بكداش أن الاستقواء الشيوعي في العراق, ممكّناً من قاسم (لحين), كفيل بتمكينه من الاستقواء سورياً عبر ورقة ال13 بند, في نوفمبر. تزامن ذلك مع محاكمة عبد السلام عارف أمام محكمة العقيد الشيوعي فاضل المهداوي, واكتشاف محاولة تغييرٍ بزعامة رشيد عالي الكيلاني, وانفلات سعار شيوعيي العراق - تلواً - وقتها على عبد الناصر بحدّة شرسة.
مذكرات خروتشيف كاشفة: يقول إنه أبلغ عبد الناصر مرتين (في مايو وفي تموز 58) أنه معارض للوحدة ومتأكد من فشلها, فأنت في مصر تقود نظاماً شمولياً فيما سوريا ليبرالية, ولن يأتيك إلا وجع الرأس وتلف الأعصاب.. ما كان خروتشيف يقوله على وما بين السطور أن قطباً وحدوياً عربياً عند البطن الرخو للاتحاد السوفييتي ليس غبّ الطلب, حتى ولو كان من خارج المدار الغربي بل خارجاً عليه, سيما ويصحب ذلك حل حزبه السوري... تجلى ذلك في تغيب خالد بكداش عن جلسة إعلان الوحدة في البرلمان السوري, يوم 5 شباط 58, وسفره لصوفيا (كانت موسكو في صورة تصرفه).. وليس صحيحاً القول أن النواب صوتوا بنعم مجمِعة وكأن على رؤوسهم الطير.. لا, لقد كانوا مفعمين بالتأييد والحماسة, أقلّه تماشياً مع شارعهم الملتهب تأييداً.