كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مروان حبش: حزب البعث العربي النشأة والتكوين4

الحلقة الرابعة
الخلاصة
إن ما يراود المتتبع لنشأة حزب البعث العربي الاشتراكي، وما يملك عليه مشاعره كلها عندما يسير مع هذه النشأة خطوة خطوة ويتحرى معالمها منذ البداية يشعر أعمق الشعور أن هذه الحركة- كما وصفها روادها المؤسسون- "تغرف من نبع أصيل ومن ماء طبيعي، إنها دفقة كاملة من تدفقات الحياة، فيها منذ غرفتها الأولى جميع قسمات الحياة، جميع قسمات القوة، جميع أعضاء المخلوق الجديد".
إن حركة البعث منذ نشأتها حركة عميقة باقية، حركة كان لابد وأن يتردد صداها في التاريخ، وأن تخطّ كلمتها في الحياة وتثير ملامحها الأنظار، وترسي بخطاها الجبارة الموعودة وهي ما تزال تحبو، إنها تحبو أصيلة أصالة الحياة، أصالة القوة القادرة على تجديد الحياة، أصالة الصبوة العميقة إلى المثل الأعلى، تدرك مدّها الجبار منذ قطراتها الأولى وتشعر مع تباشير فجرها أنها حركة لا كالحركات وأنها تملك من القدرة على دفع الحياة مثل ما في الحياة نفسها من دفع.
لم تبدأ حركة البعث العربي عملاً سياسياً اصطنعه عدد من الأشخاص وأخذوا يملؤونه بالمحتوى والأهداف، وإنما بدأت صبوة إلى الانقلاب وانطلاقة نحو الثورة وإدراكاً لمصير أمة ثم أوجدت لهذا كله أُطره القادرة على حمله وتنظيمه السياسي الذي يقلبه إلى واقع ووجود. ولم يأتمر أفراد الحركة من أجل إيجاد حزب سياسي أو حركة سياسية يتداول في أمرها العديد من الأشخاص ذوي الاتجاهات المتباينة ويبنون أهدافها بناء هندسياً جامداً بل تجسدت الفكرة التي يزأر بها الوجود العربي وينتظر من يستخرجها.
تجسدت الفكرة في أفراد قلائل وانغرست في جوارحهم ووعيهم وأخذت تقلقهم وتحرضهم وتشع رويداً رويداً لتستقطب من حولهم جميع أولئك الذين خُلقوا ليفهموا الكلمة التي يقولها الوجود العربي وليحملوا الرسالة التي يناديهم إليها هذا الوجود، وهكذا بدأت الحركة من الحياة، حياة الأمة العربية ومعاني وجودها ومستقبلها وأخذت تلف حولها كل من اتصل بهذه الحياة وكل من يهيؤه تكوينه لحمل قدرها، ولم تكن الحركة تجميعاً لأشخاص قرروا أن يخوضوا غمار السياسة ولا كانت من صنع أفراد أرادوا أن يقودوا العمل السياسي وإنما كانت تعبيراً عن وجود، عن آمال تعصف في أعماق النفس العربية، عن ثورة تستعر لتحطم الزيف والفساد وتخلق الكيان السليم، أما مبدعوها فهم كل الذين استطاعوا أن يدركوا المعاني العميقة لذلك الوجود وكل الذين ثارت نفوسهم على الواقع الفاسد المريض.
لقد وُجدت حركة البعث ليكون مؤسسها كل جماهير الشعب العربي التي تفتحت على الغد العربي الكبير، لقد عبرّ من خلالها أفراد قلائل في البداية عن مطامح الأمة بأسرها وعن إرادة الشعب العربي بكامله، وعن صبوات الغد المشرق، ولم يكن هؤلاء الأفراد سوى مترجمين لمشاعر الملايين وممثلين للعدد الكبير، لقد كانوا منذ البداية، وهم قلة قليلة، رسل الملايين يشعرون أنهم يحملون مسؤولياتهم الجسيمة، لقد كانوا يشعرون أنهم رسل التاريخ العربي وأن التاريخ العربي هو الذي يتكلم على لسانهم وأن المصير العربي هو الذي ينطقهم ويحركهم.
من هنا كان عمل الحركة في بدايتها عمل تعرّف وجذب، تعرّف على النواة القادرة على الاتصال العميق بجوهر الرسالة التي يلح عليها الوجود العربي، وأخذت هذه النواة تتكون شيئاً بعد شيء، والتفّت حول نداء الأمة العربية، الطليعة التي تملك من عمق الوعي العربي وبأس العقيدة وسمو الخلق ما يجعلها جديرة بأن تقتحم ساحة العمل السياسي بسلاحها الفكري وسلوكها النضالي متميزة عن القوة الوسطية التي رانت على الوجود العربي بعد عهود طويلة من التخلف والاستعمار، ٍوما لبثت هذه النواة حتى أدركت أن حركتها الصامدة لا تستطيع أن تبلغ أهدافها البعيدة وتكمل نضالها الشاق الطويل إلا عن طريق تنظيم سياسي جدير بفكرتها وقادر أن ينقل عقيدتها إلى عمل منظم وأن يوجِد الإرادة الشعبية السليمة،المنظمة والهادية لإيمانها العميق، لذا قررت منذ البداية أن الفكرة القومية لكونها فكرة الحياة والواقع، لا بد أن تنقلب إلى عمل في الحياة والواقع، وأن العقيدة الناضجة تحتاج إلى أداة منظمة لإنجازها، وهكذا انطلقت في التنظيم الحزبي ليكون هذا التنظيم هو الفكرة وقد انقلبت إلى واقع، وهو العقيدة وقد ملكت قنواتها التي تحيلها إلى قوة وتحفظ جهودها وتعبئ طاقاتها تعبئة منتجة.
إن حزب البعث العربي الاشتراكي يقف كواحد من القلة التي تستحق تسميتها من بين العديد من الأحزاب السياسية التي انتشرت في الوطن العربي المعاصر وذلك بسبب عقيدته وتنظيمه وفعاليته، بينما تدور أكثر الأحزاب الأخرى في فلك الشخصيات وهي على استعداد دائم للمساومة وقبول التسويات، فإن البعث يؤكد كمدرسة للفكر على تأصيل مبادئه في العروبة مع الاستعانة بالمصادر الاشتراكية الإنسانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

من كتاب مروان حبش (البعث وثورة آذار)

وجهة نظر عن سبب نجاح عدد غير مسبوق من حزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في الأردن
كأنّ الغرب الأوربي الأمريكي بصدد فرض طبعة جديدة مزيدة ومنقحة من مؤامرة "الربيع العربي"؟
محاولات لتدبير انقلاب في أنغولا.. هذه هي الرواية كاملة
حوار في الجيوبوليتيك.. مقاربات كمال خلف الطويل
حوار المناضل والكاتب السياسي عدنان بدر حلو مع مجلة الهدف
الفلسطينيون والخلل في نهج المقاومة وفي المفاوضات
لماذا حدثت انقلابات خمسينات القرن الماضي؟
دراسة لصلاح جديد حول مشروع الوحدة المقترحة بين العراق وسورية 1979
لمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.. منظمة كفربو- كيف سقينا السنديانة الحمراء
قسد تسقي "اسرائيل".. والحكسة تموت عطشاً!
حول المسألة الكردية
التعبئة والفساد.. اوكرانيا تحكمها عصابات
حوار تحليلي معمق مع الدكتور حسن أحمد حسن.. إعداد محمد أبو الجدايل
حركة هواش بن اسماعيل خيربك ١٨٤٦-١٨٩٦ م
حوارات السوريين.. بين مؤيدين للدولة ومعارضين لها