كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مروان حبش: نشأة وتكون حزب البعث العربي- ح2

في عام 1943 قدم الأستاذان عفلق والبيطار استقالتيهما من التعليم، احتجاجاً على القمع الذي كانت تمارسه سلطات المستعمر الفرنسي ضد الطلاب, وفي الواقع فإن هذه السنة كانت نقطة الانطلاق لتأسيس حركة البعث.
وفي تلك الفترة كان الحلفاء الإنكليز والفرنسيون الأحرار يحتلون سورية ولبنان وكانت جيوشهم معسكرة في مختلف أنحاء المشرق العربي. وكانت الكتلة الوطنية على رأس الحركات المنادية بالاستقلال دون أن يكون لها مرتكزات سياسية وتنظيمية وكان إلى جانبها على الساحة السياسية السورية أحزاب عقائدية أهمها:
ـ الحزب الشيوعي السوري: كان في هذه الفترة في أوج انتشاره وكانت سلطات المستعمر تغض
الطرف عن نشاطه، ولكن هذا الحزب لم يكن يمثل الطموحات العربية لأمرين: أولهما، كونه حزباً ينادي بالأممية ويرى في القومية طرحاً برجوازيًا تجاوزته التطورات التاريخية، وثانيهما، ارتباطه في سياسته وأطروحاته بالمركز الأممي وبالتالي فإنه ينفذ ويأتمر بتعليمات مركز الأممية بغض النظر عن توافقها مع مصلحة الشعب والوطن، كما أن أيديولوجية هذا الحزب لا تنبع من مثل وقيم الشعب العربي ولم ير الشباب العربي فيها ما يمثل طموحاتهم لذا بقي محدود الانتشار ولم يستطع أن ينتشر إلا بصعوبة وفي أوساط معينة وخاصة الأقليات الأثنية والدينية.
ـ الحزب السوري القومي الاجتماعي: كان هذا الحزب، على الرغم من الحظر الاجتماعي المضروب عليه، يقوم بنشاط سياسي واسع وينادي بوحدة ما أسماه "الأمة السورية" التي تعيش في مناطق ما عرف بسورية الطبيعة وضمنها جزيرة قبرص، وبعد ذلك، العراق، وكان مؤسس الحزب أنطون سعادة قد استمد كثيراً من أفكاره وخاصة البنية التنظيمية من الأحزاب الفاشية التي كانت تنشط في أوروبا.
ـ حركة الأخوان المسلمين: كانت على وشك التأسيس على يد الشيخ مصطفى السباعي، وكانت هذه الحركة قد استمدت أفكارها من حركة الإخوان المسلمين في مصر، وكانت تحاول باستمرار إدانة النضال الوطني والأفكار التقدمية والقومية. وتعمل وفق أيديولوجيتها على إقامة التعارض بينها وبين الانتماء القومي في محاولة للعودة إلى أيديولوجية الخلافة التي سقطت فكرياً وسياسياً بعد تحرر الأقطار العربية وانفصالها عن الدولة العثمانية، وأخذت هذه الحركة تدعو إلى محاربة كل فكر قومي وعلماني.
في هذه الظروف تكونت (الحلقة) السياسة الجديدة وأُطلق عليها شباب البعث العربي التي كان من أبرز وجوهها عفلق والبيطار وجلال السيد ومدحت البيطار،وقد اتخذ الأربعة المذكورون من أنفسهم لجنة تنفيذية لحزب البعث العربي وأعلنوا المباشرة بالتنظيم وقبول المنتسبين، وأعلن عفلق والبيطار، في بيان أصدراه، ولادة الحزب، وفي هذه السنة تقدمت هذه المجموعة بطلب إلى السلطة للحصول على ترخيص بإصدار صحيفة خاصة بها ولكنها لم توفق في ذلك واقتصرت النشاطات الرئيسة للحركة، في ذلك الوقت، على الدعوة للفكرة العربية من خلال تنظيم الاجتماعات الصغيرة العدد وبإصدار البيانات المعادية للاحتلال الفرنسي والمطالبة بالاستقلال الكامل لسورية.
كان البعثيون الأوائل يفضلون، دائماً، استخدام عبارتي الشباب والحركة وكانت هذه الأخيرة تعني لهم تعبئة وتوعية شباب الأمة العربية، ووجدت هذه الحركة الفتية مناسبة تساعدها على رصِّ صفوفها وتوضيح هُويتها ولفت الانتباه إلى وجودها في انتخابات تموز 1943 التي خاضتها بشخص الأستاذميشيل عفلق كمرشح استقلال ولم يكن الهدف هو الحصول على مقعد في البرلمان بقدر ما كان همها التعريف بتوجهاتها القومية والسياسة، وكان البرنامج الانتخابي بمثابة المحاولة الأولى لبلورة بعض الاتجاهات السياسية التي تمخضت عنها أيديولوجية حزب البعث العربي، وفي بيانه إلى الشعب قال عفلق مرشح الشعب: (ندخل الانتخابات لا باسم طائفة ولا مدينة ولا مصالح قريبة أو ظروف سياسية عاجلة بل باسم فلسفة قومية نريد أن تكون إفصاحاً صادقاً عن الحياة العربية في حقيقتها الخالدة.
ـ نمثل الروح العربية ضد الشيوعية المادية.
ـ نمثل التاريخ العربي الحي ضد الرجعية الميتة والتقدم المصطنع.
ـ نمثل القومية التامة المعبرة عن حاصل الشخصية ضد القومية اللفظية التي لا تتعدى اللسان ويناقضها مجموعة السلوك.
ـ نمثل رسالة العروبة ضد حرفة السياسة.
ـ نمثل الجيل العربي الجديد).
وفي المناسبة نفسها وجه عفلق نداءً إلى إخوانه المسيحيين داعياً إياهم إلى الانخراط في حركة القومية العربية وإلى اعتبار الإسلام ثقافة قومية مرتبطة ببيئتهم الطبيعية وتاريخهم واعتبار حياة الرسول العربي الكريم خلاصة لحياة العرب ... وهي الممثلة للنفس العربية في حقيقتها المطلقة.
ومما يجب لفت الانتباه إليه أنه في هذه المرحلة أُطلق لأول مرة الشعار البعثي (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة)، وذلك في بيان صادر عن الأستاذين ميشيل عفلق وصلاح البيطار بتاريخ 14 تشرين الثاني 1943حول الاعتداء على استقلال لبنان.
كما يجدر التنويه أن البيانات والنشرات كانت تصدر باسم مكتب البعث العربي وموقعة إما فردياًُ أوثنائياً أو أكثر من "ميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار، مدحت البيطار، جمال الأتاسي".
كما أن أول بيان صدر باسم "حزب البعث العربي" هو بيان بعنوان "لن يعود الفرنسيون الطغاة" بتاريخ 9 حزيران 1945، بعد العدوان الفرنسي على المدن السورية: دمشق، حماه، حمص، حلب، دير الزور، الرقة، درعا.
**********
كان الأرسوزي طموحاً إلى أن يقود بنفسه كفاح العرب ويرى بعينه تحقيق أهدافهم، كما يقول د. وهيب الغانم، ثم يستأنف كلامه قائلاً: (أخذ انقطاع الأرسوزي عن الواقع يشتد يوماً بعد يوم وأخذت الشكوك والوساوس تحتل مكاناً أوسع في نفسه، لقد تعب سياسياً، قاومه الاستعمار بضراوة، كافحوه على جميع المستويات مادياً ومعنوياً، بدأ يعيش حياة خيالية فيما يتعلق بالواقع من شدة بؤس هذا الواقع وبدأ يزداد حساسية، فكان يكفي أن يرى أحد تلامذته يتلكأ عن اجتماع واحد حتى يشك بسلوكيته ووطنيته، وهذا التعب المتواصل أبعده كثيراً عن أية إمكانية لقيادة سياسية....).
أمام هذا الواقع بدأ (بعث) الأرسوزي يتلاشى منذ العام 1942 وانفض تلاميذه من حوله على صعيد السياسة العملية، بل لقد خرجوا عن طاعته واعتبرهم أنهم تخلوا عنه لأنهم بدؤوا ينتقلون من "بعثه" إلى البعث الثاني الذي أصبح المُعبّر الوحيد عن فكرة القومية العربية في دمشق وأخذت الطليعة تنضم إليه وهو يشق طريقه.
كان وهيب الغانم أحد تلامذة الأرسوزي يرى أن حزب البعث هو أداة الثورة العربية ولا بد أن يستمر -رغم تعب ويأس الأرسوزي الذي لم يعد قادراً على قيادة النضال السياسي- حتى لو لم يكن زكي الأرسوزي على رأسه، لذا أنشأ حزباً جديداً في اللاذقية باسم ( البعث العربي ) كان استمراراً لبعث الأرسوزي من جهة، ومختلفاً عنه من جهة ثانية، وإن غلب عليه طابع بعث الأرسوزي ولكن بدون الأرسوزي.
لقد مر نشوء (بعث) وهيب الغانم في اللاذقية، حسب قوله، بثلاث مراحل: مرحلة التمهيد أو الاستطلاع حتى صيف 1943، مرحلة النشوء والانطلاق وامتدت حتى أواخر 1945، ومرحلة الانتشار الواسع في محافظة اللاذقية وقد استغرقت عام 1946 بكامله والربع الأول من العام 1947 حتى انعقاد المؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي في 4 نيسان 1947 في دمشق.
**********
من خصائص مرحلة تأسيس البعث أنه كان يرى أن العبء الأكبر في النضال ضد الاستعمار الفرنسي والرجعية المتعاونة معه قد تحمّله الطلاب الذين كانوا في ذلك الوقت يشكلون القوى الحية والمناضلة في سورية، ويكوِّنون، أيضاً، العنصر المحرك للعمل القومي.
هذا الجانب الذي رافق تأسيس حركة البعث العربي كان له عميق الأثر في البنية النهائية للحركة سواء على الصعيد السياسي أم على الصعيد الأيديولوجي ولسوف يطبع هذا الأثر المرتبط بظروف النشأة والتكوين مجمل حياة الحزب فيما بعد.
إن تكوين الحركة من فئة الطلاب والمثقفين كان وسيبقى إلى فترة طويلة من السمات المميزة لهذه الحركة وكان مجال عملها وتأثيرها واسعاً وفعالاً في المدارس الثانوية والجامعة السورية منبت الزعماء السياسيين ومعقل العروبة وموئل المعارضة ضد الاحتلال الأجنبي والقوى السياسية التقليدية، كما قال رئيس المؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي جلال السيد.
وفوق كل ذلك كانت العفوية والحماس من أبرز مظاهر الحركة، ولم تعط إلا قدراً يسيراً من الأهمية لبنيتها الفكرية والتنظيمية، وبقي ما يتحدث به وما يكتبه الأستاذان عفلق والبيطار هو الموجه الفكري والسياسي لأعضاء البعث، لذا لم يتم بناء جهاز حزبي صلب مسلح بمنطلقات فكرية وسياسية واضحة ومتماسكة، ولسوف يترك ذلك آثاره لفترة طويلة على الحزب خصوصاً في سورية.
لقد أرسيت القواعد الأيديولوجية الأساسية لحركة البعث أثناء المرحلة الأولى من تأسيسها ما بين 1943ـ 1944 ومن خلال خوض معارك متعددة، سواء على الصعيد السياسي أم على الصعيد الأيديولوجي ضد جميع القوى السياسية التي كانت موجودة دون استثناء، من الشيوعيين إلى الإخوان المسلمين، إلى السوريين القوميين مروراً بالكتلة الوطنية وقوة الاحتلال.
معارك ونضال حركة البعث :
لقد خاضت حركة البعث قبل مؤتمرها التأسيسي وإنشاء حزب البعث العربي في 7 نيسان 1947 معارك عديدة على الصعيدين السياسي والأيديولوجي، من بينها:
أولاـ على الصعيد السياسي:
أ ـ معركة الجيش والاستقلال: أصدر مكتب ( البعث العربي ) بياناً، مؤرخاً في 4 شباط 1945، هاجم فيه سياسة الحكمة واللباقة التي تتبعها حكومة الكتلة الوطنية في مواجهة السلطات الاستعمارية الفرنسية. ومما ورد في هذا البيان: إن الحكومة استمرت في تطبيق أسلوبها المتقن في المفاوضات العقيمة... وكانت الحكومة تعلل خلالها الشعب بالآمال الكاذبة ولا يتورع رئيسها عن التصريح في مجلس النواب تارة بأنه استلم الجيش وتارة بأنه استلم بعض مصفحاته، وتارة أخرى بأن المفاوضات تتقدم في سبيل استلامه ولقد طالب البيان باستلام "جميع كتائب الجيش" وبتشكيل حكومة إنقاذ قومية دستورية. فما كان من الحكومة إلا أن عمدت إلى زج صلاح البيطار في السجن، وإحالته إلى القضاء.
ب ـ الحملة على شكري القوتلي: في بيان أصدره مكتب البعث العربي في 8 آذار 1945، بعنوان (حول خطاب فخامة رئيس الجمهورية) ومما جاء فيه: (إن رئيس الجمهورية يدلي بتصريحات لا تعبر كلها عن رغبات الشعب، ولا تمثل إرادته القومية... ويعطي لنفسه حقوقاً أكثر من التي يسمح له الدستور بها. وكانت مناسبة البيان أن القوتلي ألقى خطابا في المجلس النيابي تناول فيه موضوع الوحدة العربية وكشف عن دخوله في محور مع الملك عبد العزيز آل سعود والملك فاروق لمحاربة الوحدة العربية، بحجة محاربة مشروع سورية الكبرى، ورغبته في عقد معاهدة مع فرنسا عملاً بنصيحة (تشرشل) رئيس الوزراء البريطاني.
ولقد مارست السلطة الوطنية، بعد هذا البيان العنف ضد الحركة البعثية وقام وزيرُ داخليةِ سُلطةِ الاستقلال بتقليد ممارسات الفرنسيين، فاعتقل صلاح الدين البيطار ونفاه إلى مدينة مدينة الميادين ضارباً عرض الحائط بنصوص الدستور.
ج ـ كانت المعركة الكبرى التي خاضتها حركة البعث هي تعبئة قواها كلها للإسهام في النضال ضد الاستعمار الفرنسي لانجاز الاستقلال التام والتصدي لعدوان القوات الفرنسية على دمشق، ولقد تجددت هذه المعركة القديمة منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها:
1 ـ أصدر مكتب البعث العربي في 16 أيار 1945 بياناً أبرز ما جاء فيه:
نكثُ فرنسا بعهدها الانسحاب من سورية وتآمرها على الاستقلال بإرسالها جيوشاً جديدة (إلى أرضنا بدلاً من تسليمنا جيشنا ومن إجلاء ما لها من قوى عسكرية).
سكوت الفئة الحاكمة عن مماطلة الفرنسيين وخداعهم بدافع الجهل والنفعية، ومطالبةالسلطة الحاكمة أن تنهي المفاوضات مع الفرنسيين في سبيل استلام الجيش السوري من دون الارتباط بأية معاهدة.
ورأى البيان في اشتراك الشيوعيين السوريين مع الفرنسيين في جميع أنحاء سورية باحتفالات النصر على ألمانيا، رأى في هذه الاحتفالات تحدياً واضحاً وقوياً للاستقلال والكرامة القومية.
2 ـ أصدر مكتب البعث في 20 أيار 1945 بياناً دعا فيه الشعب للوقوف صفاً واحداً في وجه العدوان الفرنسي وتأييد الحكومة الدستورية ما دامت قد " أفاقت من غفوتها وغفلتها، وأخذت تسلك طريق الصواب في مقاومة العدوان الفرنسي بالحزم، وأعلن البيان عن تشكيل حركة (فرق الجهاد الوطني) من بين أعضائها،كما أشار إلى جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر وتونس ومراكش فضلاً عن جرائمه في سورية.
3 ـ أصدر البعث بياناً في 9 حزيران 1945 بعد قصف الفرنسيين مدينة دمشق وامتداد عدوانهم إلى بقية الأصقاع السورية، واستُهِلّ البيان بعبارة (لن يعودوا) وطالب بتشكيل (حكومة قومية) تقوم سياستها على برنامج يتلخص في رفض التعاقد مع فرنسا وقطع كل صلة معها وإجلاء قواتها عن سورية ولبنان جلاءً تاماً والشروع حالاً بتشكيل الجيش الوطني والتعبئة الشعبية لصيانة استقلال سورية التام واعتبار قضية سورية ولبنان قضية واحدة والمطالبة بمحاكمة الفرنسيين المسؤولين عن العدوان.
4 ـ وصدر بيان في24 آب 1945 وضّح فيه "البعث" أن الأزمة القائمة في البلاد ليست أزمة وزارية في جوهرها وإنما هي أزمة نظام الحكم بكامله.
5 ـ وفي بيان أصدره بتاريخ 26 كانون الأول 1945 هاجم "البعث" اتفاق بيفن ـ بيدو ورفَضَه رفضاً قاطعاً، ورأى في هذا الاتفاق البريطاني ـ الفرنسي الاستعماري التفافاً على استقلال سورية ولبنان.
6 ـ أصدر البعث في 4 آذار 1946 بياناً أعلن فيه أن العرب في جميع أقطارهم يؤيدون مصر العربية في نضالها الصلب من أجل استقلالها ووحدتها وجلاء الإنكليز عن أرضها.
7 ـ أرسل مكتب البعث العربي بتاريخ 6 نيسان 1946 برقية موجهة إلى أمين الجامعة العربية والحكومات العربية احتجاجاً على عقد المعاهدة الأردنية ـ البريطانية لأن أسوأ ما فيها أنها (تضمن للصهيونية الآثمة تحقيق أغراضها في فلسطين).
8 ـ دعا البعث في بيان له بتاريخ 2 أيار 1946 إلى إضراب عام شامل، في يوم الجمعة الثالث من أيار، احتجاجاً على قدوم اللجنة، التي عينتها حكومتا بريطانية والولايات المتحدة، إلى فلسطين، والتي أعلنت مقترحاتها طالبة إرسال مائة ألف يهودي إلى فلسطين في الحال، وإباحة الهجرة الصهيونية المطلقة، وإعادة حرية بيع الأراضي لليهود، ورفض قيام حكومة عربية في فلسطين.
9 ـ وفي 24 أيلول 1946 وجه البعث العربي برقية إلى الأمانة العامة للجامعة العربية بالقاهرة يطلب فيها تدخلها السريع لوضع حد لعدوان فرنسا ولنصرة عرب المغرب نصرة فعّالة.
ثانياً ـ على الصعيد الأيديولوجي :
كانت عقيدة الحركة قد تبلورت وصدرت في كراسة في العام 1943 تحمل عنوان (أهداف وغايات) وكانت تعبيراً دقيقاً عن مستوى النمو الفكري الذي بلغته الحركة في تلك المرحلة المبكرة في البدايات. والأسس التي أُرسيت في تلك المرحلة هي:
ـ عقيدة البعث بالضرورة عقيدة شعبية.
ـ عقيدة الحزب عقيدة ثورية انقلابية، لا تؤمن إلا بالحلول الجذرية.
ـ عقيدة الحزب قبل هذا كله وفوق هذا كله عقيدة عربية، هدفها الأول بناء الوطن العربي الواحد والقضاء على داء التجزئة الدخيل.
والنظرة الأولى التي أطلّ منها البعث هي النظرة العربية الشاملة، النظرة إلى واقع الأمة ومستقبلها، والتطلع من خلالها إلى الغد العربي الجديد، الغد الموحد القوي.
ثالثاً ـ على الصعيد التنظيمي :
كان لابد للتنظيم أن يعبر ويجسد النواحي الأيديولوجية، ولذا فإن التنظيم يجب أن يكون:
ـ تنظيماً شعبياً، يعتمد الجماهير الكبيرة المحرومة.
ـ تنظيماً ثورياً انقلابياً، يقوم على العناصر الثورية المناضلة الصلبة .
ـ تنظيماً ديمقراطياً لا مجال فيه للتفرد، تنظيما ينطلق من القاعدة إلى القمة، وتقوده قيادة جماعية منتخبة.
ـ تنظيماً عربياً شاملاً، لا تنظيمياً قطرياً محلياً، وهذا التنظيم العربي الشامل هو أول تطبيق عملي لمعنى الوحدة وأول السير المنظم في سبيلها.
ـ صدور جريدة البعث
كان الأستاذان عفلق والبيطار قد تقدما في سنة 1943، باسم مكتب البعث العربي بطلب امتياز لإصدار جريدة البعث العربي، وماطلت الحكومات المتعاقبة بإعطاء الموافقة، و عملت على منع حركة البعث من إصدار جريدة ناطقة باسمها مدة ثلاث سنوات، بعد أن أصرت على أن لا تسمى الجريدة (البعث العربي).
ولكن تلك المرحلة الغنية بالخطوات الإيجابية في حياة حركة البعث وفي نضالها السياسي وفي نمو تنظيمها وانتشارها بين الجماهير، حققت حدثاً عظيماً وانتصاراً كبيراً بفوزها الحصول على ترخيص بإصدار صحيفة يومية تنطق باسمها، وهي جريدة (البعث) التي أصبحت منذ ذلك اليوم لسان حال البعث (حركة وحزباً) والناطق باسمه، سواء على صعيد المواقف السياسية أو على الصعيد العقائدي، وصدر العدد الأول منها يوم 3 تموز 1946 ومقاله الافتتاحي للأستاذ عفلق بعنوان "بذور البعث"، وكان المقال الافتتاحي للعدد الثاني 4 تموز للأستاذ البيطار وعنوانه "مرحلة الانقلاب".
ساء الفئة الحاكمة ما كانت تقوم به الجريدة من حملات نضالية لدعم الحريات العامة، وتمكين الشعب من انتخاب ممثليه بصورة مباشرة – تعديل قانون الانتخاب وجعل التصويت على درجة واحدة-، فأقدمت بعد حوالي الستة أشهر من صدورها على تعطيل الجريدة بموجب قرار لها بتاريخ 18 كانون الأول 1946، ولم يسمح لها بالصدور إلاّ في 22 كانون الثاني 1947.
المؤتمر التأسيسي 4 ـ 6 نيسان1947
تقدم أعضاء الهيئة المركزية التنفيذية لحزب البعث (ميشيل عفلق، صلاح الدين البيطار، مدحت البيطار) بتاريخ 10 تموز 1945، وعملاً بأحكام المادة السادسة من قانون الجمعيات، بطلب إلى وزارة الداخلية يعلمونها فيه بتأليف حزب البعث القائم "على مبادئ قومية وأفراد تتمثل فيهم هذه المبادئ" كما نوه مقدمو الطلب بوجود نزعة سائدة عند بعض رجال الحكم لإعاقة الهيئات والأحزاب التي لا يقوم من دونها حكم دستوري صحيح، كما أبدوا أملهم أن تسيطر الروح الدستورية على النزعة الشخصية في مثل هذه الشؤون القومية، وأن يُقابل الطلب بما يستحق من تقدير وترحيب وبعد نظر، فيرخص للحزب بأداء مهمته في جميع المناطق السورية وفي مختلف نشاطه.
وأُرْفقت مع هذا الطلب نسختان من مبادئ الحزب ونظامه.
في سنة 1947 كان الحزب قد نما في سورية، و خصوصاً في الفئات المثقفة، وكان جلّ أعضائه من الشباب دون الثلاثين، وكان قد كسب سمعة بارزة في سورية كما وصلت سمعته إلى الأقطار المجاورة: الأردن، لبنان، فلسطين، العراق.
وسار الزمن مسيرته وخاضت حركة البعث، خلال ما يقارب السنوات السبع، أي منذ ظهورها، صراعاً سياسياً يومياً ضد الاحتلال الأجنبي والحكومات المتعاقبة للكتلة الوطنية والقوى السياسية الأخرى، ولقد انتهت هذه المرحلة الأولى من تكوّن البعث بعقد المؤتمر التأسيسي الأول في مقهى الرشيد في دمشق ما بين الرابع والسادس من نيسان 1947 وساد الاجتماع جوٌ من الغبطة والارتياح، وكان الاجتماع مفتوحاً لكل عضو عربي في الحزب ومن أي قطر عربي كان، وبلغ عدد الحاضرين ما يربو على مئة عضو، ولقد أقر المؤتمر خلال انعقاده:
ـ دستور الحزب الذي عرَّف حزب البعث العربي بأنه حركة قومية شعبية انقلابية تناضل في سبيل الوحدة العربية والحرية والاشتراكية وتضمّن المبادئ الأساسية:
المبدأ الأول: وحدة الأمة العربية وحريتها.
المبدأ الثاني: شخصية الأمة العربية.
المبدأ الثالث: رسالة الأمة العربية.
وكذلك تضمن المبادئ العامة ومنهاج الحزب في سياسته الداخلية والاقتصادية والاجتماعية وفي التربية والتعليم.
اعتبر البعث أن المبادئ التي وردت في دستوره أنها وحدها المستقاة من واقع العرب والقادرة على إنقاذهم، وأن هذه المبادئ هي مسألة بقاء أو لا بقاء لهم، وأن الدارس لدستور البعث يدرس به مبادئ الكفاح العربي وأهدافه.
كان ميلاد البعث بدستوره إيذاناً بقيام حركة تقدمية ثورية، وطُموحاً إلى يقظة حضارية سيحققها العرب في جميع نواحي الحياة، وستظل هذه الأهداف منارة إلى جميع المناضلين الشرفاء وجماهير الأمة العربية ونبراس الأجيال تنير أمامهم طريق الكفاح القومي لتحقيق الواقع التاريخي الموعود للأمة العربية.
مصادر البحث
سلسلة نضال البعث.
في سبيل البعث للأستاذ ميشيل عفلق.
البعث، جلال السيد.
البعث، سامي الجندي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب مروان حبش (البعث وثورة آذار)
يتبع
وجهة نظر عن سبب نجاح عدد غير مسبوق من حزب جبهة العمل الإسلامي في الانتخابات البرلمانية في الأردن
كأنّ الغرب الأوربي الأمريكي بصدد فرض طبعة جديدة مزيدة ومنقحة من مؤامرة "الربيع العربي"؟
محاولات لتدبير انقلاب في أنغولا.. هذه هي الرواية كاملة
حوار في الجيوبوليتيك.. مقاربات كمال خلف الطويل
حوار المناضل والكاتب السياسي عدنان بدر حلو مع مجلة الهدف
الفلسطينيون والخلل في نهج المقاومة وفي المفاوضات
لماذا حدثت انقلابات خمسينات القرن الماضي؟
دراسة لصلاح جديد حول مشروع الوحدة المقترحة بين العراق وسورية 1979
لمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي السوري.. منظمة كفربو- كيف سقينا السنديانة الحمراء
قسد تسقي "اسرائيل".. والحكسة تموت عطشاً!
حول المسألة الكردية
التعبئة والفساد.. اوكرانيا تحكمها عصابات
حوار تحليلي معمق مع الدكتور حسن أحمد حسن.. إعداد محمد أبو الجدايل
حركة هواش بن اسماعيل خيربك ١٨٤٦-١٨٩٦ م
حوارات السوريين.. بين مؤيدين للدولة ومعارضين لها