كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ماذا تعرف عن تدمر.. عروس الصحراء

عبد الرحيم أحمد

تذخر سورية بالمواقع الأثرية التي تعد شاهداً على عراقة هذا البلد ودروه في بناء الحضارة الإنسانية، وقد قال عنها باحث الآثار الفرنسي الشهير أندريه بارو المدير السابق لمتحف اللوفر والذي ساهم في فك شيفرة أول أبجدية في العالم، بموقع أوغاريت على الساحل السوري. "لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان: وطنه الأم وسورية".

ومن المواقع الأثرية البارزة التي ينبغي على كل سائح يقدم إلى سورية أن يزوره، هو مدينة تدمر الأثرية التي تتوسط البلاد في محافظة حمص على بعد نحو 220 كم شمال شرق العاصمة دمشق و150 كم شرق مدينة حمص.

لقد تمتعت تدمر عبر التاريخ بموقع جغرافي مميز في البادية السورية فكانت محطة لقوافل التجارة بين الصين والهند وبلاد فارس في الشرق، وحضارات البحر الأبيض المتوسط في الغرب، فيما عرف تاريخياً باسم طريق الحرير مستفيدة من الواحة الخضراء التي تحيط بالمدينة من أشجار التمر التي نمت بفضل نبعها التاريخي الذي يدعى "نبع أفقا".

تاريخ المدينة

تشير المصادر التاريخية إلى أن أول ذكر لمدينة تدمر يعود إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وقد اتسم اسم المدينة بمعاني "القوة " بحسب اللغات التي ذكرت بها، فكان اسمها يعني باللغة الأكادية “بلد المقاومين” وباللغة الآرامية السورية القديمة "البلد الذي لا يقهر" وباللغة الآرامية كان يطلق عليها "تدمرتو" وتعني "الأعجوبة".

ولاحقاً أطلق اسم "بالميرا" على مدينة تدمر باللغات اليونانية واللاتينية والأوروبية الحديثة وهي تعني "مدينة النخيل".

وبحسب المؤرخ الدكتور محمود السيد قارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية فقد سكن الإنسان منطقة تدمر منذ العصر الحجري القديم، تدل على ذلك الأدوات الحجرية المكتشفة في المواقع المحيطة بالمدينة ولاسيما في الثنية البيضا والدوّارة وجرف العجلة والكوم و بئر الهمل.معبد اللات

كما تشير المكتشفات الأثرية إلى أن المدينة ازدهرت في أواخر عصر البرونز القديم في الفترة الواقعة ما بين 2200-2100 قبل الميلاد وبرزت فيها صناعة الفخار.

الأقوام التي مرّت على تدمر

نظراً لأهمية موقع تدمر على طرق التجارة بين الشرق والغرب فقد كانت هدفاً للإمبراطوريات والدول المجاورة، وتشير المصادر إلى أن المدينة خضعت لحكم الدولة الكلدانية أو البابلية الحديثة “612 – 539 ق.م” وفي القرن الخامس قبل الميلاد سيطرت عليها الدولة الأخمينية الفارسية.

استولى الإسكندر الكبير المقدوني على المدينة لتخضع بعد وفاته للدولة السلوقية التي حكمت سورية في الفترة الواقعة ما بين 312 – 64 ق.م، وبعد احتلال الرومان لسورية عام 64 ق. م ألحقت تدمر بالإمبراطورية الرومانية لكنها حافظت على استقلاليتها وتعاظم دورها التجاري في مطلع القرن الثاني الميلادي.

ومنحت تدمر في عهد الإمبراطور الروماني هادريان "117-138م" لقب المدينة الحرة فسنّت لنفسها قوانين نظّمت شؤونها وحددت بموجبها الرسوم التجارية، يؤكد ذلك نص القانون المالي الذي تم اكتشافه عام 1881م المدون باللغة الآرامية التدمرية والذي نُقل إلى متحف الارميتاج في سان بطرسبرغ الروسية.

شهدت تدمر في تلك الفترة بقيادة الملك التدمري أذينة أو أوديناثوس مرحلة من الازدهار والقوة، وخصوصاً بعد مقتله عام 267 م واغتيال ولي عهده هيروديان عام 268 م، وتولي زوجته زنوبيا الحكم وصاية على ابنهما وهب اللات، التي عملت على توسيع نفوذها إلى مصر والأناضول الأمر الذي اعتبره الإمبراطور الروماني "اورليان" تهديداً لمصالح الإمبراطورية الرومانية، فهاجم المدينة على رأس جيش جرار واستولى عليها بعد معارك طاحنة عام 272م، وتم أسر الملكة زنوبيا ونقلها إلى روما.

في القرنين الخامس والسادس الميلاديين أصبحت تدمر إحدى مراكز الغسانيين حلفاء دولة الروم البيزنطيين إلى أن فتحها المسلمون عام 634م بقيادة خالد بن الوليد، وشهدت المدينة ازدهاراً في ظل الدولة الأموية وتوسعت شرقاً وجنوباً، لكنها تعرضت للإهمال في قترة الخلافة العباسية.

تعرضت المدينة لزلزال مدمر في بداية القرن الحادي عشر، لكنها عادت ونهضت في القرن الثاني عشر الميلادي خلال فترة حكم البوريين، أتابكة دمشق وفي عهد الأيوبيين خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين وعهد المماليك خلال القرنين الثالث عشر والخامس عشر الميلاديين. وفي العهد العثماني “1516-1919م” تعرضت تدمر للإهمال.

الاكتشافات الأثرية وأهم معالم المدينة

كانت تدمر محط اهتمام علماء الآثار الغربيين في القرن الثامن عشر والتاسع عشر حيث زارها العديد من علماء الآثار والباحثين وفي عام 1881 اكتشف العالم الآثاري الروسي أباماليك لازاريف نص القانون المالي التدمري الذي نقل فيما بعد إلى متحف الأرميتاج في سان بطرسبرغ الروسية، وهو أطول النصوص المالية من ذلك الزمن وأكثرها أهمية.

بعد استقلال سورية أولتها الدولة اهتماماً كبيراً وبدأت البعثات الأثرية الأوروبية والوطنية تعمل على استكشاف تدمر التي ارتبط اسمها بالملكة الشجاعة زنوبيا.

أهم الأوابد الأثرية في تدمر

تظهر الأوابد الأثرية في مدينة تدمر التخطيط العمراني المتطور والفن الهندسي والنحتي الرائع الذي بلغته المدينة، وتعكس التطور الحضاري والاجتماعي والثقافي لأهلها، ففيها من المعابد والمسرح والطرق والساحات والشوارع والحمامات والمدافن والأعمدة ما يؤكد علو كعبهم في البناء والتخطيط والتجارة والثقافة.

المعابد.. معبد بل

يعتبر معبد "بل" من أكبر وأشهر المعابد الدينية في الشرق القديم، وهو معبد رب الأرباب مثل جوبيتر الروماني و زيوس اليوناني، كما كرّس للإلهين يرحبول (رب الشمس) وعكليبول (رب القمر)، أي أنه كان مقراً لمجمع الأرباب التدمريين. بني عام 32 م، واكتمل بناءه في القرن الثاني الميلادي. أبعاده 210×205 م، وارتفاع جدرانه حوالي 14 م. ويتألف المعبد من ساحة مغلقة بسور وهيكل ذو محرابين أمامه رواق معمّد. كان للمدخل ثلاثة أبواب، عرضه 35 م وعلى جانبه برجان، وكان له درج فخم.

معبد نبو

ويعتبر أحد الأوابد الأثرية المهمة في مدينة تدمر ويقع وسط الحرم الأثري، تأخر اكتشافه حتى عام 1960 على يد بعثة فرنسية، ويأخذ شكل شبه منحرف بشكل مختلف بذلك عن جميع المعابد التدمرية التي تأخذ شكلاً مربعاً.

ويمتاز المعبد بطرازه الشرقي، له ثلاثة مداخل باتجاه الشارع الطويل ومدخل رئيسي بالجهة الجنوبية المقابلة، تحيط به أروقة وأعمدة ذات تيجان كورنثية عليها زخارف وعلى جانبيها ثلاث غرف متصلة مباشرة بالأروقة الداخلية تفضي إلى باحة يتوسطها هيكل المعبد الذي يوجد في صدره محراب لتمثال الإله نبو.

معبد بعل شمين

يقع المعبد في الحي الشمالي من المدينة ويعود تاريخ بنائه إلى عام 32 م، وكان مخصصاً لإله الكنعانيين سيد السموات وإله الخصب والمطر بتدمر، وتم اكتشافه ما بين عامي 1954 و1956. ويعتبر هذا المعبد الوحيد الذي بقي محافظاً على شكله الأصلي، إذ يتألف بناؤه من الحرم وساحتين شمالية وجنوبية تحيط بهما الأروقة وجبهة مثلثية وتضم المذبح.

تعرض المعبد للتدمير عام 2015 من قبل تنظيم داعش الإرهابي عبر تفجيره بعبوات ناسفة أدت إلى وقوع دمار كبير فيه. وتعمل الحكومة السورية بالتعاون مع روسيا الاتحادية على إعادة ترميم المعبد بعد تحرير المدينة من التنظيم.

معبد اللات

يقع في الحي الغربي من المدينة، ويتألف المعبد من باحة مستطيلة أبعادها 28×72م. يتوسطها حرم أبعاده 10×19م أمامه بهو فيه ستة أعمدة. يحيط بالحرم رواق أعمدته كورنثية، اكتشفت فيه تمثال مرمري للربة اللات، وتمثال أسد اللات وتم ترميمه. وهو موجود حالياً في مدخل متحف تدمر.

من أهم معالم المدينة الأثرية المسرح الذي بني على شكل نصف دائرة قطرها 20م، تحيط به مدرّجات بقي منها 13 درجاً، وتقع أمام الأوركسترا منصة التمثيل بطول 50 متراً وعمق عشرة أمتار وهي مزدانة بأعمدة رشيقة.

يعد مسرح تدمر التاريخي من أجمل المباني الأثرية بطرازه الروماني الذي يشتمل على مقاعد حجرية مرسومة بدقة فنية متناهية ومدرجاته التي تفصل بينها ممرات موزعة بشكل شعاعي.

وللمسرح خمس فتحات لأبواب الدخول مزينة بجبهات مثلثية الشكل والباب المركزي يفتح نحو الداخل بمحور نصف دائري وفي حائط البوابة ثقوب لتعليق البرنامج والعروض التي كانت تعرض فيه من الكوميديا والتراجيديا والموسيقا.

الشارع الطويل

يمتد الشارع الطويل على مسافة 1،6 كم من المدخل الرئيسي لمعبد بل إلى بوابة دمشق، ويتألف من أربعة أقسام، يمتد الأول من بوابة المعبد حتى القوس، ويمتد الثاني بين القوس والمصلّبة “التترابيل”، ويمتد الثالث بين المصلبة وهيكل الموتى.

ويمتد الرابع حتى بوابة دمشق وفي الرواق الشمالي من الشارع المستقيم يوجد هيكل حوريات الماء وقد برز عن بقية الأبنية. وهو بحيرة ماء نصف دائرية، أمامها بهو فيه أربع أعمدة قواعدها مربعة.

قوس النصر

قوس النصر وله ثلاثة مداخل وتتبعه أعمدة يبلغ عددها 150 عموداً وارتفاع الواحد منها سبعة أمتار.

نبع أفقا التاريخي

يعود الفضل لهذا النبع في نشوء مدينة تدمر باعتباره شريان الحياة لها ولواحتها الخضراء، يتدفق ماء النبع من كهفٍ في جوف جبل المنطار ويمتد أكثر من 350م، مياهه معدنية كبريتية، حرارتها ثابتة في كل الفصول (33 درجة)، ويصب نحو (60 ليتراً) في الثانية، وقد جرى ترميمه مؤخراً من قبل الدولة السورية بالتعاون مع الجانب الروسي.

المدافن التدمريةوادي القبور وتبدو فيه المدافن البرجية

تفنن التدمريون في إشادة مدافنهم وقد اشتهرت المدافن التدمرية بأشكالها وأنواعها وزخارفها المعمارية، وتنوعت بين مدافن برجية على شكل البرج المربع وهي أقدمها، وأشهرها مدافن إيلابل المؤلفة من أربعة طوابق، ومدافن البيت التي ظهرت في القرن الثاني الميلادي كما في وادي القبور وأشهرها مدفن مارونا في المقبرة الشمالية.

أمّا أكثر المدافن انتشاراً في تدمر فهو المدفن الأرضي ويعود إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديين، وهي مدافن محفورة في الطبقات الصخرية على شكل جناح في الصدر وأجنحة جانبية. وتحفر في الجدران صفوف متوازية من المعازب العميقة، وفي كل معزبة نحو ستة قبور بعضها فوق بعض.

المصادر:

- وزارة الثقافة السورية – المديرية العامة للآثار والمتاحف

- اكتشف سورية

- الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا)

Britanica-

- ناشيونال جيوغرافيك

- موقع فليكر للصور .. .flicker.com

Syrian Heritage Archive-

موقع نثري