كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

أهزوجة وداع رمضان في القدموس

يا أمة طه

يا أمة طه
يا خير الأنام
والقمر يغرّب
في شهر الصيام
أهزوجة وداع رمضان، ما تفتأ تعود بي إلى أيام الطفولة، وأنا أسمعها الآن بعد عقود عديدة من مكبرات الصوت المعلقة في أعلى المئذنة، مئذنة عمرها يزيد عن ثمانمئة عاماً، مبنية من الحجر الكلسي المصقول، وفي داخلها درج حجري ملتف، كنا نتجاوز صعوبة الصعود ونحن صغار نسابق بعضنا بعضاً كي نلحق بشيخ الجامع الذي يسبقنا بهمة عالية رغم كهولته، ثم ندور خلفه في أعلى المئذنة مرددين بكثير من الحبور:
يا أمة طه .. يا خير الأنام
وكان صوتنا يصل إلى أنحاء القدموس دون مكبرات، فالسيارات نادرة، ولا أصوات غير أصواتنا، وما من امتداد واسع للبلدة في ذلك الوقت.. وربما تساهم حالة الخشوع في سماع أفضل.
أهزوجة ما قبل العيد، هي العيد، هي ذكريات الطفولة، هي رائحة الطهر في طفولتنا، هي شهر رمضان الذي أحببنا، لأننا سننعم عند الإفطار بأطايب نفتقدها في أوقات أخرى.
أهزوجة تُدمع العين، وأنا أسمعها من أطفال هم الأبناء والأحفاد، يرددونها بذات الحبور الذي ملكناه منذ زمن، فالعيد عندهم يبقى عيداً بكل معانيه.
صوت هو الفرح، ينسينا ولو لبعض الوقت كل أصوات النكد التي حملتها هذه الأيام، أصوات لم ولن تطفئ أصوات الطهر في نفوس أطفالنا.
وكل أهازيج الدنيا وأغانيها لن تعدل في نقائها هذا الصوت الطفولي الرتيب وهو يردد:
يا أمة طه .. يا خير الأنام
محمد عزوز
كتبت عام 2014
(لوحات قصصية برسم الطبع)