كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

مسلة الملك ميشع "الحجر المؤابي" The Mesha Stele

د. إليان مسعد- فينكس

مسلة ميشع "الحجر المؤابي" هي شاهدة تاريخية كتبها الملك ميشع، ملك المملكة المؤابية التي ظهرت في وسط الأردن في القرن التاسع قبل الميلاد، وتعتبر من أقدم المسلات التاريخية في بلاد آرام (سوريا) والتي يخلد فيها انتصاره على بني إسرائيل في عام 850 ق. م، حيث يعتبر ذكرهم فيها الأقدم حتى الآن.
اكتشفت المسلة في ذيبان عاصمة المؤابيين في عام 1868 على يد أحد الرهبان الألمان العاملين في القدس وهي محفوظة الآن في متحف اللوفر في باريس، كما يوجد نسخ طبق الأصل منها في متحف الآثار الأردني في عمّان ومتحف قلعة الكرك. وتتكون المسلة من 34 سطراً منقوشة على الحجر البازلتي الأسود، كانت تعرف في القرن التاسع عشر بـ"الحجر المؤابي". تبلغ أبعاد المسلة كالتالي: 124 سم ارتفاعاً، 71 سم عرضاً وهي مقوسة من الأعلى.
مسلة ميشع "الحجر المؤابي"
النقش يروي قصه الملك ميشع ملك مؤاب الذي وحد مملكته وحارب العبرانيين وحرر أرضه من احتلالهم، وبحسب الرواية التوراتية تلقى دعماً من حليفه ملك آرام دمشق وميشع بعد أن قام ببناء مدينة قير حارسة (الكرك) لينقل عاصمة دولته إليها لتكون مقر قيادة جديدة لدولته تلك المدنية التي زهت به وكرمته بأن اتخذت من مسلته شعاراً لفعالياتها الثقافية لعام 2009. فالثقافة لا تورق إلا إذا كانت متجذرة في الأرض وملتحمة بالتاريخ شجرة وارفة الظلال وشمساً ساطعة في السماء نعتز بإرثنا التاريخي ونقدمه نبراس معرفة وأساساً لحضارات إنسانية مرت بنا وتركت فينا جذوراً لتاريخ لا ينضب.
وأهم ما يقال عن النقش، لأهميته التاريخية، أنه يشكل رواية مكتوبة عن تاريخ بقعة مهمة من أرض العرب، كما يعكس مرجعاً مهماً لفهم اللغة والميثولوجيا المؤابية وشكل السياسية والدولة المؤابية القديمة بكل تجلياتها.
ولعل من المهم في هذه العجالة تقديم ترجمة موضوعية للنقش تظهر أهمية آثارنا في مختلف العصور، وأهمية المحافظة عليها لتقديم صورة أكثر وضوحاً لمجمل تاريخ الجماعات الإنسانية التي مرت على أرضنا، وسنقدم خلال العام مجموعة من الدراسات التحليلية للنقش لإبراز كافة الجوانب الحضارية التي يقدمها النقش لسبر أسراره وتقديم صورة أشمل لمختلف جوانب الحياة في مؤاب القديمة.
ترجمة النقش كما وردت عند الدكتور يحى العبابنة في كتابة اللغة المؤابية في نقش ميشع:
"أنا ميشع بن كموش ملك مؤاب الدبياني، أبي ملك على مؤاب ثلاثين سنة، أنا ملكت بعد أبى، وأنشأت هذا المكان المرتفع نصب لكموش "صنم" بقرحة، لأنه أعانني على كل الملوك، ولأنه أراني في أعدائي (أتاح لي فرصة لتغلب على أعدائي)، أما عمري ملك إسرائيل فإنه عذّب مؤاب أياماً كثيرة، حتى غضب كموش على أرضه، فأعقبه ابنه وقال سأعذب مؤاب في أيامي، قال: فنظرت إليه والى بيته، وإسرائيل باد باد إلى الأبد (ضربتهم ضربه قاضية) ورث عمري كل أرض مهدبا، وسكن بها في أيامه، ونصف أيام ابنة أربعين سنة، وأرجعها كموش في أيامي، فبنيت بعل معان، أنشأت بها اشوح (بركة)، وبنيت قريتان (مدينة) وكان آهل جاد (من بني إسرائيل) يسكنون في أرض عطرت (مدينه) من زمن بعيد، فعمر ملك إسرائيل عطرت، فحاربت المدينة أخذتها (فتحتها) وقتلت كل آهل المدينة، فقرت عين كموش ومؤاب، ورددت من هناك هيكل دوده، وسحبته أمام كموش بقريت (اسم مدينة) وأسكنت آهل شران وأهل محرت، فقال لي كموش اذهب وخذ نبه (اسم جبل) من بني إسرائيل، فسرت بالليل، وحاربت بها من مطلع الفجر إلى الظهر، وأخذتها، وقتلت جميعهم وهم سبعة آلاف رجل وأمراه وجارية، وأحرمتهم (قدمتهم قربان) لعشتركموش، وأخذت من ذلك المكان يهوه وآتيت بها إلى كموش، وملك إسرائيل عمر يهص (اسم مدينة) وسكن بها وهو يحاربني، فطرده كموش من أمامي، وأخذت من مؤاب مائتي رجل من عظمائهم، وسيرتهم إلى يهص وأخذتها (فتحتها) فضمتها إلى ديبان، وأنا بنيت قرحة وحمت هيعرن، وحمت هعوفل (أسماء ثلاث مدن)، فبنيت أبوابها وبنيت أبراجها، وأنا بنيت بيت الملك، وأنشأت البركتين بقرب المدينة، ولم توجد بئر في داخل قرحه، فقلت لشعب: اجعلوا لكم آباراً في بيوتكم، وأنا قطعت الأشجار على أيدي الأسرى من بني إسرائيل، وأنا بنيت عراعر (مدينه) وأنا مهدت الطريق إلى ارنن، وأنا بنيت الأنصاب، لأنه كان (تخرب)، وبنيت بصرى (مدينه) لأنها كانت خرابا ديبان خمسين، لأن ديبان خضعت لي وأنا حكمت وأنا بنيت الأنصاب، لأنه كان (تخرب)، وبنيت بصرى (مدينة) لأنها كانت خرابا (لان) مائة المدن إلى ضمتها إلى الملكة... وأنا بنيت مهدبا وبيت دبلتان وبنيت بعل معان، وسيرت إليها غنم البلاد وحورنان (مدينه) وأسكنت و.. فقال لي كموش انزل لتقابل كموش، فنزلت.. كموش في زمن و.. من ثم.. وأنا..
لكن العبرة الهامة التي انطوت عليها قضية الحجر المؤابي لم تكن ذات علاقة وثيقة بشؤون أمم العالم الغربي ودوله بأشكالها، ولعل المهووس بالأحجار القديمة فمما قاله الشيخ احمد بن طريف زعيم قبيلة بني حميدة لكل من ترويت - دريك وبالمر، حين قاما بزيارة مضاربه: "أنتما أيها الإفرنجيان، لو جئتما الى هنا قبل إثني عشر شهراً وعرضتما علي جنيهاً أو إثنين، لحصلتما على ما شئتما من الحجارة بما فيها حجر ذيبان، أما الآن فقد جعلتمونا نعرف قيمة الحجارة المكتوبة، وبات العرب أخيراً مدركين أهميتها".