عبد اللطيف شعبان- فينكس:

الكهرباءُ حاجةٌ ماسّة كالماءِ والغِذاء، وواقعُ الكهرباءِ المُزمن من تقنينٍ مديد وانقطاعٍ عديد أكبرُ من أن يُطاق، فقد يكونُ منَ الجائزِ استمرارُ ذلكَ لأيّام، أو لأشهُر في أسوأ الحالات، ولكن منَ المُستغرب استمرارهُ المديد والتلويحُ  بذلك لسنواتٍ قادمة، فقد أفادت وزارةُ الكهرباء أنَّ التحسُّنَ الذي سيحدث في النصفِ الثاني من هذا العام يُقدَّر ب (20%) من خلال إضافةِ /400/ ميغا واط ل /2000/ ميغا واط المُولَّدة حاليّاً، بعدَ إعادةِ تأهيلِ عددٍ من محطّاتِ التوليد، والشبكة الكهربائيّة مربوطةٌ معَ بعضِها البعض كما نعلم..

كما تفيدُ معلوماتُ وزارة الكهرباء أنَّ "سورية" ستحصلُ على نسبة (8%) منَ الكميّة التي سيورّدُها "الأردن" إلى "لبنان"،  وتُقدّر بـ (18 إلى 20) ميغا واط، وذلكَ بعدَ إعادةِ تأهيلِ خطّ الرّبط الكهربائيّ مع "الأردن".

والفائدة من هذا الرّبط ليسَ في حصّةِ "سورية" منَ الكهرباء، بل باستقرارِ الشبكة الذي سيُنهي مُشكلةَ الحماية التردّديّة؛ وهيَ (فصلُ التيّار وعودتهِ أكثرَ من مرّة خلالَ فترةِ وصلِ الكهرباء)، كون الشبكة ستُصبح كبيرةً جدّاً وباستطاعةٍ عالية، وبالتالي تُحافظ على التردُّد، وتمتصّ الصَّدمات، ولن يهبطَ التردُّد إلى القِيَمِ التي تؤدّي إلى فصلِ الحمايةِ التردّديّة.

المُلفِت للانتباه أنَّ محطّاتِ توليدِ الكهرباء القديمة التي تعمل على الغاز تشكو من قلّةِ الغاز، ووزارةُ الكهرباءِ تقول أنّهُ "لكي تُحَلَّ مُشكلةُ الكهرباء بشكلٍ نهائيّ لا بدَّ من تأمينِ الغازِ اللازمِ لعملِ المحطّات، كون هناك محطّات جاهزة لوجستيّاً، لكنّها متوقّفة عنِ العمل، بسببِ عدمِ توفّرِ الغاز، وبالتالي نحنُ جاهزونَ لتغطيةِ /24/ ساعة كهرباء بمجرّدِ توفُّرِ الغاز، ونحتاجُ كميّة /18 مليون متر مكعّب/ لهذهِ الغاية".

وهُنا من حقَّ المواطن أن يقول: "أليسَ منَ المُفترضِ ألّا تكونَ هذهِ المُشكلة قائمة؟، لأنّنا سمِعنا خلالَ السنواتِ الماضية عن اكتشافِ آبارَ عدّة للغاز، وجميعُها تقع في الأراضي الآمِنة.

وقبلَ أيّام أعلنت وزارةُ النفط عن اكتشافِ بئرِ غازٍ جديدة، أمّا محطّاتُ التوليد التي تعمل على الفيول المُتوفّر بوفرة، فهيَ بحاجةٍ لصيانةٍ مستمرّة، وقِطَعِ غيار لا يُمكن تصنيعُها محليّاً، كما أنَّ تكلفتَها كبيرة، ويجري العملُ على تأمينِها منَ الخارج..

أوَ ليست هيَ حالٌ مُستغربة؟.. المحطّاتُ الجاهزة التي تعمل على الغاز تعملُ بشكلٍ مَحدود بحُجّةِ ما ينقصُها من الغازِ رغم آبارهِ العديدة، والمحطّاتُ التي تعمل على الفيول الفائض مُعطَّلة جزئيّاً أو كُليّاً، ما هذهِ التبادليّة التعاكسيّة؟!

وكم كانتِ الحكوماتُ السّابقة ذكيّة عندما أقامت مَحطّاتٌ عديدة ومُتنوّعة، تحاشياً لحُصولِ أيِّ أزمة، وكمِ الحاجةُ ماسّة لإداراتٍ ذكيّة منَ الحُكومة الحاليّة تُحسنُ استثمارَ هذهِ المحطّات لتُخرجَنا سريعاً من حالةِ العُتمة التي كادت تَدهمُنا!، وهل سيكونُ لتساؤلاتِ أعضاءِ مجلسِ الشعب الأخيرة جدواها معَ وزيرِ الكهرباء؟، وهل من ثمرةٍ تُرتجى من مُطالبة رئاسة مجلس الوزراء لهُ باتّخاذِ الإجراءاِت المُناسبة لتخصيصِ أكبرِ كميّةٍ مُمكنة منَ الطاقة الكهربائيّة المُتاحة للاستهلاك المنزليّ خلالَ العشرة أيّام المُقبلة، أمامَ مشكلةِ المُواطن التي تتمثّلُ في أنَّ نسبةً غير قليلة منَ المسؤولين لا يُدركونَ صعوبةَ انقطاعِ التيّار الكهربائي، لأنّهُم لا يُعانونَ من ذلك، لا في مكاتبهم ولا في منازلهم، وتوفّر الطاقة عندَ آلافِ الصّناعيين الكبار في المُدن الصناعيّة، يقابلهُ انقطاع التيّار عن عشراتِ آلافِ الصناعيّينَ المُتوسّطين و الصغار والحرفيّين الذينَ هُم في الأحياءِ والقُرى، ويحتاجُ البلد لإنتاجهِم. 

    إنَّ التحسُّنَ القليل الموعود يدلّل على أنَّ أزمة التيّار الكهربائيّ طويلة الأمد، وتزايد الطاقة المُنتجة من شركاتِ الألواح الشمسيّة قليل جداً، وعزمُ الشركات الخاصّة في هذا الاتّجاه متوقّف على حجمِ الأرباحِ التي تطمحُ بها، ووزارةُ الكهرباء أفادت أنَّ العنفتين الريحيّتين اللتين تمَّ إدخالهُما في حمص مؤخّراً وباستطاعة (5) ميغا واط كفيلتان بإنارةِ حيٍّ أو حيَّين فقط، لكنَّ الطاقات الريحيّة التي وُضِعَت ضمن استراتيجيّة الوزارة هيَ (800) ميغا واط طاقة ريحيّة لعام /2030/..!         

لقد استفحلت صرفيّاتُ المواطنين على الشواحن والبطاريّات، واللّيدّات، والمولّدات، والأمبيرات خلال السنوات الماضية، كما أنَّ تكلفة الطاقة البديلة المُقترحة منزليّاً تبلغ حوالي /15/ مليون ليرة، وملايينُ الأُسَر لا تملِك المبلغ، كما أنَّ هذهِ الصرفيّات الكبيرة كافية لإقامةِ محطّاتِ توليدٍ كبيرة، وليسَ إصلاح المتوقّف فقط، عدا ما نجمَ عنها من تلوّثٍ بيئيّ لهُ عواقبهُ الوخيمة، فقبلَ أيّام أفادَ رئيس اتحاد غُرَف الصناعة السورية أنَّ في "حلب" وحدها حوالي /1300/ مولّدة أمبير في الشوارع، تأخذ من المواطنين /35/ ملياراً كلّ شهر، وهذا المبلغُ الكبير يدفعهُ المواطنون نتيجةَ غلاءِ الأسعار، ويُضعِف من قُدرة التصدير بسببِ ارتفاعِ كلفة السِّلعَ المُنتجة، وهذا المبلغ يعادل ثمن محطّة توليد (١٢٠) ميغا واط سنوياً، كما أنّهُ منَ المعروف أنّ مولّدات الأمبير والمولّدات العاديّة تحتاج وقوداً نفطيّاً لتشغيلها.

  واقعُ الكهرباء المؤسي بينَ يدي الحكومة مُجتمعة، والمطلوب دراسات دقيقة وإجراءات حكيمة وسريعة توضَع في سُلَّم الأولويّات. ومُخطئٌ مَن يُحمّل شركات الكهرباء في المُحافظات المسؤوليّة، فما هيَ إلّا جهةٌ مُوزِّعة لِما يَرِدُها من حصّتها من الطاقة المُولَّدة، فرغمَ مُعاناةِ شركة كهرباء طرطوس من سرقةِ الكابلات، وعدم توفّر بعض المواد الخاصّة بالمُحوّلات، ونقص توفّر الآليات والمحروقات، فقد نفّذت خلال الشهرين الأخيرين من العام الماضي أعمالاً عديدة مهمّة منها تجهيز /6/ مراكز تحويل أرضيّة وهوائيّة، واستبدال /20/ محوّلة أرضيّة وهوائيّة، وعناصر الطوارئ في جاهزيّة تامّة ليلاً نهاراً، وقد تمكّنت من خفض الفاقد حتى (13.6)% بدلاً من (22)% في السنوات الماضية، فالكهرباء أزمة بلد لا أزمة مُحافظة، والعِلاج مركزيّ بالدرجة الأوُلى، ويستحقّ الأفضلية الأوْلى.

   لعلَّ حكومَتنا العتيدة تستفيدُ من علاقاتنا المتطوّرة جداً ومجدداً مع الصديقة "الصين"، وتطلب من هذهِ الدولة القويّة مساعدتنا في حلّ أزمة الكهرباء بأسرع ممّا تعدُ به وزارة الكهرباء، خاصّةً وأنَّ "الصين" تملك طاقةً إنشائيّةً كُبرى في الكثير من المجالات، وقد بنت مؤخّراً برجينِ جديدينِ لنقلِ الطاقة الكهربائية في الصّين على جانبي أطول أنهارها، وقد حطّما الرقم القياسي العالميّ في الارتفاع، إذ بلغ ارتفاع البرج (385) متراً، كما يزن البرجان حوالي /13/ ألف طنّ، وسينتج المشروع (28.9) مليار كيلو واط / ساعة من الكهرباء، ما يكفي لتزويد ملايين الأسر بالكهرباء.

ومؤخّراً نقلت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية عن مؤسّس إحدى الشركات الاستشارية في الشرق الأوسط أنَّ الصينييّنَ سيُعيدون بناء شبكة الكهرباء في سورية، وسيستلمونَ مشاريع البنية التحتيّة الكبرى، والأمل بالعمل.