كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

إذا انتهت الحرب في أوكرايينيا فربما هدأت الحال في سوريا؟

د. عبد الوهاب أسعد

من بعد التحالف ما بين الإتحاد السوڤييتي وأمريكا وهزيمة ألمانيا النازية جرى في يالطا تقسيم النفوذ في أوروبا والعالم ما بين ستالين وروزفلت، وإنتقلت زعامة الغرب الإستعماري من بريطانيا إلى أمريكا. ولكن سرعان ما دخل القطبان الشيوعي السوڤييتي والرأسمالي الأمريكي في التنافس بين النظامين وما أسمي بالحرب الباردة. ومع ذلك ومن وقت لآخر كانت تحصل صفقات وتوافقات لإنهاء أزمات سياسية حربية ولكي لا يصل الطرفان إلى المواجهة المباشرة.
ومن أبرز هذه الصفقات كانت أزمة الصواريخ في الستينات في كوبا، أيام خروتشوف كينيدي، ومن ثم في سنة ١٩٧٠ إنهاء اليسار العربي من بعد مقتل عبد الناصر والقضاء على حكم الأتاسي- جديد في سوريا، من بعد ذلك وفي نهايات الثمانينات جاءت إتفاقيات رايكيافيك ما بين غورباتشوف وريغن لطرد القوات الروسية من شرق أوروبا، وتوج الأمر بإنهاء الإتحاد السوڤييتي ما بين ييلتسين وبوش.
من عادة الأمريكان أنهم لا يقبلون بوجود منافس، فكيف بندّ لهم وخصوصا في مناطق نفوذهم. ولذلك أطلق أوباما تصريحه بالقول بأنه سوف يحول روسيا إلى دولة إقليمية. سعت أمريكا للوصول بقوات الناتو إلى الحدود الروسية، كما أنها باشرت بعد ذلك بالتغلغل في المحيط الروسي، ودخلت أمريكا أوكرايينيا (حيث الثروات والصناعات والأراضي الخصبة وخطوط نقل الغاز إلى أوروبا) والهدف هو السيطرة على أوكرايينيا ومنع التعامل الإقتصادي ما بين روسيا وأوروبا وإسقاط الطرفين. وقد نجحت أمريكا إلى حد كبير في هذا المسعى، وأجبرت أوروبا على تمويل الحرب الأوكرايينية وعلى تحمل تبعات مقاطعة روسيا إقتصاديا وشراء الأسلحة وعناصر الطاقة باهظة الأثمان من أمريكا. أرهقت روسيا إقتصاديا وعسكريا ومجتمعيا وأصبحت بحاجة ماسة لإنهاء الحرب العبثية المكلفة في أوكرايينيا، وهنا جرت الصفقة الشهيرة في نهاية العام الماضي بمقايضة نفوذ روسيا في سوريا في مقابل تخليصها (بشوية مكاسب جغرافية خصوصا جزيرة القرم مركز الأسطول الروسي ومناطق تواجد التابعية الروسية في شرق أوكرايينيا)، وتواجد محدود على شواطيء شرقي المتوسط في حميميم وطرطوس. وعلى ما يبدو أن الأمريكان موافقون (في الظرف الحالي) على هذه المطالب الروسية.
توصل ترامب إلى الحصول على توقيع التعيس زيلنسكي بالإستيلاء على غالبية الثروات المعدنية لأوكرايينيا (هذا ما هو معلن، وما خفي لا نعلمه بعد)، وأما بوتين فمازال يحارب وكأنه غير راض بعد عن حصته؟!
ولكن وماذا عن حصة أوروبا أكبر الخاسرين في الحرب من بعد أوكرايينيا وروسيا؟
في الأيام الأخيرة عادت بريطانيا إلى أوروبا وعقدت إتفاقيات إقتصادية مع الإتحاد الأوروبي لتخفف من آثار (البريكست) قبل سنوات، كما أن رئيس حكومة بريطانيا شارك بالظهور مع زعامات أوروبا من ألمانيا وفرنسا وبولونيا لدعم زيلنسكي، وضمنا للإعتراض على التوافق الأمريكي الروسي في أوكرايينيا وسوريا، وخروج أوروبا (من المولد بلا حمص). ولأول مرة من بعد الحرب العالمية الثانية تظهر بريطانيا عدم ولائها المطلق لأمريكا ولو بحياء ظاهر، ولكن أوروبا خسرت في حرب أوكرايينيا الكثير ويبدو أنها سوف تخرج منها بخفي حنين إلّا ربما بجوائز ترضية؟!
ولكن لماذا ومن يقف وراء الهجوم الإسلامي الجهادي على القاعدة الروسية في حميميم؟
من المعروف تاريخيا أن النفوذ البريطاني خصوصا في المنطقة العربية قد إنتقل إلى أمريكا من بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن بقي لبريطانيا قواعدها وأدواتها المخابراتية وخبرتها الفاعلة في المنطقة والتي توظف بالتفاهم مع الأمريكان، (وفي هذا المجال تندرج جميع الحركات الإسلامية وخصوصا الجهادية). ولكن هذا لم يمنع بريطانيا من إظهار إمتعاضها من تبعية الحليف التاريخي الأكبر أمريكا والأمر لأدواتها الجهادية في المنطقة بوخز شوكة في جانب روسيا التي أصبحت منبوذة ومحدودة القوة والتواجد في سوريا، وذلك للتذكير بالنار بوجود بريطانيا وأوروبا ومطالبتها بحصتها من أوكرايينيا وغيرها؟!
بتقديري بأن هذا الهجوم على القاعدة الروسية لن يسبب خلخلة وضعها في سوريا في الوقت الحاضر، فمازال الأمر مبكرا ولكنه برأيي آت لا محالة.
قلت قبل عدة أشهر بأن منطقة شرق المتوسط أصبحت منطقة نفوذ أمريكية وبأنها تحت السيطرة الإسرائيلية، وبأن أمريكا لا تقبل إطلاقا بشراكة أحد غيرها في النفوذ ولذلك فإن تواجد الروس أصبح مؤقتا، خصوصا وأن روسيا قبلت بالتبعية لأمريكا.
بقي قول كلمة أخيرة بالشأن السوري وهي أن أمر السوريين بأيدي أصحاب القوات الأجنبية المحتلة وأن على السوريين ولكي يخففوا من الإبتزازات والتنازلات أن يتوافقوا فيما بينهم (ومهما كانت الجراح فاغرة) من أجل مستقبل بلدهم مستقبل الأجيال القادمة.
حمى الله سوريا.