كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

حرائق كاليفورنيا وتداعياتها السياسية وانعكاساتها على الشرق الأوسط

رسل جمال- فينكس

عندما تغضب الطبيعة لا يقف شيئاً أمامها، وهي مثال حي لاختبار عجز الانسان، تُعد حرائق الغابات في كاليفورنيا واحدة من الكوارث الطبيعية الأكثر تدميرًا في الولايات المتحدة، حيث تزداد حدتها عامًا بعد عام بسبب تغير المناخ وسوء إدارة الغابات، و خلفت هذه الحرائق آثارًا عميقة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخل الولايات المتحدة، ولها انعكاسات محتملة على السياسات البيئية والطاقة العالمية، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط.

ان من أهم التداعيات السياسية لتلك الحرائق هو التغيير في  السياسات البيئية، اذ  أصبحت حرائق كاليفورنيا رمزًا لتغير المناخ وتأثيراته الكارثية، الأمر الذي  دفع إلى تصعيد النقاش السياسي حول السياسات البيئية في الولايات المتحدة. لأن تلك  الحرائق تمثّل ضغوطًا على الحكومة الأمريكية مما يدفعها لتعزيز سياساتها المناخية، وتبني استراتيجيات أكثر صرامة للحد من الانبعاثات الكربونية، وهو ما ينعكس على المفاوضات الدولية بشأن المناخ.

كذلك شكلت تلك الحرائق ضغوطاً سياسية داخلية، أدت الى توجيه انتقادات حادة للحكومة الفيدرالية وحكومات الولايات حول سوء إدارة الغابات وضعف البنية التحتية  في التعامل مع الكوارث، يضع هذا الأمر ضغوطًا على صناع القرار لتعزيز الجهود الوقائية والاستثمار في البنية التحتية.

أما التداعيات الاقتصادية لتلك الكارثة، فقد كانت الضربة القاصمة بالنسبة للولايات المتحدة إذ تسببت حرائق كاليفورنيا في خسائر اقتصادية ضخمة، لمنطقة تعد الأغنى وجل سكانها من المشاهير ممن يمتلكون قصورا فارهة تحولت الى رماد ، ومن المعلوم ان تلك البيوت الضخمة تم تأمينها بمبالغ طائلة مما يمثّل ضغطاً هائلاً على الحكومة في محاولتها لتغطية تكاليف التأمين لتلك الممتلكات تشمل الأضرار  كذلك التكاليف المرتبطة بإخماد الحرائق وإعادة الإعمار، اذ تؤدي هذه التكاليف إلى استنزاف الموارد الحكومية وتؤثر على الاقتصاد المحلي والذي يعاني من الأساس من حالة ركود!

أما التأثير على قطاع التأمين، فهو الأكثر سوء فقد كانت الضربة القاصمة بالنسبة للولايات المتحدة، إذ تسببت حرائق كاليفورنيا في خسائر اقتصادية ضخمة، ومن المعلوم ان عشرات آلاف البيوت الضخمة، والتي صارت رماداً، تم تأمينها بمبالغ طائلة مما يمثل ضغطاً هائلاً على شركات التأمين في محاولتها لتغطية تكاليف التأمين لتلك الممتلكات، لذلك ستزاداد مطالبات التعويض بشكل هائل، الذي قد يؤدي هذا إلى ارتفاع أقساط التأمين، الأمر الذي  يضيف عبئًا ماليًا على السكان والشركات.

ولا ننسى التأثير على الزراعة، إذ تعد كاليفورنيا من أكبر الولايات الزراعية في الولايات المتحدة، وحرائق الغابات تؤدي إلى تدمير الأراضي الزراعية والمحاصيل، مما يؤثر على الإمدادات الغذائية ويزيد من أسعار المنتجات الزراعية.

كما ان التداعيات الاجتماعية التي تسببت بها  الحرائق أدت الى  نزوح آلاف السكان من منازلهم، مما أدى إلى مشكلات اجتماعية تشمل انعدام الأمن السكني والبطالة، كما يزيد الضغط على المرافق والخدمات في المناطق التي تستقبل النازحين.

لم يقف الامر الى هذا الحد بل شمل تداعياته على الصحة العامة اذ تؤدي الحرائق إلى تلوث الهواء بشكل كبير، مما يسبب مشكلات صحية للسكان، مثل أمراض الجهاز التنفسي، وهو ما يتطلب استجابات صحية طارئة.

أما الانعكاسات حرائق كالفورنيا على الشرق الأوسط  فتتلخص: بالتأثير على أسواق الطاقة لأن تلك الحرائق تؤثر على إنتاج النفط الأمريكي وتزيد من تقلبات أسعار الطاقة عالميًا، الأمر الذي يؤدي  إلى ارتفاع أسعار النفط، وهو بدوره يؤثر على اقتصادات الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط،  مما يعزز من أهمية التنويع الاقتصادي في هذه الدول.

كذلك تعزيز السياسات البيئية، إذ مع تصاعد تأثير الكوارث الطبيعية مثل حرائق كاليفورنيا، قد تواجه دول الشرق الأوسط ضغوطًا متزايدة لتبني سياسات بيئية أكثر واقعية وجدية لتجنب مثل هكذا كوراث و قد ينعكس هذا على استثمارات الدول في مصادر الطاقة المتجددة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

كذلك قد يدفع الجميع الى التعاون الدولي،  في مواجهة تغير المناخ والكوارث الطبيعية، وقد تكون هناك فرص لتعاون أكبر بين الولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط في مجالات التكنولوجيا البيئية وإدارة الكوارث.

في الختام لا يمكن اعتبار ان ما يحدث من كوارث طبيعية مثل حرائق كالفورنيا ولوس انجلوس كارثة طبيعية بحته، بل هي رد الهي؛ فالدمار الذي امتد للأرواح والممتلكات هو  إشارة للارواح التي أزهقت بالشرق الأوسط وعلى مدار عامين على مرأى ومسمع العالم كما حصل في غزة وجنوب لبنان  وذلك بسب  معاونة وتواطؤ الولايات المتحدة ودعمها المستمر للكيان الصهيوني المعتدي،  ان الأزمة التي تمر بها الولايات المتحدة لا يمكن اعتبارها مجرد كارثة طبيعية، فهي أزمة  متعددة الأوجه وستترك آثارًا سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة داخل الولايات المتحدة، وتنعكس على العالم.