الضبع
2022.07.07
أحمد غانم- فينكس:
مرات كثيرة كنا نقضي ساعات ما قبل الغروب في مشاهدة الصراع الدامي بين كلبين جعاريين (وهي كلاب حراسة بلدية شرسة) في عراكهما على ما تركه الضبع من بقايا جيفة بقرة نافقة أو حمار نافق. كانا يلهثان ويصدران في غمرة هيجانهما تلك الأصوات الكلبية الغريبة. وكان الواحد منهما ينشب أنيابه في جسد صاحبه فتسمع عواء مبحوحاً من شدة الألم. يتوقفان أحياناً وكأنها هدنة متفق عليها بين الطرفين، فيسرع كل منهما إلى جرن صاحبه يتزود بما تيسر له من ماء ويعود إلى المعركة من جديد.
وكثيراً ما فكرت أن هذا الذي يسمونه وفاء عند الكلب ليس أكثر من طاعة الرقيق لمن يقيده ويطعمه بعد أن ماتت فيه عزيمة الحرية والطبيعة.
ولكن ليست الأهمية والعبرة في صراع كلبين! فهذا قد يحصل لأي سبب وفي أي وقت. ما لم أفهمه هو تلك النخوة الكلبية التي كانت تنتقل إلى أصحاب الكلبين. وغالباً ما كانت تتوج تلك النخوة بتكسير أطراف الخصم إضافة إلى الكدمات التي لا تحصى. ويرافق ذلك زغردات النساء مع كل هجوم ناجح تنتج عنه إصابة الخصم إصابة بليغة. وتمتزج دماء المتصارعين فلا تعود تميز بين دماء الكلاب ودماء أصحابها. فكلا النوعين نتجا عن نخوة كلبية جعارية.
كما يترتب على هذه المعارك العبثية ذات الطابع الجعاري عداء بين جيران وأقرباء يرثه الأبناء والأحفاد كإرث ثمين تقتضي الكرامة عدم التفريط به.
وكي أكون صادقاً ليست الغرابة فيما كان يحصل من صراع بين كلاب أو بين أصحاب الكلاب. و لا يستحق ضياع الوقت من أجل تسجيله مع أن هذا الصراع الكلبي كان تنفيساً عن حقد أسيء توجيهه. وإن كان يمكن أن يتم التنفيس على طريقة صراع الديكة في بالي أو أمريكا اللاتينية. ويمكن ان يكون موضوعاً غنياً للتحليل والاستنتاج لعالم انتروبولوجيا. وهي أيضاً ليست حكاية مع أنها أحداث واقعية.
الغريب والعبرة في الأمر أن هذه النخوة الكلبية ما تزال تعيش فينا في الألف الثالثة والخمسين ما بعد بعد بعد الحداثة.
‐-------------
الشخصيات:
- الضبع
- الجيفة.
- كلاب الحراسة.
- حراس كلاب الحراسة وأصحابها.