كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

ألا تبت أيادينا جميعاً.. ج1

باسل علي الخطيب- فينكس

ترى من الذي قال "لايمكن أن تدافع عن الحق إن كنت مستفيداً من الباطل؟!"...
ليس بالضرورة أن تأتيك الكارثة على شكل إعصار أو زلزال، قد تأتيك على شكل أشخاص أو أفكار أو بقايا هلوسات، أو حتى على شكل أغنية، أو على شكل خربشات يسمونها هذه الأيام قصيدة.....
و قد تأتيك أحياناً بأحمر الشفاه مرتدية الكعب العالي، الدراما (الرمضانية) مثالاً...
ما أن يُذكر فعل (تبت) حتى يخطر على بالنا أبو لهب إياه، ألا تشبه كل حوامل ثقافة التفاهة التي تحيط بنا حمالة الحطب إياها؟....
تسألون عن "أبو لهب"؟...
بيننا ألف ألف "أبو لهب"، يغسلون أيديهم كبيلاطس إياه، و هم يرددون: نحن براء من دم ذاك الصديق....
هل سبق و قرأتم رواية (المسيح يصلب من جديد)؟...
أجزم أنه لو عاد السيد المسيح بيننا الآن لسلمناه بأيدينا...
هل نفرق كثيراً بأخلاقنا عن يهودا الاسخربوطي إياه؟!..
ثلاثون من الفضة؟!...
أعتقد أن أغلبنا كان ليرضى بأقل و قد صار المال معبودنا الأول،....
وتلومون مظفر النواب، أنه قد صرخ ذات قصيدة مخاطباً أمير المؤمنين علي: "لو عدت اليوم لحاربك الداعون إليك وسموك شيوعياً"؟....
يومياً تتحفنا الأيام بأخبار عن خلافات بين الأهل أو ضمن العائلة أو بين الاخوة أو بين الأباء والابناء أو ضمن القرية نفسها أو... و أو.... تصل حدود القتل....
نعم القتل....
وكلها نتيجة خلاف على بعض حطام هذه الدنيا....
كم من حادثة كهذه حصلت هنا و هناك خلال الفترة القصيرة الماضية؟...
ما عاد يكفي أن نقول (هذه بضاعتنا ردت إلينا)....
و تسألون لماذا حل بنا كل ذاك البلاء؟!..
أكاد أقع على عقبي من الضحك...
نعم، الأرض الآن ليست هي الأرض..
ماذا عن السماء؟...
هل السماء الآن هي السماء؟...
تتساءلون لماذا هذا السؤال؟..
هذا لأننا أمعنا في إزعاج اللّه...
حقاً، لقد بدأ صراخنا من كثرة صراخنا و كأنه يزعج اللّه...
الكلمات ترتجف...
اليدان ترتجفان....
الزمن يرتحف...
يا صاحبنا الشنفري أين أنت؟...
هل تريدون كمية إضافية من الجاهلية؟.....
نعم، هكذا تترجم العلاقات بيننا على الأرص، حقل واسع من القش، تنام إلى جانبيه عيدان الثقاب...
لا تنسوا الابتسامة الصفراء و الخنجر الذي على الخاصرة...
أو في الخاصرة...
لقد قضي الأمر....
إن اللّه لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم...
هناك من ينتظر ذاك الأمير ليقبل تلك الضفدعة....
هل سبق و سمعتم قصة ليلى و الذئب على لسان الذئب؟...
أنا أكاد أسمعها يومياً...
ألا تبت أيادينا جميعاً...
يا إلهي الأفضل أن نرحل ونرحل إليك..
لا يخطر على بالي وأن أنزف هذه الكلمات إلا منظومة أمثالنا الشعبية، تلك لم تكن إلا إبراً مخدرة، وقد أتت أكلها، تلك الكلمات هي جمل نمضغها ونمضغها، مادامت موضة تخزين القات لم تصلنا بعد....
قالوا أن (حبل الكذب قصير)، وأنه (لا يصح إلا الصحيح).... أتسمعون تلك القهقهة؟...
هذا أنا أضحك...
(الدم لا بصير ماءً) وقد صار زفتاً، وأشياء اخرى، مع الفتحة على حرف الالف.....
(أنا واخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب)، وقد صرنا والغريب على اخونا وابن عمنا وابن خالتنا....
(المصاري وسخ الدنيا)، وقد صارت المعيار الوحيد، بل الأوحد للتفاضل بين الناس....
تريدون أن أكتب لكم عن الفساد؟....
كم نحتاج أحياناً إلى زر (اسخفني)....
ذاك المسؤول وقد ارتقى حيث ارتقى، ألم يكن يوماً ما بيننا؟ شرب ماءنا وتنفس هواءنا...
ترى كيف استحال فاسداً؟...
يقول إياه انها المنظومة، مرة أخرى أريد أن أضحك...
إذاً كيف تكون الرجال رجالاً؟ أليس بالمواقف؟ وهل هي الحياة إلا موقف صدق مع الذات؟...
أم أننا أتينا الدنيا، نعب من الدنيا كل مانشتهي حتى ولو حراماً، أو عبر الأكثر حراماً، وبعد ذلك نكتب: هذا من فضل ربي؟!
من هو ربك هذا الذي تشكره؟... أنا لا أعرفه....
أرى فقط ابليساً إياه يضحك في تلك الزاوية....
وطبعاً لابأس أن نتحف المواطنين بين الفينة والأخرى بمحاضرات عن آفة الفساد، وطرق الصمود.....
ذاك التاجر الذي يرفع على هواه الأسعار هو منا...
الموظف الذي يرتشي أو يتقاعس عن عمله هو منا....
البائع الذي يطفف في المكيال هو منا.....
المهندس الذي يغش المواصفات هو منا....
الطبيب الذي يتاجر بمرضاه ومعاناتهم هو منا...
رحل الدين الذي يبيع آخرته بدنياه هو منا....
المعلم الذي تحولت عنده تلك الرسالة إلى ذاك القسط الشهري هو منا....
المحامي الذي يقلب الباطل حقاً هو منا...
القاضي الذي نسي ذاك الميزان هو منا....
ذاك الرفيق الذي ينافق هو منا.....
ذاك المسؤول الذي يكاد كرشه يندلق حراماً هو منا.....
شوفير السرفيس الذي يبيع المازوت هو منا....
اولئك الإخوة الذين يتطاحنون على بضعة أمتار هنا أو هناك هم منا...
ذاك الذي حرم أخته الميراث هو منا...
تلك التي تسعى بالفتن بين أهل زوجها هي منا....
ذاك الذي يتنمر على جاره و جار جاره هو منا...
تلك التي ما همها إلا منظرها الخارجي، حتى لو اشتغل زوجها بعد عمله شوفير شحن أو شوفير صينية أو شوفير قضية، هي منا...
ذاك أو تلك الذين يستنفرون مجلس حقوق الإنسان و مجلس الأمن إن نهرت المعلمة ابنهم الذي بلا أدب أبداً، هم منا...
ذاك الذي يصلي الفجر و يرتشي في الظهر هو منا...
تلك التي تجعل من طفلتها ذات الخمس أعوام عارضة أزياء مع كل الاكسسوارات من حمرة شفاه و طلاء أظافر هي منا...
هل أتابع؟...
وأيم اللّه لو أن لأفعالنا روائح لزكمت الأنوف من الروائح النتنة، و لما طقنا الجلوس إلى بعضنا البعض....
وتحدثوني عن الامبريالية؟....
كم نحن شاطرون بالحديث والكتابة عن الفساد، ونحن صرنا نتنفسه...
على سيرة الضفدعة اعلاه، مالنا جميعاً (نفوعر) أعيننا كلما سمعنا عن حادثة كالحوادث لتي ذكرتها أعلاه؟ نتفاجىء وكأن أمهاتنا قد توحمن فينا على ضفادع....
أليس مايحصل نتيجة طبيعية لكل ذاك الحرام الذي استوطنا؟ ولانجيد في مواجهته إلا النقيق...
مرة أخرى، ثقافة الضفادع إياها....
ألا تبت أيادينا أجمعين، ألا تبت أيادينا جميعاً...