أن تكون رب أسرة في غزة!
عبد الباري فياض- فينكس- فلسطين المحتلة
يستمر القصف الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة وتستمر المعاناة ولا يعرف الآباء كيف يحمون أطفالهم إلا من خلال فطرة الأبوة فيحضتنونهم ويحملونهم ويتنقلون بهم بين الركام، ومنهم من يحمل أشلاء فلذات كبده.
أكثر من 1.5 مليون مواطن فلسطيني يعيشون مأساة كل يوم، فبعد أن رحلتهم إسرائيل من بيوتهم وهدمتها فوق رؤوسهم، تواصل قوة الاحتلال الغاشمة حصارهم من كل الاتجاهات حتى تقتلهم جميعهم.
مئات الأسر المرّحلة إلى مراكز الإيواء في رفح ومدارس الأونروا التي تفتقر أبسط مقومات الحياة، تعيش مع مشاعر الخوف من المستقبل، وخاصة الآباء الذين لا يرون أي نقطة أمل نحو مستقبل أفضل لأبنائهم أو أسرهم، فتخيل أن تكون رب أسرة في غزة!
تحت أحزمة القصف الإسرائيلي الوحشي الذي لا يتوقف ليلا أو نهارا، يعيش الأباء في خيام الإيواء محتضنين أسرهم وأطفالهم الصغار، يحاولون تخفيف وطأة الحرب عليهم بحديثهم عن الأمل في التحرر من الاحتلال الإسرائيلي وعودة الأرض لأصحابها من جديد، وكأنهم يطلقون شرارة الأمل في نفوس أبنائهم بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة وعليهم دور ورسالة في تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي وإعادتها لأصحابها.
وفي الواقع، الحياة في مخيمات الإيواء أشبه بالمآسي التي لا تتوقف، فتتجسد يوميا في فقر العيش وعدم تواجد ما يسد رمق الصغير قبل الكبير وغياب الرعاية الصحية وتوقف كل أشكال الحياة من مدارس وأسواق وعمل، ولكن على الرغم من كل هذا يسعى رب الأسرة في كل صباح إلى الوقوف على كل كبيرة وصغيرة، فالأب دائما هو بطل الرواية، فيصحو على أصوات صواريخ الاحتلال، فيحتوي عائلته وبعد هدوء القصف، يبدأ في البحث عن توفير أبسط متطلبات الحياة لها.
وفي كل صباح، يذهب الآباء باكرا إلى مراكز المساعدات للبحث عن خبز أو طحين يسد جوع الأسرة ولا سيما الأطفال، أو أي متطلبات أخرى تساعدهم على البقاء على قيد الحياة.
وفي مشهد أخر، هناك أب يلاعب أبناءه الصغار صباحا، وآخر يجمع أشلاء أولاده بين الركام.. فرجال غزة يعانون معاناة مركبة نتيجة تعرضهم للموت أو الجرح أو الأسر، يضاف إلى ذلك معاناة ثقيلة تفرضها عليهم مسؤوليتهم عن جميع أفراد عائلتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، من حمايتهم وتوفير المأوى والمأكل والمياه النظيفة لهم، فهناك رجال يبكون بحرقة لكن لا يظهرون ذلك لأن أسرهم عهدتهم شامخين يواجهون الموت بشجاعة.
وتبقى قوة الإرادة والصمود والشجاعة عند رجال غزة، ولكن وسط حرب الإبادة الجماعية الأخيرة لم ينج رجل من فقدان أحد أبناء أسرته أو إصابته أو وقوعه هو أو ابن أو ابنة في أسر الاحتلال وأحيانا يفقد كل أفراد أسرته، وفي مشهد آخر ظهر رجال ينبشون بأيديهم بيوتهم المقصوفة بحثا عن جثث أبنائهم أو بقايا أشلاء.
وفي مشهد ثالث، يجوب الرجال الشوارع حفاة بحثا عن الماء أو أي شيء يقتات به الأبناء حتى الحشائش وأعلاف الحيوانات، ورغم أن قوات الاحتلال تلاحقهم لكنهم لا يتأخرون عن السعي والبحث عن خبز أو غذاء أو "جركن" مياه نظيف لأسرهم.
في مشهد رابع، يبكي الرجال قهرا وهم يشاهدون أبناءهم يتضورون جوعا ويشربون المياه الملوثة أو يموتون مرضا في خيام الإيواء دون وجود أي مستشفى أو طبيب يعالجهم، كما تفتك بهم الأمراض ويحاصرهم الاحتلال في كل حدب وصوب، وأخيرا يطاردهم شبح التهجير القسري.. لكنهم يظلوا صامدين، شامخين يستقبلون المتبقي من أعمارهم بابتسامة أملا في النجاة وعودة الديار لأصحابها.
وبعد كل هذا، كيف لك أن تكون رب أسرة في غزة!