كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

هل من يعمل لسكن اجتماعي اقتصادي تفرضه الظروف الراهنة؟

عبد اللطيف شعبان:
لعقود مضت، فرضت الظروف الاجتماعية والاقتصادية وجود جمعيات تعاونية سكنية اهتمت بتأمين – وأمَّنت – مساكن لمئات آلاف ممن انتسبوا واكتتبوا عليها في جميع المحافظات، وبقي مئات آلاف المنتسبين ينتظرون مأمولا غير مؤمَّل، نظرا للتعثر الكبير الذي أصاب قطاع التعاون السكني تتابعيا، خلال العقدين الأخيرين، وللتزايد المتراكم في ارتفاع تكاليف البناء، بما يزيد كثيرا عن قدرة المكتتبين المادية، ما تسبب بفقدان الأمل بمسكن تعاوني لجميع من لم يستفيدوا من منتسبيها، وكثيرون من أبناء الريف والمدن استطاعوا بناء مساكنهم بجهودهم، ورافق ذلك انتشار ظاهرة السكن العشوائي في أطراف العديد من المدن السورية.

تتنامى الحاجة الماسة للمساكن بشكل تصاعدي، أكان ذلك للأسر القديمة المحتاجة التي هي رهن حالات استئجار قلقة، زمانا ومكانا، وأجرا، ومعهم من تهدمت مساكنهم بسبب الإرهاب الذي اجتاح العديد من المناطق لسنوات، يضاف لذلك أعداد الأسر الجديدة التي تتشكل تتابعيا في الأوساط الاجتماعية مع كل حالة زواج بين صبايا وشباب الجيل الناشئ، فالسكن (المأوى) حاجة أساسة للحياة كالطعام والشراب والملبس.
إن الارتفاع الكبير المتصاعد في جميع مستلزمات البناء (هيكل وإكساء)، يقف حاجزا مانعا أمام تفكير مئات آلاف الأسر في الإعداد لبناء مسكن لأبنائها كما كان معتادا قبل سنوات، لأن الدخل المتاح بين يديها يكاد يكون موجها بأكمله لحاجات الاستهلاك اليومي، وليس بمقدور الشباب الناشئ – وتحديدا العاملين في الدولة- الإعداد لذلك لأن مصروفه الشخصي يستهلك معظم راتبه، وليس بمقدوره الاستئجار لأن الأجر الشهري لأبسط مسكن يفوق مجمل الدخل الشهري الوظيفي بكثير، مع استثناء شريحة أصحاب المليارات ورجال الأعمال وبعض المهنيين والتجار الذين بمقدورهم ذلك (بناء أو شراء أو استئجار) بنسب متعددة.
هذا الواقع يفرض وجوب الإعداد الرسمي والشعبي لإيجاد مخرج يساعد في تأمين سكن لشريحة الفقراء وما أكثرهم، في ضوء المطلوب والمتاح والممكن، أكان بناء أو شراء أو استئجاراً ولو بمساحة قليلة، وخاصة للشباب المقبل على الزواج، ما يوجب على تجار البناء أن يخصصوا أبنية تتضمن مساكن قليلة المساحة (بين 30 – 60 م2) تناسب شريحة من أموالهم بعشرات الملايين، إلى جانب المساكن ذات المساحات الكبيرة التي يبنونها لشرائح لها القدرة على شرائها أو استئجارها.
ولكن يبقى الهم الأهم بخصوص تأمين المساكن للشريحة الكبيرة التي لا إمكانية لها في التأسيس لذلك، فواقع الحال والمنظور المستقبلي يظهر أنهم محرومون من فرصة تأمين مسكن بيتوني – استئجارا أو بناء أو شراء – والمستأجر مهدد بالإخلاء حال لم يواكب ارتفاع أجور السكن، وأسر كثيرة أصبح أبناؤها في سن الزواج الذي يتطلب مسكن غير ممكن التحقيق بسبب عدم وجود دخل يغطي ذلك، ولا بديل عن ذلك، كما كان معهود سابقا، يوم كان ابن الريف يستطيع بناء مسكن من الحجر والطين والخشب، فكلفة هذا المسكن اليوم أصبحت أيضا كبيرة، فجميع مواده ذات قيمة، لا كأيام زمان، وابن المدينة لم يعد يستطيع بناء مسكن في مناطق المخالفات، لأن كلفة هذا المسكن كبيرة جدا.
وترتيبات المعيشة وواقع المساكن والحياة الاجتماعية في هذه الأيام لم تعد تسمح باقتسام المسكن أو غرفة منه بين الأب وابنه، كما كان في العقود الماضية، بوم كان الأب وزوجته وأبناؤه وأولاده وزوجة ابنه في مسكن واحد. ولما كان المسكن حاجة لازمة، وخاصة للأسر الجديدة الشابة، ولكنها غير ممكنة التحقيق، لدى قسم كبير من الأسر، في ظل هذا الغلاء الكبير الفاحش المتصاعد في أسعار جميع المواد، بما لا يتناسب مع الدخل، وطالما لا زواج بلا مسكن: هل من يتفكر بمصير المقبلين على الزواج من بنين وبنات، أم أن على قطار الزواج أن يغلق أبوابه ويقف في مكانه؟
أقترح ألا يكن ذلك في طي النسيان والإهمال الرسمي والشعبي، وغير محسوب له حساباته، وهل من دور أبحاث لدينا معنية بالبحث عن مخرج قبل فوات الأوان؟ وهل وزارة الإدارة المحلية معنية بذلك أم جميع الوزارات؟
البعث