كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

يقول "نيتشي": عن "عاصي" والدراما "النظيفة" في عالم...

أحمد حسن- فينكس:

يقول "نيتشي": لا ينزعج من "عاصي" اليوم سوى اثنين إما من كان جده شبيه لـ"نورس باشا" أو من "زلمه"، وهم كثر، وإما من كان من طبقة "الكلاس" الجدد أو المثقفين "البيض" اللذين تحسّست هرموناتهم السمعية من شتائم غالباً ما يستخدمون أقذع منها في حياتهم اليومية، ولهؤلاء يقول "نيتشي" همساً: أليس ما تعيشونه في حياتكم اليومية أكثر فحشاً من هذه الشتائم؟؟!!.

لكن وقبل أقوال "نيتشي" هذه يجب التأكيد بداية، وبشدّة، على أمرين هامين جداً أولهما، أن هذا ليس دفاعاً عن المسلسل، فلذلك أهله، بل نقاش شبه هادئ في مفهوم "النظافة" في عالم "وسخ"، وثانيهما، أن لكل إنسان حقه الطبيعي والمطلق في أن يحب أو لا يحب، يُعجب أو لا يُعجب، ينقد أو لا ينقد، وحتى أن يشتم -شتائم مهذبة طبعاً!!- أي تصرف أو عمل بشري سواء كان عملاً عادياً أو إبداعياً، بل هذا واجبه أيضاً، أي أن يشارك بجديّة في كل نقاش أو حوار حول ما يحدث أمامه ففي ذلك تتحقق حريته أولاً وإنسانيته ثانياً.
وبالتأكيد أيضاً هناك تخوّف مشروع من التلفزيون ووسائله وتأثيره أكثر من سواه لأنه يدخل إلى كل بيت، لكن ذلك كان في عصر سابق يبدو أن البعض لا زال يعيشه، حيث تجاوزت وسائل التواصل الاجتماعي عتبة البيت وداخله لتلج في رأس ووعي كل فرد منا على حدى دون رقيب أو حسيب، وأصبح التلفزيون، أو كاد -كمصدر "فرجة" جماعية يمكن تحقيق نوع من الرقابة الأبوية عليه بـ"الريموت كونترول"- شيئاً من الماضي بحيث أصبحت الحماية الاجتماعية والأخلاقية في هذا العصر تكاد أن تكون قرينة الغول والعنقاء والخل الوفي في استحالتها المطلقة.
بهذا المعنى يجب إعادة التأكيد مرة جديدة على حق الجميع في نقد أي عمل ابداعي، وهذا "المسلسل" منه، وهناك ما يمكن نقده فيه من أخطاء إخراجية أو تمثيلية، تباين اللهجة مثلاً، أو تنميط الشخصيات (شر مطلق وخير مطلق)، أو سواها، مثل سهولة الوصول إلى البطل ممن يريد قتله، ابن ادريس مثلاً، أو أقوال "نيتشه" ومدى معرفة البطل به وبها، أو ذلك "المطّ" الذي يصيب كل مسلسلات رمضان، وكل هذا نقد مقبول ومطلوب ممن يمتلك فعلاً أدوات وأساسيات النقد الفني، ولسنا منهم على كل حال.
لكن، وبالعودة إلى موضوعنا الرئيس هنا، فإن "البعض" استنكر، في تنظير أخلاقي عن واقع ليس أخلاقياً أبداً، تلك الشتائم الفاضحة والمشينة، وهي كذلك حقاً، التي حفلت بها هذه "الدراما" –وبعضها "أوفر" فعلياً بلغة "الكلاس" والمثقفين البيض- وهو ما ينعكس سلباً، كما يقولون، على أجيالنا الجديدة، وفيها، أي هذه الدراما، أمور مريبة يجري تمريرها بحق بيئتنا وتاريخنا، وهنا مربط الفرس، فأولاً كل عمل لديه أهداف وهذه بدهية لا تحتاج إلى نقاش أما ما هي فذلك ما يقودنا إلى ثانياً، فهل كان تاريخنا أبيضاً ناصعاً وجاءت هذه "الدراما" لتلوّثه أو تمرّر شيئاً مشيناً بحقه؟ وهل كانت "بيئتنا"، في ذلك الظرف التاريخي المعروف إلا كهذا المسلسل أو أكثر؟ وهل كان "نورس باشا" وفعله غريباً عن حياة أجدادنا؟ وهنا من المفيد أن نورد بتصرف مقطعاً من رواية شبه تسجيلية لتلك المرحلة للكاتب "يوسف المحمود" عنوانها "مفترق المطر" يقول فيها أنه وفي إحدى القرى، الشبيهة بقرية "عاصي"، ونضيف من عندنا بل في أغلبها، لا تبقى امرأة نائمة حتى الظهر إلا تلك التي كان دورها بالأمس في خدمة بيت الباشا أو الاقطاعي، وأن "التحصلدار" كان يدخل إلى القرية المنكوبة عند "الموسم" وهو يصرخ بصوت عال عند أم أو زوجة من سأنام هذه الليلة؟ ويقصد بذلك العاجزين عن دفع المعلوم، وأكثر من ذلك، تاريخياً لم يحصل هذا "الباشا" أو ذاك على أغلب أملاكه من الأراضي و"الضيع" إلا عن طريقين، إما لسابق خدمة، وقل عمالة، للباب العالي ثم لكل محتل، أو مقابل "أقة"، أي كوب، من القمح استغل بها فقر الناس وحاجتهم في تلك المرحلة، ثم أورثها لأبنائه "البيض" الذين يكرهون "الزند" وأمثاله اليوم.
أما إذا انتقلنا للواقع الحالي واكتفينا بموضوع "القول" فلنسأل هؤلاء ما "القول" النظيف الذي نطلقه جميعاً، سراً وعلناً، أمام الغلاء والبلاء وجشع التجار وفجور الفجّار من الفاسدين و"نوم" أولي الأمر والرقباء عنهم؟ وأي مفردة "بيضاء" ستعبّر عن موت طفلة من الجوع..نعم الجوع؟ أليس في هذا الفحش الفعلي ما يبرر للفقراء هذا الفحش في اللفظ والقول؟.
أمر آخر، من يتخوف من "الدراما" على الأجيال الجديدة فلينزل إلى الشارع ليسمع ما يقولونه ويتبادلونه فيما بينهم من عبارات سمعوا بها قبل "المسلسل" بوقت طويل، وبالتأكيد عليه أن يخاف عليهم لكن ليس من التلوث السمعي بل من التلوث الأخلاقي العام ومن مستقبل مجهول لم تصنعه الدراما بل صنعه "فحش" الواقع فقط لا غير.  
خلاصة القول، يقول "عاصي الزند": الواقع -ونخشى أن يكون القادم أيضاً- هو عصر مظلم آخر ستكون "الدراما" وشتائمها أنظف ما فيه، فـ"هذه بلاد كلها ملعونة بدم قديم"، ويقول أهلها أن أول دم سفك في الأرض، في الأرض كلها، حصل في "قاسيونها" حين قتل قابيل أخاه، نعم أخاه، هابيل..ثم يأتي من يحدثك عن الشتائم وعن "أمر مريب يريدون تمريره"!