كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

في تمجيد الفرد.. عهد بشار الأسد مثالاً

علاء تلجبيني

عندما كنت أؤودي خدمتي الإلزامية في الجيش، كان المقدَّم الذي أخدم عنده يجلب لي كتبًا ويطلب مني أن أنسخها له كتابةً على دفتر، وكان يمنحني إجازة بعد أن أنتهي من نسخ الكتاب. كانت تلك الكتب عسكرية، وبما أنه كان يُمنع طباعتها، كان بحاجة إلى الاحتفاظ بمحتواها مكتوبًا. كانت فرصة بالنسبة لي لأطّلع على العديد من الكتب في العلم العسكري.
أحد تلك الكتب كان من تأليف بشار الأسد، وطبعًا في ذلك الوقت كان حافظ الأسد هو الرئيس. كان عنوان الكتاب «النوعية في الممارسة العسكرية».
الكتاب كان مثاليًا وفلسفيًا، ولا يشبه شيئًا في واقع الجيش السوري. كثير من العبارات كانت مقتبسة من كتاب «فنّ الحرب» لـ سون تزو وروح كتاب الامير لميكافيللي و كتب أخرى، مع تعديلات على الاقتباسات تُظهر أن بشار يريد أن يبدو مفكرًا ويفهم ما يكتب.
طبعًا، بعد أن نسخت الكتاب كاملًا، عدت وقرأته بتمعّن لأفهم كيف يفكّر هذا الشخص. بدا لي متفائلًا جدًا، وبحكم أنني كنت أعيش واقع الجيش، كان الأمر أشبه بكلام فارغ، خصوصًا أننا كنا نخدم في لبنان، وكانت هناك فصيلة كل عسكري فيها يرتدي بدلة عسكرية تختلف في لونها عن بدلة العسكري الآخر، فكنّا نبدو كأننا كوكتيل مهرجين في حفلة تنكّر فاشلة! يعني على مستوى الهندام كنا غير منظمين، فكيف يكون المحتوى منظمًا! عداك عن شراهة الضباط للمكاسب الخاصة وافتقار معظمهم للثقافة العسكرية السليمة وأسلوبهم البدائي وهو مابدا واضحا في السنوات الماضية.
المهم، حينما تسلّم بشار الأسد السلطة، كان أول شعار طرحه في خطابه هو شعار الشفافية. يومها تسابق الصحفيون في الصحف الرسمية للحديث عن الشفافية، وبقينا شهورًا نقرأ مقالات عنها، ومعظمها تحت عنوان: «الشفافية في فكر القائد»! وكأن القائد هو ماو تسي تونغ أو لينين، وليس مجرد شاب دفعه القدر إلى قيادة بلد مثل سوريا.
ترك ذلك لدي انطباعًا منذ البداية بأن هذا الرجل فيلسوف لديه مشكلة مع محيطه، تتعلق بمحاولته إظهار نفسه على أنه متزن.
المشكلة كانت دائمًا أن كلام بشار ونظرياته وطرحاته في وادٍ، والشعب والمحيطون به في وادٍ آخر، وبينهما فجوة واسعة جدًا بين الكلام النظري والتطبيق العملي.
ازدادت هذه الفجوة أكثر بسبب عدم وعي بشار الكامل بمشاكل البلد الحقيقية. وأكبر مثال على ذلك تحوّله إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي نجح في ألمانيا بعد الحرب، وكان يتأمل أن ينجح في بلدٍ ينخره الفساد من ساسه إلى رأسه.
الخلاصة دائمًا أن الكلام النظري لا يمكن أن يؤسّس، بأي حال، لبناء بلد. تنفيذ السياسات يحتاج إلى إرادة نابعة من فهمٍ صحيح للأرض، وإدراكٍ واقعي للتحديات، والعمل وفق المتاح، لا مجرد استجلاب خلاصات تجارب دول أخرى نجحت بعد مطبّات كثيرة ودروس مستفادة من تجارب شعوبها.
لذلك، سلّم بشار الأسد بلدًا منهكًا منذ عام 2010، وكان ينقصه فقط الدمار المادي، وهو ما حدث لاحقًا..