كــــــلــــمة و رؤيــــــــا

رسائل مقتضبة بمناسبة الخامس من حزيران

نصر شمالي

أعيد نشر هذه الرسائل المقتضبة الأربع بمناسبة هذا اليوم، يوم الخامس من حزيران/يونيو، وهي عن حرب العام 1967، وكنت قد نشرتها تباعا سابقا، راجيا قراءتها مجتمعة..
(الرسالة الأولى)
بكلام غير عاطفي نقول: لقد زرعت بذور حرب العام 1967 في نتائج حرب السويس عام 1956، فقد كانت حرب 1967 حرب الولايات المتحدة وليس حرب "إسرائيل"، حيث بتاريخ 3 آذار/مارس 1957 بعث الرئيس الأميركي آيزنهاور بكتاب يقرر فيه: "إن مضائق تيران سوف تكون ممرات دولية"! وبدوره، وضع دالاس وزير الخارجية ملاحظاته التي تقول أن الولايات المتحدة تعتبر كل تبديل في الأمر الواقع في مضائق تيران عما هو عليه بعد حرب 1956 يهدد السلام ويستوجب الحرب! وبعد أن عادت القوات المصرية إلى المضائق في أيار/مايو 1967 اعتبرت عودتها إلى أرض هي لها عدواناً! وأعلن الرئيس الأميركي جونسون أنه يعتبر عودة القوات المصرية عدواناً! قال جونسون: "نحن قلقون من انسحاب قوة الطوارىء الدولية من غزة وسيناء، وأود أن أضيف أن إغلاق خليج العقبة في وجه السفن الإسرائيلية أعطى للأزمة بعداً جديداً وخطيراً، والولايات المتحدة تعتبر الخليج طريقاً للمرور الدولي، وقرار إغلاقه في وجه الإسرائيليين غير مشروع، ويمكن أن يؤدي إلى موقف يهدد السلام"! وهكذا تكون واشنطن هي من أعلن الحرب.
(الرسالة الثانية)
صارت واشنطن سيدة إمبراطورية السويس بعد حرب عام 1967! فهي، في الخمسينيات، حلت محل بريطانيا في المنطقة العربية التي ازدادت أهميتها أكثر بكثير.. ولكي تتحقق السيادة على المنطقة بشكل جيد كان لا بد من السيطرة على قبرص و شواطىء البحر الأحمر وعلى مضيق باب المندب وعلى سوقطرة وحضرموت، وحتى جزر كوريا موريا اليمنية على الأقل! إن كل قوة طامعة تستطيع انتزاع قناة السويس من البريطانيين كان لا بد لها من أن تصبح سيدة لإمبراطورية السويس إذا كانت حريصة أن لا تفلت القناة من يدها، وهذا المطمع هو الذي دفع واشنطن إلى وضع مخطط يقتضي تنفيذه أن تكون لها علناً رقابة على قبرص وعلى المنشآت العسكرية الإسرائيلية، وأن يكون لها موطىء قدم عسكري في السعودية وفي الحبشة، وأن تحاول باستماتة إخضاع مصر والسودان واليمن والصومال، وجميع تلك البلدان التي كانت تابعة لبريطانيا ولغير بريطانيا!
وفي هذا السياق نشبت حرب عام 1967، حيث أصبحت واشنطن سيدة إمبراطورية السويس!
(الرسالة الثالثة)
ما هي ميادين حرب عام 1967؟ لم يكن ميدان حرب 1967 هو تلك الرقعة من الأرض التي دارت فوقها المعارك، فقد شمل ميدان الحرب شمال أفريقيا، ومالطة، واليونان، وتركيا، وإيران، وشبه الجزيرة العربية، والبحر الأحمر! لقد شنت الولايات المتحدة الحرب عام 1967 ووضعت في حسابها جميع الوسائل لتربحها بسرعة! ولقد لاحظ الملحقون العسكريون الغربيون وسواهم أن قاعدتي "ويليس" و"العدم" الأميركيتين في ليبيا قد نشطتا نشاطاً محموماً طيلة الأسابيع التي سبقت نشوب الحرب.. وكذلك كان الحال في القاعدة الأميركية في أسمرة التي كانت مجهزة بواحدة من أعظم محطات الاتصالات اللاسلكية في العالم وواسطة الاتصال بين واشنطن وقيادة جيوشها في الهند الصينية، ومن هذه القاعدة تلقت الطائرات إشارات استطلاع إسرائيلية قبل أن تنطلق لأداء مهماتها.. وكان للمطارات العسكرية في إيران وتركيا واليونان، المرتبطة باتفاقات تسمح باستخدامها، دورها في حرب 1967، يضاف إليها القاعدة الجوية الأميركية الكبرى في الظهران! وكذلك فإن الأسطول الأميركي السادس كان في حالة تأهب قصوى، وقد راح يجول في عرض البحر، متخذآ من قبرص وكريت والموانىء التركية نقاط استناد! وكان إسهامه في الأعمال الحربية ملحوظاً، حتى أن المراقبين يملكون وثائق مخزية حول تحركاته!
(الرسالة الرابعة)
هم أغلقوا قناة السويس، فمن خسر ومن ربح؟ منذ أغلقت القناة حرمت مئات الموانىء الأوروبية وغير الأوروبية من شريانها الحيوي.. وأصبح الإغلاق في يد واشنطن ورقة رابحة تلعب بها في المفاوضات مع أوروبا والروس لتحقيق انصياع أوروبا أكثر لسياساتها الدولية ولكبح جماح الروس! أما إسرائيل التي كانت تطالب بالسماح لها بالمرور في القناة فقد صارت تتمنى أن تظل القناة معطلة إلى ما لا نهاية!
والحال أن سفن الولايات المتحدة ليست بحاجة لقناة السويس، وواشنطن بحاجة للقناة كسلاح للضغط الدبلوماسي.. فمن مجموع 20635 سفينة عبرت قناة السويس عام 1956 كانت منها 789 سفينة روسية، و 1125 سفينة فرنسية، أما عن السفن البريطانية التي توقفت وعن الخسائر البريطانية التي تحققت فقد بلغت أكثر من عشرين مليون جنيه إسترليني في الشهر، حتى أن لندن اضطرت لتخفيض قيمة نقدها، وبات مركزها المالي الدولي مهدداً في العام 1968!
وأما عن خسائر مصر بسبب إغلاق القناة فهي خسائر، على أهميتها بالنسبة لمصر، لا تستحق الذكر قياسآ بخسائر الدول الأوروبية!
وأما عن إسرائيل، فقد أسكرها انتصارها السهل ضد العرب، الذي أهدته لها واشنطن، وأوصلها إلى حالة من العربدة وفقدان التوازن، بفضل عملية حربية هي في حقيقتها فصل من حرب عالمية، لكن واشنطن أرادت إظهارها على أنها مجرد حرب إقليمية محدودة الأطراف ومحدودة الأسباب والأهداف، تقتصر على العرب والإسرائيليين فقط! فحسنت بذلك موقع إسرائيل الإقليمي وأضعفت موقع العرب إلى أبعد وأسوأ الحدود!
--------------
- المرجع كتاب "مفاتيح الحرب" - بيير روسيه