"شي بضحّك"!
2022.03.31
بيانكا ماضيّة:
في أحد بيوت مدينة اللاذقية، فتاة في الخمسين من عمرها، مصابة باضطراب نطق وتخلف عقلي واضطراب سلوك، تنسحب من محيطها، وليس لديها المقدرة على التجاوب والتعلم. سبب هذه الإصابة رضّ على الرأس أعقبه التهاب دماغ وترفع حروري أدى إلى فقدانها النطق تماماً، ولكن السبب الرئيس لهذه الإصابة هو العدوان الإسرائيلي على المدينة في أثناء حرب تشرين التحريرية..
في ذاك العام قام الكيان المؤقت بعدوانه على اللاذقية، فأصاب خزانات النفط الواقعة في منطقة الرمل الشمالي، والتي انفجرت حينها فأحدثت انفجارات متتالية، أدت إلى سقوط أبنية وشهداء وجرحى، وفي ذاك البيت الذي يضم الأم وابنتها الطفلة التي كانت طليقة اللسان، والتي كانت تبلغ من العمر آنذاك سنتين تم سقوط جزء من السقف على كتف الأم التي كانت حينها تجهز نفسها للذهاب إلى الملجأ، إذ كانت الأجواء تنذر بقيام عدوان إسرائيلي، كانت الأم قد حممت ابنتها ووضعتها في سريرها، وما إن بدأ العدوان بإطلاق صواريخه حتى ركضت الأم من الغرفة المجاورة لتتفقد ابنتها، فرأتها تركض من زاوية إلى أخرى هلعة خائفة، ترتعد جراء القصف وتنظر إلى السقف، مصابة بالرعب والخوف، ودماؤها تملأ وجهها وثيابها..
بعد انتهاء العدوان وبعد سنوات أخذت الأم الطفلة إلى طبيب جراح في دمشق، لأنها اكتشفت خلال نموها أنها لم تعد تنطق بحرف. كان ذاك الدكتور هو الطبيب الجراح محمود شحادة خليل الذي قرر حينها إجراء عملية جراحية لرأس الطفلة، بعد إعطائها أدوية ساعدتها على إعادة النطق إليها نوعاً ما. ولكن بعد فترة وحين حان وقت العملية الجراحية وبدل أن تتم لرأس الطفلة، تمّت عملية اغتيال لرأس الطبيب الجراح من قبل الإخوان المسلمين، عملية اغتيال أعلن عنها التلفزيون العربي السوري آنذاك.
من المفردات التي تلفظها الفتاة اليوم "شي بضحّك" و"بالعكس" ولكن بعد مضي خمسين عاماً تقريباً على ذاك العدوان الإسرائيلي وعدم مضي أسبابه ونتائجه حتى هذا اليوم هناك "شي ببكّي" و"بالعكس"..
خطر ببالي أن أقول للفتاة: خديجة! اليوم الصواريخ على "إسرائيل" فنظرت إلي وقالت: "شي بضحّك" ولم أجد إلا وقد بدأت خديجة تدندن ألحان أغنية (بعدك على بالي ياقمر الحلوين يازهر بتشرين يادهب الغالي بعدك على بالي).
الجماهير